كتبت سماح عبد الحميد
ينشر موقع "برلمانى" نص كلمة الدكتور طارق رضوان، نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، فى مؤتمر الأحزاب الليبرالية لمواجهة التطرف.
"يطيب لى بداية، أن أتقدم بكل الشكر والتقدير لحضراتكم لما تلمسناه من جهد وعناية وحرص على تنظيم هذا المؤتمر الذى نجتمع فيه اليوم لمناقشة موضوع مواجهة التطرف. ذلك الأمر، الذى بات مُعترَكاً عَنيفاً يُمثل بذاتِه خطراً ينال من أمن واستقرار الأمم والشعوب، لاسيما أمتنا العربية التى تعُج ساحاتها بالعديد من الصراعات التى تزايدت إرهاصاتها منذ بزوغ فجر الثورات العربية التى اندلعت خلال السنوات المنصرمة، وتأججت على إثرها الفتن ودخلت بأمتنا العربية فى لدَدِ عنيف عنيد إثباتاً لنظريات وآراء ومذاهب كان مبناها التعصب والانحياز المتطرف الذى لم يدفع ثمنه ولم يعان مغبته وآثاره سوى شعوبنا العربية، التى تقطعت أوصال البعض منها شتاتاً وهجراً للموطن والأرض، وتفرقاً وصراعاً على الأرض الواحدة والوطن الواحد فى بعض آخر.
السيدات والسادة...
الإخوة والأخوات...
إذا كان اجتماعنا اليوم لتدارس ومناقشة التطرف كقضية نـُدرك جميعاً أنها لا تقتصر على دولة بعينها أو شعب بعينه، بل امتدت بآثارها لتشمل السواد الأعظم من شعوب أمتنا العربية، تزرع أحقادها وتدس سُمومها بمنهجية شديدة الاحتراف، وما من شك من ضرورة الاعتراف بتلك الحقيقة حتى نتمكن من وضع الأساس لقواعد الحوار والمناقشة البناءة التى تثرى جهودنا المبذولة والحثيثة لمعالجة تلك القضية ورفع أنقاضها وركامها عن وجه أمتنا ونعبر بأوطاننا من فوق آتون نيران التطرف التى نالت ولا تزل تنال من استقرارنا وأمننا القومى سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، فلابد أن ندرك وبحق، أن السبيل الأوحد للتغلب على تلك المُعضلِة والخروج من هذا المُعترَك، هو توافر وتحقيق الإرادة السياسية التى تتمخض عن عقل جمعى يوحد الغاية ويحدد الهدف فى مواجهة قضية التطرف .
السيدات والسادة...
إن آفة التطرف كانت النتاج الطبيعى لانحراف الفكر وتعصب وتصلب عقول ترفض فكرة الرأى والرأى الآخر... نبذت المنطق وأبت ألا تنصاع لحوار العقل الذى يستوعب الغير، أياً ما كان ذلك الغير وأياً ما كان رأى ومُعتقد هذا الغير وما تساند عليه وتكوّن على أساس منه، فانطلق التخلف ينخر فى العقول وينال من طبيعة الاختلاف التى هى فِطرة الحياة كما خلقها الله سبحانه وتعالى، الذى قدر فهدى وخلق بمشيئة منه الناس شعوباً وقبائل لتتعارف، وتنهل العلم لتدرك حقيقة الأشياء بما أوتيت من علم وبما وازنت من الأفكار والمعتقدات، فتنتقى وتفرز من بينها ما يعمل ويستهدف نهضتها وازدهارها، ولتقف على حقيقتها، وتفرق ما بين غث وثمين. تلك هى الغاية وذلك هو المُبتغى من الأيديولوجية الليبرالية التى نستهدفها إرساءً لحرية تصون وتبنى وتحقق للإنسان كرامته بتحقيق قدرته على الاختيار والانتقاء عن علم وإدراك لا عن جهل وتعصب، بما ينأى بأهدافنا عن شبهات ودعوات مُضللة لا تنتصر إلا للرأى والفكر الواحد أياً ما كان مضمونه ومحتواه أو مَبناه أو اعتقاده، ليبسط على المجتمعات سطوة غاشمة تضرب عصب المجتمعات و تعصف بالعقول انغلاقاً وتعصباً عابثة بمقدراتها ومصائرها.
السيدات والسادة...
الحضور الكريم...
إننا فى مصر، أدركنا بالفعل ضرورة الاهتمام والتركيز على معالجة قضية التطرف، بإيمان راسخ وبإرادة حقيقية قوية لوضع الآليات التى من خلالها نتمكن من إرساء دعائم لديمقراطية مسئولة ناضجة، وبمراجعات للخطاب الدينى وتطويراً لمنظومته، فلقد تلاقت تلك الإرادة ما بين ثلاثة أطراف مجتمعة هى القيادة السياسية، والحكومة، والجهود البناءة للأحزاب والتكتلات السياسية المختلفة، لاسيما الأحزاب الليبرالية التى تعتنق وتنتهج طريق لتجديد الخطاب الدينى بحسبانه مناط مُعترك التعصب والتطرف لما له من اتصال وثيق الصلة بقضايا المجتمع، بالتوازى مع ترسيخ دعائم الديمقراطية الحقيقية المسئولة التى تسير فى ركاب التنمية البشرية ارتقاءً بالمجتمع على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فمن هذا المنطلق، ونحن نَشرف بالمثول بينكم على أرض تونس الشقيقة أرض ثورة "الياسمين"، التى ذاقت وتجرعت مرارات ما عانته مصر والعديد من دولنا العربية، إلا أنه سرعان ما تبددت الغيوم ونهضت تسعى من كبوتها وتنتفض بكبرياء، انتصاراً لأمنها واستقرارها ولحياة شعبها الأبى الكريم، ولعل آية ذلك ودليله هو اجتماعنا اليوم على أرضها الخضراء الطيبة، نؤكد الإرادة على مجابهة ومكافحة التطرف، واضعين صوب الأعين والبصائر أهمية هذا الدور وإعلاءً لصالح و رفعة شعوبنا وأمتنا، ودفاعاً عن أمننا القومى والعربى، نبسط الحقائق مجردة، ونفتح الأفق والمجال لإرادة حقيقية خلاقة لمواجهة التطرف والتعصب فى مجتمعاتنا العربية لنستعيد الثقة تحقيقاً لنهضتنا ورفعة أوطاننا. وإذ أتقدم ختاماً، بالتقدم إليكم جميعاً بالشكر والتقدير والاحترام، والله العلى القدير نسأل العون والسداد وأن يوفقنا إلى ما فيه خير شعوبنا وأوطاننا وأمتنا.