جبهات كثيرة فتحت على مصر من المجتمع الدولى، بل من مؤسسات رسمية دولية جميعها تنتقد أوضاع حقوق الإنسان بها، فالأمر لم يعد مقتصرا على بيان البرلمان الأوروبى، الذى انتقد بشدة الأوضاع فى مصر، وركز على قضية الطالب الإيطالى جوليو ريجينى، وخرج بتوصية خطيرة تتعلق بمنع المساعدات الأمنية والعسكرية لمصر، اليوم الخارجية الأمريكية أصدرت بيانا على خلفية إعادة فتح القضية 173 لسنة 2011، والتى عرفت إعلاميا بقضية "التمويل الأجنبى" لمنظمات المجتمع المدنى، انتقد أيضًا القيود، التى تضعها الحكومة المصرية على منظمات المجتمع المدنى.
وبالرغم من أن هذه الانتقادات الواسعة، التى جاءت فى توقيت متزامن، والصادرة من جهات ذات ثقل فى المجتمع الدولى، إلا أن مواجهتها دائما لا تخرج عن تصريح واحد يدور فى فلك "نحن نرفض التدخل فى الشأن الداخلى"، تلك هى العبارة أو "الإكليشيه" الذى دائما ما يستخدم فى مثل هذه الحالات، دون التفكير أو البحث أو حتى الرد بطريقة منطقية وعملية تدحض ما يسوقه المجتمع الغربى ضد مصر.
الردود على البيان الأوروبى ليست على مستوى الاتهامات
المعالجة والتناول لبيان البرلمان الأوروبى هشاشة الرد المصرى بوضوح، فعلى المستوى الرسمى لم يخرج الأمر عن مجرد الرفض والاستنكار والتعلل بأن الأمر تدخل فى الشأن الداخلى، دون تفنيد لما جاء فى البيان، الذى حمل اتهامات خطيرة لمصر، أو الرد على كل بند مما تضمنه، حتى على مستوى مجلس النواب، لم تعبر تصريحات أعضائه سوى عن شجب واستنكار لا يتناسب مطلقا مع حجم هذا البيان.
الخارجية الأمريكية تنتقد تضييق الحكومة المصرية على منظمات المجتمع المدنى
أحدث ردود الفعل الدولية ضد مصر جاءت اليوم، من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، والذى قال إنه يشعر بقلق عميق من التدهور فى وضع حقوق الإنسان فى مصر، بعد قرار إعادة فتح تحقيق بشأن المنظمات غير الحكومية المصرية.
وأضاف كيرى فى بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، "أحث الحكومة المصرية على العمل مع الجماعات المدنية لتخفيف القيود عن حرية إنشاء جمعيات والسماح لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية بالعمل بحرية".
والحقيقة أن القضية 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميا بـ "قضية التمويل الأجنبى" تعود إلى أربع سنوات ماضية، إبان حكم المجلس العسكرى للبلاد عقب ثورة 25 يناير ولم يتم غلقها، وبالرغم من عدم وجود أى تحرك فيها خلال السنوات الماضية، إلا أنه أعيد فتحها مرة أخرى، لورود معلومات جديدة بشأنها – حسب ما قاله قضاة التحقيق-، إلا أن هذا السبب فيما يبدو لم يكن مقنعا لدى البعض الذى ربط بين توقيت إعادة فتح التحقيق فى القضية وبين بيان البرلمان الأوروبى، والذى تحدث فى جزء منه بشكل خاص عن وضع المنظمات الحقوقية، منتقدا إغلاق الحكومة المصرية لمركز "النديم".
بنفس المنطق ونفس الاتجاه، بدأت الحكومة المصرية تتحدث عن المواطن المصرى "عادل معوض" المختفى فى إيطاليا منذ ما يزيد عن 5 أشهر!، حيث ربط البعض بين الحديث عن قضية هذا المواطن للمرة الأولى منذ أيام، – رغم اختفائه منذ شهور - وبين تصاعد الهجوم الدولى على مصر فى قضية مقتل الشاب الإيطالى "جوليو ريجينى"، حتى أن بعض وسائل الإعلام أطلقت عليه "ريجينى المصرى".
لماذا لا يشكل مجلس النواب لجنة لتقصى أوضاع السجون فى مصر؟
خبر تم تداوله أمس الجمعة عن جلسة عاصفة شهدتها الأمم المتحدة بجنيف أمس الأول، الخميس، انتهت فيها إلى توصية بتشكيل لجنة دولية لتقصى أوضاع حقوق الإنسان فى السجون المصرية، على خلفية الحديث حول أوضاع حقوق الإنسان فى عدد من الدول، شارك بها عدد من المحامين الدوليين والجمعيات الأهلية والنشطاء السياسيين، حيث تطرقت الجلسة لوضع السلطة القضائية والمعتقلين فى مصر، والانتهاكات التى تتم فى السجون المصرية بما يخالف لوائح السجون الدولية، إلا أنه منذ قليل خرجت تصريحات على لسان مصدر بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، نفى صحة ما نُشر حول وجود توصيات بشأن أوضاع السجون فى مصر، أو تشكيل لجنة تقصى حقائق دولية لهذا الغرض.
وبغض النظر عن صحة الخبر من عدمه، وإذا كنا نريد ان يحدث مثل هذا الأمر أو نصبح محل انتقاد من الخارج بسبب حقوق الإنسان وأوضاع المعتقلين والسجون، فلا يوجد سوى طريق واحد لسد هذا الباب سوى بتطبيق القانون ومحاسبة المتجاوزين، وهنا نطرح تساؤلا فلماذا لا يشكل مجلس النواب باعتباره الممثل الشرعى للشعب، لجنة تقصى الحقائق، ويبادر هو بفحص وكتابة تقرير عن أوضاع السجون فى مصر فى سبيل كشف أى تجاوز وفى سبيل منع أى انتهاكات تحدث لحقوق الإنسان؟
لماذا نرد على الانتقاد بـتشكيل لجنة لمناقشة انتهاكات الغرب؟!
مجلس النواب المصرى من المفترض أن يكون محملا وعلى عاتقه دور كبير تجاه هذه القضايا وتجاه التحديات الخارجية، التى تواجه مصر، فهو معنى فى الأساس بالرد عليها، لكن للأسف لم نر أو نسجل موقف يستحق الإشادة من جانب مجلس النواب، فى أى من هذه المواقف، وظهر ذلك جليا فى أزمة بيان البرلمان الأوروبى، فخرجت تصريحات النواب حوله بالتنديد والاستنكار ورفض التدخل فى الشأن الداخلى والتدخل فى تحقيقات القضاء، كما أشار البيان الرسمى الذى خرج عن هيئة مكتب المجلس فى اليوم التالى لجلسة البرلمان الأوروبى، بل كانت من أغرب التصريحات، التى خرجت فى هذا الصدد من بعض النواب بأنهم سيقومون بإعداد ملف عن تجاوزات الغرب على مستوى حقوق الإنسان!، وكان البحث والدراسة وتفنيد ذلك البيان الهام والخطير بعيدا كل البعد عن تحرك البرلمان.
الوفد البرلمانى المسافر إلى أوروبا.. إيجابى ولكن
حتى الخطوة الإيجابية التى قرر مجلس النواب اتخاذها، بسفر وفد برلمانى إلى بروكسل تزامنا مع الجلسة القادمة للبرلمان الأوروبى، فى محاولة لتحسين الصورة والرد على ما تضمنه البيان، شابها تشوهات تتعلق بكيفية اختيار ذلك الوفد المسند إليه مهمة غاية فى الخطورة.
مجلس النواب عليه أن يعيد النظر فى تشكيل الوفد المسافر إلى بروكسل
فقد خلا تشكيل الوفد، الذى يضم 9 نواب من أيه خبرات أو تخصصات معنية بالأمر، ويمكنها أن تقدم ملفا قويا للرد على بيان البرلمان الأوروبى، والذى يحتاج الى تفنيد دقيق لكل بند ورد على ما فيه، وإسناد ذلك إلى نائب متخصص، وهو ما كان لابد من مراعاته قبل تشكيل هذا الوفد، فلا يضم الوفد دبلوماسى أو متخصص فى الشئون الخارجية، أو نائب له خلفيات أمنية، او اخر صاحب خبرات قانونية، ولا نعلم على أى معيار أو أى أساس تم تشكيل هذا الوفد.
لا أحد ينكر حجم المخاطر، الذى يواجه مصر داخليا أو خارجيا، ولا شك أن هناك قوى ودولا لا تريد الاستقرار لمصر، لكن الإشكالية تتمثل دائما فى أننا دائما ما نكون رد فعل لأى حدث، والإشكالية الأكبر هو أن رد الفعل هذا دائما ما يكون فاقدا لحجم وتقدير الموقف وفى اتجاه آخر بعيدا عن صلب القضية، وهو ما يضعف من موقفنا على المستوى الدولى، وعليه فإن الأمر يستلزم إعادة التفكير فى منهج تعاملنا مع هذه الوقائع الهامة التى تمس وضع مصر الدولى، سواء على المستوى الرسمى المتمثل فى الخارجية المصرية، أو على مستوى التحركات التى يرتبها مجلس النواب للرد على هجمات الخارج ضد مصر، والذى عليه أن يعيد النظر فى تشكيل الوفد المسافر الى بروكسل إذا كنا نريد أن نسير فى المسار الصحيح.