كتب تامر إسماعيل
فى مفاجأة قوية، ربما تقلب موازين الجدل الدائر حول قضية جزيرتى تيران وصنافير بشكل كبير، ظهر معامل جديد فى معادلة ملكية الجزيرتين، وهو رأى الكاتب الكبير، الراحل محمد حسنين هيكل، أو الأستاذ، أحد أبرز الكتاب والصحفيين والمحللين المقربين من دوائر السلطة والسياسة العليا لسنوات طويلة، وهو الرأى الذى نشره فى كتاب "سنوات الغليان" الصادر عام 1988.
أكثر ما يعطى هذا العامل الجديد ثقلا وقوة، هو أنه رأى لشخص راحل، أى أنه لم يعد ذا مصلحة فى رأيه، أو موجّهًا من جهة ما، أو ينفذ أجندة أو ينحاز لاتجاه، والأمر الثانى هو أن الكتاب صادر منذ أكثر من 25 عامًا، أى أن أمر الخلاف حول الجزيرتين لم يكن مثارًا وقتها، والرأى الذى تضمنه كتاب الأستاذ هو أن جزيرتى "تيران وصنافير" سعوديتان، وأن مصر كانت تمارس سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية فى الخليج من خلالهما، والتنسيق مع الرياض بهذا الشأن.
هيكل: وضع تيران وصنافير تحت تصرف مصر بترتيب خاص مع الرياض
ويستكمل الأستاذ هيكل رأيه فى كتاب "سنوات الغليان"، مقدّمًا مزيدًا من التفاصيل، بالقول: "جزر صنافير وتيران كانت تمارس منهما مصر سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية فى الخليج، وهى جزر سعودية جرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض".
وفى موضع آخر من الكاتب، يسرد "هيكل" قصة الطلب السعودى بإنزال سرية مشاة على أرض الجزيرتين، وهو ما قبله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقابله المشير عبد الحكيم عامر بالرفض، ويقول هيكل عن هذه القصة: "يوم 3 يونيو ظهرت على الشبكة السعودية برقية أخرى مرسلة من تبوك إلى الرياض، جاء فيها، صدر أمر سموكم رقم 153 بوضع سرية مشاة فى جزيرتى تيران وصنافير، فى المكان الذى كان يشغله المصريون، نرجو تحضير سرية بكامل معداتها وتجهيزاتها وسياراتها، وسنقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تأمين الزوارق اللازمة لنقلها إلى الجزيرتين، وتأمين الاتصال بهما، وإشعارنا عند الانتهاء من التحضير، نعدكم باللازم، رئيس الأركان"، وهذا الإجراء يثبت أن السلطات السعودية كانت تتحرك فى هذه الفترة دون جدل حول ملكيتها للجزيرتين من عدمه.
السعودية تترك الجزيرتين لمصر بعد حرب 84 لإحكام السيطرة على العقبة
وتابع الأستاذ محمد حسنين هيكل روايته بالقول: "كانت جزيرتا تيران وصنافير، الواقعتان عند مدخل خليج العقبة، مملوكتين للسعودية، التى تركتهما لمصر بعد حرب فلسطين 1948، بهدف إحكام السيطرة على خليج العقبة، وبدت رغبة الملك فيصل فى احتلالهما الآن غير مفهومة للذين قرأوا برقية الشبكة السعودية".
واستكمل "هيكل" روايته كاشفًا موقف المشير عبد الحكيم عامر، والرئيس جمال عبد الناصر، من هذه الخطوة السعودية، قائلاً: "كان رأى المشير عبد الحكيم عامر أنه رغم وجود قوات مصرية محدودة فى الجزيرتين، طبقًا لخطة الدفاع المعتمدة عن مداخل الخليج، فإنه لا يصح السماح للسعوديين الآن بالعودة لاحتلالهما لأن الأمر قد تكون فيه لعبة".
الأستاذ هيكل يكشف حقيقة موقف الزعيم جمال عبد الناصر
وعن موقف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، قال هيكل فى كتابه: "كان رأى جمال عبد الناصر أنه لا ينبغى اعتراض السعوديين إذا أرادوا النزول فى الجزيرتين، فذلك يجعل السعودية شريكة بالتضامن فى قفل خليج العقبة، إلا إذا اتخذت موقفًا غير ذلك وأعلنته، وهو ما يؤدى لإحراجها إحراجًا لا تستطيع تحمّله، ويبدو أن تقديرات جمال عبد الناصر كانت صحيحة، ففى صباح يوم 4 يونيو، ومن العاصمة البريطانية لندن، بعث الملك ببرقية إلى وزارة الدفاع السعودية، يقول فيها: أوقفوا تيران وصنافير حتى تتجلى الأحوال".
وتكشف تلك الرواية التى يقولها الأستاذ فى كتابه، عن أن الأمر لم يكن يُناقش على الإطلاق حول ملكية الجزيرتين، بل إن ذلك كان من المسلّمات، بل إن جمال عبد الناصر -حسب رواية هيكل - أراد أن يُشرك السعودية بحنكته السياسية فى التضامن مع قفل خليج العقبة، وهو ما أدركته المملكة وتراجعت عن إنزال سرية المشاة، ولم يكن حديثه متعلّقًا بأنه ليس من حقها إتمام عملية الإنزال، أو أن الجزيرتين ملك مصر.