الجمعة، 22 نوفمبر 2024 11:25 ص

"الأستاذ" بين صالات التحرير وقصور الرئاسة.. علاقة متوترة مع "الملك" وخصومة مع "نجيب" ومحبة لـ"عبدالناصر".. عداء مع السادات وتهميش من مبارك.. وجفاء من "مرسى" واحتفاء وتقدير من السيسى

هيكل.. الجورنالجى وصاحب الجلالة

هيكل.. الجورنالجى وصاحب الجلالة هيكل.. الجورنالجى وصاحب الجلالة
الأربعاء، 17 فبراير 2016 09:12 م
كتب حازم حسين
رحلة طويلة قطعها محمد حسنين هيكل على صفحات الحياة والصحف، وأُسدِل الستار عليها صباح اليوم، الأربعاء، مغلقًا دفتى كتاب ضخم من المواقف والعمل والأفكار والأطروحات التى يندر أن تتوفر لصحفى أو سياسى أو إنسان عادى فى مسيرة حياته المؤطّرة بالمحدودية وضيق الزمان والمكان، فما بين الولادة فى 23 سبتمبر 1923، والوفاة فى 17 فبراير 2016، حديقة مترامية الأطراف بحسابات البشر العاديين، قوامها 93 سنة من الحياة، و74 سنة من العمل والخدمة فى بلاط صاحبة الجلالة، ومثلها من الحضور اللامع ذى البريق والتأثير فى أروقة السياسة وأبهاء القصور ودوائر السلطة والحكم.
لا يمكن بأيّة حال من الأحوال أن نقف على مسيرة محمد حسنين هيكل كما نقف على تواريخ وسياقات حياة العاديين، سواء من أبناء مهنة البحث عن المتاعب أو من غيرهم، ففى رحاب "الأستاذ" وتوثيق عطاياه الجزيلة للمهنة والسياسة والحياة والفكر، تحتاج إلى أن تكون دقيق الملاحظة، مهتمًّا بالهوامش والتفاصيل، قادرًا على حصر الصور والدقائق الصغيرة وتجميعها ورتقها إلى جوار بعضها، لتكتمل الفسيفسائية الضخمة وتتضح الصورة، كاشفة عن قلم مختلف وذى نكهة مميزة، وعن عين بصيرة ونافذة إلى العمق والجوهر، وعن عقل حصيف وبصير وشوّاف، يرى ما لا يُرى، ويفض غلالات الأفكار والعلاقات الخفيّة، ويفكّر ويبحث ويسأل ويجيب، ليصنع أسطورته الخاصة الموثّقة على صفحات الصحف، وفى متون الكتب، وفوق هامات الأنظمة والزعامات السياسية.
محمد حسنين هيكل copy

هيكل "الجورنالجى".. إتقان الاقتراب من السلطة ومراكز صنع القرار


بدأ "هيكل" رحلته العملية فى بلاط صاحبة الجلالة قبل ثلاثة أرباع القرن تقريبًا، وتحديدًا فى العام 1942، صحفيًّا للتحقيقات فى جريدة "إيجيبشيان جازيت"، وخلال الفترة الأولى لعمله فى المهنة نجح فى ارتقاء السلم سريعًا، وقطع أشواط بعيدة قطعها غيره فى سنوات، وتسجيل نجاحات كبيرة ساعدته على أن يعبر المساحة العادية للصحفى الشاطر، إلى المساحة الاستثنائية للرجل الفاعل والمؤثر فى الأحداث، والمشارك فى صنعها، ككاتب ومفكر وصاحب رأى، وكمستشار وداعم وصديق وخصم ومناوئ وعدو وحبيب للحكام والملوك والرؤساء وصناع السياسة فى مصر.

خلال رحلته العملية، ومع الارتقاء من مقعد الصحفى "الجورنالجى" إلى منصّة المفكر والسياسى وصاحب الرأى وشريك صناعة الأحداث، عبر "هيكل" على أنظمة حكام وعلى حكام عديدين، بدءًا من الملك فاروق، وصولاً إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى، وفى كل محطة من هذه المحطات كانت لـ"هيكل" مواقف ومشاهدات وأفكار وآراء، تشكّل فى مجموعها صورة بانورامية عريضة لرحلة حافلة بالحضور اللامع الأنيق.

الأستاذ والملك.. التأرجح بين الإجلال والنقد


فى علاقته بالملك فاروق، الذى ارتقى عرش مصر فى العام 1936، بينما كان هيكل يستعد لبدء رحلته الصحفية بعد سنوات، كان محمد حسنين هيكل متأرجحًا بين مستويات من الخطاب، ربما يتصل الأمر بحداثة مشروعه العملى وبدء تشكّل شخصيته الكاريزمية المميزة، لتظل رؤيته للملك موزّعة بين رؤية شاب وصحفى مبتدئ لحاكم الدولة ورأسها الكبرى، ورؤية ناقد وصاحب رأى تتقد فى صدره الأفكار المتجاوزة لمحدودية الموقع والعمر والمكانة.
الملك فاروق copy

فى مرحلة أواخر أربعينيات القرن الماضى، التى شهدت خروج هيكل بقوة من دائرة المحرر وصانع الموضوعات الصحفية النوعية، إلى دائرة أكثر اتساعًا لكاتب رأى وصاحب وجهة نظر وتحليل، كتب هيكل مقالات عديدة عن الملك الشاب ونظام حكمه وسياساته، منها مقال حمل عنوان "دموع ملك فى حالة قلق"، حلل فيه شخصية الملك فاروق ومواقفه السياسة واستجابته لتعقيدات الواقع المحيط به، مفسّرًا ارتباكه بأنه خوف على السياسة العامة وعلى الشؤون الخاصة فى الوقت ذاته، وبينما كانت لغة المقال تشير نوعًا ما إلى موقف حاد من الملك، أو على الأقل ينزله من منزلة القداسة والإجلال إلى أرض النقد والمساءلة والتحليل، شهدت الفترة نفسها مقالات أخرى للأستاذ، كانت أكثر إجلالاً وتبجيلاً للملك، منها مقاله المنشور فى مجلة روز اليوسف يعنوان "فى يوم عيدك يا مولاى"، والذى يمتدح فيه مواقف وسياسات وقرارات الملك، ويلتمس له الأعذار على خلفية الظرف السياسى وتعقيدات الأمور والوقائع المحيطة به، ولكن ما بين مستويى الخطاب، جاء موقف "هيكل" من النظام الملكى بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، وتبنّيه لخطاب الثورة ورجالها من الضباط حديثى العمر، كدليل ثالث على موقف أكثر تعقيدًا وتركيبًا من الملك، إذ يبدو أن شيئًا من النقد الحاد والقصاص العميف من النظام الملكى هو ما انطوى عليه قرار "هيكل" بالوقوف إلى جانب الثورة ودعمها والانتماء إليها.

محمد نجيب.. الأستاذ يحارب "شبح من الماضى"


رغم حفاوة "هيكل" الكبيرة بثورة 23 يوليو 1952 ورجالها، كان موقفه من اللواء محمد نجيب غريبًا، فرغم أنه – نظريًّا على الأقل – من رجال ثورة يوليو وقادتها، وأن ضباط الثورة الصغار عمرًا ورُتبة، اختاروه ليكون ممثلهم وواجهتهم المقنعة للشعب والدوائر السياسية، رآه "هيكل" شبحًا من الماضى، وكتب مقالاً فى صحيفة الأهرام خلال العام 1953 يحمل العنوان نفسه، وهو الأمر الذى زاد من حالة الجفاء التى كانت قائمة أصلاً بين "نجيب" وهيكل.
محمد نجيب copy

مقال هيكل "شبح من الماضى" الذى نشره فى الأهرام بعد سنة من قيام الثورة، سخر فيه من كتاب اللواء محمد نجيب "كلمتى للتاريخ"، ووما أورده اللواء من آراء وقصص ومواقف فيه، وفى مرحلة زمنية لاحقة تجاوز موقف "الأستاذ" من اللواء هذه المرحلة البسيطة من النقد والتقييم، ليحسبه لاحقًا على فريق الخونة والعملاء، إذ اتهمه فى كتابه الشهير "عبد الناصر والعالم" بالعمالة لصالح النظام الأمريكى، مستشهدًا بواقعة تلقيه مبلغًا قدره 3 ملايين دولار أمريكى لبناء برج اتصال لاسلكى، وهذا الاتهام دفع اللواء إلى مقاضاة الأستاذ، ثم سرعان ما تنازل عن القضية فى وقت لاحق، ولكن القضية والتنازل لم يغيرا حقيقة موقف "هيكل" من اللواء محمد نجيب، ورؤيته له كشوكة فى خاصرة ثورة 23 يوليو و"شبح من الماضى".

جمال عبد الناصر.. الجورنالجى والزعيم والحلم المشترك


التأريخ الحقيقى لحضور "هيكل" المختلف والمميز والفاعل، والشريك فى صنع القرار لا نقله وتوثيقه والتسويق له فقط، يبدأ من محطة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فوفق قراءة تاريخية وسياسية واجتماعية تتشابه مسارات الرئيس والأستاذ، بدءًا من اقتراب العمر، وتشابه الحلم والتطلعات، ورحلة الصعود الاجتماعى والطبقى، وصولاً إلى توحّد المشروع - إن جاز لنا هذا الوصف - أو بصورة أخرى يمكننا القول إن "هيكل" وجد فى شخص جمال عبد الناصر صورة المخلص وحامل الأفكار والأحلام الخاصة به، بينما رأى الزعيم فى "الأستاذ" ظهيره المعرفى والفكرى والإعلامى، ومسوّق أفكاره ومستشاره وناصحة الأمين، ومن هذه النقطة اتّحدت رؤاهما وأفكارهما وخطواتهما.
جمال عبد الناصر copy

اشتعال مسيرة جمال عبد الناصر بحلم الثورة والتغيير، وكونه المفكر والمخطط والقائد الحقيقى لثورة 23 يوليو 1952 - وهو ما رآه واكتشفه هيكل سريعًا - كعل الأستاذ يراهن بأفكاره وتطلعاته وقلمه وموهبته على مشروع الثورة/ مشروع عبد الناصر، ليختار راضيًا وقانعًا ومبتهجًا أن يكون الشريك الإعلامى والفكرى للمشروع السياسى، أو أن يكون المشروع السياسى دعامة مسيرته الإعلامية والفكرية، ومن هنا توطّدت العلاقة بين الرئيس والجورنالجى، وأثمرت أفكارًا وخططًا وتحركات مشتركة، حضر فيها عقل هيكل وخياله ولسانه وقلمه كثيرًا، وحضرت فيها كاريزما عبد الناصر وإخلاصه وإيمانه كثيرًا أيضًا، ليصنعا مزيجًا مختلفًا ومميّزًا وفريدًا فى علاقة الكتاب والمفكرين وأصحاب الرأى بالسياسيين ووجوه ووجهاء السلطة، ربما لم يسبق لها نموذج أو سمىّ على تاريخ السلطة والثقافة الطويل، إذ لا يمكننا فى هذا الإطار أن نقرأ العلاقة وفق المنطق التقليدى لروابط بين الحكام وداعميهم والسلاطين ووزرائهم وأصحاب السلطة ووكلائهم الدعائيين، فعلاقة عبد الناصر بـ"هيكل" كانت علاقة الأخواة والشركاء وأصحاب الحلم والمشروع الواحد، وربما لهذا تم حساب "الأستاذ" على عبد الناصر طوال ما كان من عمر الزعيم الراحل، وما تبقى من عمر "هيكل" بعد رحيل شريكه قبل 46 سنة.

أنور السادات.. "محبة عبد الناصر" تتطيح بمكانة الأستاذ


من علاقة "هيكل" بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر تحدّدت علاقته بخليفته محمد أنور السادات، ويبدو أن الأستاذ كان محسوبًا على عبد الناصر بقوة، لا فى دوائر العامة والصحفيين والمثقفين وأصحاب الرأى فقط، ولكن فى دوائر السلطة نفسها، ما حمّله ميراثًا ثقيلاً أمام الوافد الجديد على قصر الرئاسة، وهو الميراث الذى عمّقه "هيكل" بانحيازه لتراث عبد الناصر وأفكاره وانحيازاته، وانتقاده المعلن والمضمر لجانب من سياسات خليفته.
محمد انور السادات (55) copy

فى بداية الأمر أتى "السادات" حاملاً بشارات إيجابية حول طبيعة الإدارة السياسية وتنزيم شؤون الحكم، بدءًا من موقفه الاستعراضى بهدم أسوار السجون وإحراق أشرطة التسجيلات والمراقبة التى جمعتها الأجهزة الأمنية للسياسيين وقادة الرأى، وهو الأمر الذى سمح له بهامش واسع من القبول والترحيب من جانب رجال عبد الناصر وداعميه، أو رجال يوليو وداعميها، وسرعان ما تبدّد هذا الهامش مع توالى مواقف وقرارات السادات الكاشفة عن انحيازات مغايرة، ليس شرطًا أن تكون معادية لعبد الناصر والثورة أو مؤيدة لهما تمامًا، ولكنها انحيازات مغايرة على كل حال، لتبدأ موجة من الصراع المضمر والمعلن بين الأستاذ والسادات، كانت حسابات القوة والمواقع المتفاوتة تقطع بانتصار الأخير فيها، ليصدر "السادات" قرارًا بإبعاد "هيكل" عن مؤسسة الأهرام التى ظل على رأسها طيلة سبع عشرة سنة، منذ العام 1957 وحتى 1974، وصولاً إلى وضعه ضمن قائمة المعتقلين فى اعتقالات سبتمبر 1981.

التحول الكبير فى علاقة "هيكل" بالرئيس السادات كان تاليًا لحرب أكتوبر، ربما لأن بوادر النزعة الفردية واختراع خط سياسى خاص للسادات لم تظهر قبلها، إذ قضى السادات السنوات الثلاثة الأولى من حكمه فى رحلة البحث عن شرعية بديلة لشرعية يوليو 1952، ما تحقق بانتصار أكتوبر، ليبدأ "السادات" رحلته الخاصة والخالصة لأسلوبه وأفكاره فى الإدارة والحكم عقب هذا، موظّفًا شرعيته الجديدة، وهو ما اعترض عليه "هيكل" منتقدًا التوظيف السياسى للحرب، لتبدأ مرحلة الخصومة والعداوة، التى استغل فيها "السادات" سلطاته وصلاحياته فى إبعاد هيكل عن الأهرام وتهميشه وإخراجه من دوائر صنع القرار، بينما استغل "هيكل" قلمه فى توثيق آرائه وأفكاره وانتقاداته للسادات، عبر عشرات المقالات وبعض الكتب التى تناولت تجربة السادات السياسية بالنقد والتقريع، لعل أبرزها كتابه "خريف الغضب" الذى تتبع فيه شخصية السادات بمساراته الاجتماعية والسياسية، فى مستوياتها الشخصية والعامة، بدءًا من والده ووالدته وحتى عائلته وأبنائه وتحولاته السياسية خلال الفترة الملكية وفى عهد عبد الناصر وما بعد الوصول إلى الحكم.

حسنى مبارك.. رخصة مفتوحة للتواصل و"مسحوبة من الأستاذ"


كان الأستاذ محمد حسنين هيكل واحدًا من المجموعة التى أمر الرئيس الأسبق محمد أنور السادات باعتقالها ضمن اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة، وظل هيكل مع المجموعة فى معتقلات السادات لأكثر من شهرين، إلى أن تسلم حسنى مبارك مقاليد السلطة فى 14 أكتوبر 1981 بعد ثمانية أيام على اغتيال السادات، ليتبع وصوله إلى السلطة بالإفراج عن قائمة المعتقلين الـ1536، والتى ضمت عددًا من أبرز السياسيين والكتاب والصحفيين والفنانين والشخصيات العامة, وعقب قرار الإفراج استقبل مبارك "الأستاذ" فى قصر الرئاسة.
حسنى مبارك copy

ملابسات العلاقة بمبارك منذ بداية حكمه، والتى بدأت بقراره بالإفراج عن هيكل ثم استقباله فى قصر الرئاسة والحديث معه لأكثر من 6 ساعات، كانت تشى بصداقة جديدة وإيجابية بين الرئيس الوافد والصحفى وصديق الرؤساء المخضرم، وهو ما تم بالفعل وظل قائمًا لعدّة سنوات، إذ كان الأستاذ معجبًا بمبارك وتجربته السياسية ومساره فى دروب الحكم خلال سنوات حكمه الأولى، وهو الإعجاب الذى يبدو أنه كان متبادلاً، فما بين تعليقات هيكل الإيجابية وآرائه الجيدة فى مبارك خلال سنوات الثمانينات، وموقف مبارك نفسه الذى منحه رخصة مفتوحة للتواصل معه فى أى وقت وبأيّة طريقة، ومهاتفته المستمرة له، وعرض العلاج على نفقة الدولة عليه فى أوقات مرضه وأزماته، كانت الأمور تسير بإيقاع هادش ومستقر، ولكن عدم استخدام رخصة التواصل المفتوحة وسحب "هيكل" لها بنفسه، وأيضًا رفضه لعرض العلاج على نفقة الدولة، ثمّ نقده لبعض سياسات ومواقف نظام مبارك فى وقت لاحق، قادت العلاقة إلى منحنى أكثر توترًا وارتباكًا، تجلّى بقوة فى كتابات وآراء "هيكل" عقب ثورة 25 يناير 2011، ومنها كتابه "مبارك من المنصة إلى الميدان"، ثم حديثه عن غموض شخصية مبارك وارتباكها وتنقاضها ولا منطقيتها، واستشهاده فى هذا السياق بمقال نشرته واشنطن بوست صبيحة السابع من أكتوبر 1981، بعد ساعات من اغتيال السادات وقبل أيام من خلافة مبارك له، كان نصها: "حتى الذين يُقال إنهم يعرفون مبارك، فى الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا"، وهو ما أكّده الأستاذ وشدّد عليه وعلى أننا اقتربنا من مبارك ولكننا لم نعرفه ولم نفهمه، ما يكشف عن رأى سلبى للأستاذ فى رئيس ظل على منصة الحكم 30 سنة، واقترب منه "هيكل" ورآه كثيرًا وتحاور معه أكثر.

محمد مرسى.. عقل الأستاذ يمنحه فرصة وقلبه يرى فيه الأخفاق


طبيعة الأمور والسياقات التاريخية لمن يعرف شخصية محمد حسنين هيكل، تقطع للوهلة الأولى ودون شكّ بأنه لا يمكن أن يكون هناك وفاق بين الأستاذ وجماعة الإخوان ووجوهها السياسية، ما ينسحب بطبيعة الحال على الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية المعزول، والذى ارتقى منصة الحكم فى مصر لسنة كاملة قبل أن يُجهز الشعب عليه وعلى نظامه فى ثورة 30 يونيو 2013.
محمد مرسى copy

محبة "هيكل" للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وعلاقته الإنسانية والسياسية الوطيدة معه، لا يمكن أن تسمح للمطلع على المشهد السياسى فى منتصف العام 2012 بتوقع أى قبول من جانب الأستاذ لنظام الإخوان ولمندوبهم فى رئاسة الجمهورية، محمد مرسى، ولكن عقل الأستاذ الحريص على المنطق والمنهج قطع الطريق على هذه المصادرة بوصف "مرسى" بالرجل الطيب ومطالبة الشعب بمنحهم فرصة، وفى الوقت ذاته صادر قلبه على هذه الفرصة ليؤكد أنه لا يتوقع أن يكون النجاح حليفهم، وعلى هذا المنوال ظلت علاقة الأستاذ بالإخوان ومرسى طيلة السنة التى استأثروا فيها بحكم البلاد، فما بين تلقيه رسائل من الرئيس المعزول عبر الفريق أول "وقتها" عبد الفتاح السيسى، وتجاوبه وردّه على هذه الرسائل بالأفكار والآراء والتعليقات والتفسيرات، وصولاً إلى لقاء "مرسى" والحديث المباشر معه، والتعليق عقب هذا الحوار برأى مركّب ويحمل دلالات وتفسيرات عديدة، إذ قال إنه لم يعرفه من خلال اللقاء، وعلى من يريد معرفته أن يلجأ لأحد أعضاء جماعة الإخوان، وهو الرأى الذى كان مقدمة لنقده لنظام الجماعة والهجوم عليها، قبل 30 يونيو 2013 وبعدها، وصولاً إلى مباركته لإنهاء حكم الجماعة واحتفائه بالسيسى والنظام الجديد.

عدلى منصور.. محبة عابرة وتقدير جيد لرئيس مؤقت


التأريخ لرؤساء مصر وصناع القرار فى دوائرها العليا قد لا يضع المستشار عدلى منصور بين جدارية سكان قصور الحكم، ربما لأنه جاء استجابة لأزمة وبصيغة قانونية ولفترة مؤقتة، ولكنه يظل أحد الوجوه التى عبرت من دائرة السلطة، وتولت مقاليد الأمور فى مرحلة حرجة للغاية، وخلال السنة التى قضاها منصور فى الحكم كان حريصًا على الاستضاءة بالأفكار والرؤى السياسية العميقة والمتداخلة على امتداد المجال المحيط به، وربما لهذا وجّه الدعوة للأستاذ هيكل للقائه فى قصر الرئاسة، وهو اللقاء الذى استجاب له هيكل من موقع الصحفى والكاتب والمفكر وصاحب الرأى، معلنًا تخلّيه عن صفة صانع القرار أو المشارك فى صناعته، إذ نفى فى بداية حواره مع المستشار أيّة علاقة له بالصراع السياسى الدائر أو شراكة له فى المعادلة السياسية متداخلة الأطراف.
عدلى منصور copy

خلال اللقاء استطلع المستشار عدلى منصور آراء الأستاذ فى الراهن السياسى والظروف المحيطة والمتداخلة، وسأل وتحاور واستفسر، وأجاب الأستاذ كعادته، خارجًا بانطباع إيجابى عن الرئيس المؤقت، أوضحه بتصريحات أكد فيها أنه مدرك لطبيعة الموقف المحيط، ويتصرف معه بمنطق رجل الدولة ورجل القانون، وأنه يراه سياسيًّا وأنه فهم قواعد الإدارة والعمل السيساسى، ولكن المستشار عدلى منصور لم يستجب لهذه التصورات، مؤكّدًا اضطلاعه بدور مؤقت استجابة للظرف السياسى، ولكنه اختار أن يعود إلى منصة المحكمة الدستورية.

عبد الفتاح السيسى.. صداقة ناصرية الطابع ورهان على المحبة والإخلاص


المحطة الأخيرة فى رحلة الجورنالجى الأشهر، وصاحب الرأى والفكر والمشورة لكل زعماء وحكام مصر تقريبًا، كانت مع آخر محطة لمصر نفسها ونظامها السياسى بعد ثلاث سنوات من ثورة 25 يناير 2011، محطة الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أتى إلى منصّة الحكم فى ظرف سياسى مرتبك ومتداخل، سادت فيه حالة من الفوضى والتراجع الأمنى والسياسى عقب ثورة الشعب على نظام الإخوان، والوصول إلى صيغة مؤقتة لإدارة شؤون البلاد عبر رئيس تكنوقراط قادم من منصة القضاء.
عبد الفتاح السيسى copy

الظروف السياسية التى حملت السيسى إلى الحكم تركت أثرًا كبيرًا فى مواقف السيسى، وبالقدر نفسه تركت أثرًا فى أفكار وآراء وتحليلات "الأستاذ"، وشهدت الشهور الأخيرة انغماسًا كبيرًا من جانبه فى الاحداث وتداخلاتها، وتقديم رؤى تحليلية وأطروحات نقدية وقراءات للوقائع وسياقات الأحداث، عبر منصّات إعلامية وتليفزيونية عديدة، وهى الرؤى نفسها التى قدّمها للسيسى فى لقاءات شخصية عديدة، والتى ساهمت فى توطّد علاقة الأستاذ بالرئيس، قبل الرئاسة وبعدها، وبشّرت بعلاقة صداقة استثنائية كالتى شهدتها أروقة الحكم بين الأستاذ وعبد الناصر، وتجلّت هذه البشارة فى مواقف السيسى واهتمامه باللقاء بالأستاذ واستطلاع آرائه، كما تجلّت فى وجهة نظر الأستاذ ورؤيته للرئيس الجديد، والذى وصفه بأوصاف جيدة مرات عديدة، والتمس له الأعذار، وقال إنه يواجه ظروفًا صعبة وعصيبة، وإنه يتميز بالإخلاص والتفانى فى مواجهة التحديات، وإن له محبة كبيرة فى قلبه.

print