كتب إبراهيم قاسم - محمد عبد المجيد
يومًا بعد يوم يثبت الإنسان أنه لا سقف لما يمكن أن يفعله، خارجًا على فطرته الإنسانية وما وضعه الله فى روحه من مشاعر وقيم وأخلاقيات، فبينما كرّم الله الإنسان وفضّله على جميع خلقه بميزات العقل والتقدير، وهذّب أخلاقه وخلّصه من الحيوانية وعظّم روحه وحياته، يتصرف بعض الناس على عكس هذه القيم، او تضطر الظروف قطاعًا منهم للتخلى عن هذه القيم، راضين أو مغصوبين، ولكننا فى كل الأحوال وبعيدًا عن الاحتمالات والأسباب لا نملك إلا الدهشة والاستغراب وضرب الأكف ببعضها، جراء بعض المواقف التى يتخلّى فيها الناس عن إنسانيتهم، ويفارقون بشريتهم إلى صفات قد لا تنطبق على الحيوان نفسه، ومن هذا القبيل ما فعله أحد الآباء اليوم فى محيط مجلس النواب.
لم يجد الأب المذكور وسيلة ليعبر بها عن عدم قدرته على الإنفاق على أسرته، بسبب قلة الحيلة أو انعدام الرزق أو ضيق الحال، إلا أن يترك ابنيه، الطفلين الصغيرين، أمام مجلس النواب وبجوار سوره الخارجى، فى حالة بكاء وعويل، حتى يلتفت أعضاء البرلمان لهما، بينما كانت أروقة البرلمان تشهد انشغال الأعضاء بحالة من الحرب والصراع المحتدم على اللائحة، وسط تصاعد موجات الخلاف على بهض مواد اللائحة، واشتعال "خناقة" ساخنة على المادة 97 منها، والخاصة بتكوين الائتلافات تحت قبة البرلمان.
طفلان يبكيان بمفردهما بجوار سور مجلس النواب
كانت البداية عندما فوجئ الأمن الخارجى للبوابة الرئيسية لمجلس النواب، بصوت بكاء طفلين لا يتعدى عمرهما أربع سنوات، يجلسان بمفردهما بجوار السور الخاص بالمجلس، وبالاقتراب منهما تبين أن والدهما - الذى تخلى عن مشاعر الأبوّة والإنسانية - تركهما بجوار السور وغادر المكان، بسبب عدم قدرته على الإنفاق عليهما.
مصادر أمنية: ملابس الطفلين مبللة والمارة يشترون لهما الحلوى
وفيما يخص تفاصيل الموضوع، قالت مصادر أمنية من داخل مجلس النواب، إن الحرس المكلف بتأمين البوابة الخارجية للمجلس، عثر على الطفلين بجوار السور الأمامى، وكانت ملابسهما مبللة تماما، وينخرطان فى حالة من البكاء المتواصل، ما دفع المارة من المواطنين فى شارع قصر العينى إلى الالتفاف حولهما وشراء الحلوى لتهدئتهما من حالة البكاء التى كانوا فيها.
أمن المجلس يستدعى المباحث للتعرف على الطفلين وتفريغ محتويات الكاميرات
وأوضحت المصادر، أن أمن المجلس استدعى المباحث للتحرى عن الطفلين والتعرف عليهما، وتفريغ محتويات كاميرات المراقبة الخاصة بالمجلس، لمعرفة والدهما وهوية الشخص الذى تركهما بجوار سور المجلس.
مواطنون: كثيرون من المصريين لا يستطيعون الإنفاق على أولادهم.. والقطة مش بتاكل عيالها
وفى هذا الإطار، قال محمد إبراهيم، موظف بإحدى الوزارات الكائنة بشارع قصر العينى، إنه فى أثناء خروجه من الوزارة عقب انتهاء عمله، فوجئ بالطفلين بجوار السور الخاص بمجلس النواب، وكانت ملابسهما مبللة تمامًا وينخرطان فى حالة بكاء، ما دفعه إلى الاقتراب منهما، وبسؤالهما عن سبب وجودهما فى هذا المكان ومن تركهما فيه، أكدا له أن والدهما كان يرافقهما، وقال لهما اجلسا بجوار السور وسأعود، لكنه تأخر كثيرًا ولم يعد.
وأوضح "إبراهيم" فى حديثه مع "برلمانى"، أن كثيرين من المواطنين المصريين، ممن لا يتوفر لهم مصدر رزق، ولا يستطيعون الإنفاق على أسرهم، يقفون يوميًّا أمام مجلس النواب ومجلس الوزراء، للتعبير عن حاجتهم لمصدر رزق، إلا أن الدولة تهملهم، وتكون النتيجة ترك أبنائهم فى الشارع كما حدث مع الطفلين.
وفى السياق ذاته، قال عادل أحمد، أحد المواطنين الذين تصادف وجودهم بجوار الطفلين: "القطة لا تأكل أولادها، فما بالنا بالإنسان الذى فضله الله على جميع مخلوقاته، لهذا أستغرب ما قام به هذا الأب وتركه لابنيه بجوار سور مجلس النواب".
وأضاف "عادل"، أن مجلس النواب - الذى يُفترض أن يعيد الحقوق لأصحابها ويساعد الغلابة - مشغول بمصالح شخصية وأزمات داخلية كبيرة، ومنها ضرب النائب كمال أحمد لـ"توفيق عكاشة" بالجزمة خلال جلسة أمس، وانسحاب أعضاء المجلس من الجلسة العامة اليوم بسبب الخلاف على مواد تكوين الائتلافات، ووسط كل هذه الخلافات والمشكلات يموت الشعب جوعًا، ولا أحد يهتم به أو يفكر فى مشكلاته.