الجمعة، 22 نوفمبر 2024 08:38 م

موازنة السيسى لم تلتزم بالـ10% للصحة والتعليم.. فهل يقبلها المجلس ويخالف الدستور ويطبق نظرية "النوايا الحسنة".. أم يصطدم بالشعب ويخفض الدعم والأجور.. أم يطلب الاقتراض ويرفع العجز؟

البـرلمــان فى ورطـة

البـرلمــان فى ورطـة البرلمان فى ورطة
السبت، 02 أبريل 2016 04:00 م
تحليل تامر إسماعيل
شيئان كانا من أهم مكتسبات ثورة 30 يونيو ودستورها الذى تم إقراره فى 2014، الأول هو مشاركة البرلمان للرئيس والسلطة التنفيذية فى السلطة، وتحمله مسئولية مؤثرة فى رسم سياسيات واتخاذ قرارات انتظرها المصريون كثيرا، وتأخرت كثيرا بسبب استئثار السلطة التنفيذية بكل مقدرات السلطة على مدار العهود السابقة، أما الأمر الثانى، فكان ما أقره الدستور فى مواده 18 و19 و21 و238، والتى ألزمت الدولة بتخصيص مجموعة 10% من الدخل العام للدولة فى الموازنة، للإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم وبحث العلمى.

البرلمان فى ورطة (2)


الحكومة قدمت رؤيتها وألقت الكرة فى ملعب البرلمان


ولم يتوقع من كتبوا ومن أقروا هذا الدستور، أن هذين المكتسبين سيصطدم فى أول تطبيق لتلك المواد، فى موازنة 2016/2017، والتى تعرض على أول برلمان عقب ثورة 30 يونيو ودستورها، حيث لم تلتزم تلك الموازنة التى أقرها الرئيس عبد الفتاح السيسى ليلة الخميس الماضى، وأرسلها إلى المجلس لمناقشتها بتلك النسبة الدستورية.
وأقرت الحكومة بهذا العوار، مشيرة إلى أن الدولة ملزمة بتلبية احتياجات المواطنين من الأجور والدعم، إضافة إلى خدمة الدين العام، وهو ما يأخذ 80% من مخصصات الإنفاق فى الموازنة، وأن الإنفاق على الصحة والتعليم، وإن لم يلب ما تم النص عليه فى الدستور، فإنه زاد فى الموازنة الجديدة، مقارنة بالعام الماضى، وأن الموازنة لازالت مجرد مقترح، وأنه وفقا لأحكام الدستور، البرلمان هو المسئول عن الموافقة النهائية على الميزانية، أو تعديل بنودها بما يتراءى له، وكفله الدستور، أى أنها تقول بشكل واضح: "الكرة فى ملعب البرلمان".

معهد-الاورام

هل يضحى البرلمان بالدعم أو الأجور حتى لا يخالف الدستور؟


وهنا يصبح أمام البرلمان عدد من البدائل للخروج من تلك الورطة، والواقع يؤكد أن أحلى هذه البدائل مر، ففى حال رفض الحكومة لما جاءت به الموازنة، سيصبح البديل الأول هو أن يطلب البرلمان من الحكومة تخفيض حجم الإنفاق على بنود تلتهم أجزاء كبيرة من الموازنة، وهنا سيكون الحديث بوضوح عن بندى الدعم والأجور اللذان يستهلكا 50% من الموازنة تقريبًا، حيث خصصت الدولة للأجور فى الموازنة الجديدة 228 مليار جنيه، وخصصت للدعم، 210 مليار جنيه، خاصة أن البند الثالث الأخر الذى يلتهم جزءا كبيرا من الموازنة هو بند خدمة الدين، وهو بند غير قابل للتفاوض فى شأنه لأنه يمثل التزامات على الدولة واجبة السداد، وباقى بنود الإنفاق تخص التنمية والاستثمار، والمشروعات الكبرى، وهو ما لن يلجأ إليه المجلس، لأنها أبواب إنفاق مهمة وضرورية، فلن يتبقى أمام البرلمان سوى تخفيض الدعم أو الأجور، ويصبح فى مواجهة مع الشعب الذى لن يقبل المساس بهذين البندين.

مدرسه-ابتدائى-تصوير-عمرو-دياب-(4)

الاقتراض حلا معلبا ويزيد أعباء الموازنة خلال الأعوام المقبلة


أما الخيار الثانى، الذى لن يجد البرلمان بديلا غيره، إذا أراد تنفيذ مواد الدستور، فيما يخص الإنفاق على الصحة والتعليم، هو أن يطلب البرلمان من الحكومة الاقتراض لتنفيذ رؤية الدستور، وتوفير احتياجات الإنفاق على هذين القطاعين، وخطورة هذا الطلب أيضًا أنه سيمثل سيرا فى اتجاه معاكسا لما تسعى إليه الحكومة والرئيس من محاولات لتقليل الإقتراض، وتقليل نسبة عجز الموازنة سنويا، حيث تستهدف الموازنة الجديدة أن تصل بالعجز إلى 9.8%، مقارنة بـ11.8% فى العام الماضى، إضافة إلى أن تلك القروض الإضافية، ستمثل عبئا على الموازنات المقبلة، لأن ستصبح ديونا، تتحمل الموازنات المقبلة عبء سدادها وسداد فوائدها.

على-عبد-العال

البديل الصعب.. الموافقة على الموازنة ومخالفة الدستور


وهنا لن يصبح أمام البرلمان إلا خيارا واحدا، هو أن يوافق على هذه الموازنة كما هى ويقرها بما تحمل من أرقام ويسقط فى فخ مخالفة الدستور الذى جاء وأقسم على الحفاظ عليه وعلى تنفيذه، وتلبية طموحات الشعب التى حفظتها مواده، وتأتى دواعم هذا الاختيار، من صعوبة الاختيارات الأخرى، وهو أن يرفض البرلمان الموازنة، ويناقش تعديلها لتنفيذ ما نص عليه الدستور ويكون أمام البدائل المذكرة سابقا، والتى يؤكد صعوبة تنفيذها عدم لجوء الحكومة إليها أثناء وضعها للموازنة.

زيارة-السيسى-للبرلمان-13-2-2016-(7)

هل يحيى البرلمان كلمة الرئيس "الدستور كتب بنوايا حسنة"؟


وفى متاهة هذه الأزمة التى تواجه البرلمان وموازنة العام المقبل، يعود إلى الأذهان كلمة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى شهر سبتمبر الماضى، خلال إحدى لقاءاته مع الشباب، عندما تحدث عن الدستور قائلا: "الدستور كُتب بنوايا حسنة، والدولة لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط".

زيارة-السيسى-للبرلمان-13-2-2016-(23)

هذه الجملة التى تسببت فى جدل كبير فى الوسط السياسى، وفردت لها البرامج والصحف ساعات وصفحات، لتحليل ما كان يقصده الرئيس من ورائها، ذهب البعض لحسن النية، وفضل آخرون سوء النية، إلا أن أفضل تحليل لهذه الجملة هو ما تطرحه هذه الأزمة الآن، فما بين دستور يحمل طموحات وحقوق لا جدال عليها، وبين واقع يفرض على الجميع مفردات ومعطيات محدودة، سيقف البرلمان أمام اختيار الموازنة الجديدة، ليؤكد أن الدستور قابل للتنفيذ، أو يعيد إحياء كلمة الرئيس بأنه كُتب بنوايا حسنة.

البرلمان فى ورطة


الأكثر قراءة



print