كتب لؤى على
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف: الردة المعاصرة تظهر فى ثوب الجريمة والاعتداء والخيانة العظمى، ونتعامل معها الآن، على أنها جريمة يجب أن تقاوم وأن تكون فيها عقوبة من العقوبات التعزيرية، موضحًا أن حد المجاهر بردته الخارج على المجتمع وردت فيه نصوص شرعية، مشيرًا إلى خطورة المرتد -إذا كان داعية لردته- على المجتمع الإسلامى، وذلك لأن ردته هذه ناتجة عن كره للإسلام وتبييت النية على العمل ضده، فهذه فى اعتقادى خيانة عظمى وخروج على المجتمع ومقدساته.
وأضاف فى حلقة أمس، من برنامجه (الإمام الطيب)، الذى يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم على التليفزيون المصرى وعدد من القنوات الفضائية الأخرى، أن جمهور الفقهاء وأئمة المذاهب الأربعة يعتبرون الردة جريمة، ويتفقون على أن المرتد يستتاب فى مدة مختلف فيها وإلا يقتل، والاستتابة تكون بالحوار والمناقشة لعله يتوب، وفى هذا قدر من المرونة، فلا يقتل مباشرة وإنما يستتاب، وهناك آيتان تعرضتا لذكر الردة صراحة لكن لم تقرر عقوبة دنيوية معينة أو حدا معينا وإنما تركت العقوبة إلى الآخرة وإلى الله -سبحانه وتعالى- يفعل بهم ما يشاء فى الآخرة، لكن هناك حديث شريف نص على العقوبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:) لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة). والفقهاء القدامى اتفقوا على أن التارك لدينه الموصوف بأنه المفارق للجماعة، ينطبق على التارك للدِّين وهو المرتد، ويتساوى فى ذلك الرجل والمرأة إلا الأحناف فقالوا: المرأة المرتدة لا تقتل؛ لأنها لا يتصور منها الخروج على المجتمع، وفى هذا ما يؤكد لنا أن الردة أو القتل كحد للردة مشروط بأن يكون المرتد خطر على المجتمع.
وتابع: وقد ذهب الفقهاء المعاصرون من أمثال شيخنا أبو زهرة والشيخ شلتوت والشيخ عبد الوهاب خلاف وغيرهم، إلى أن الردة جريمة ولكن ليس فيها حد محدد، وإنما تترك لتقدير الحاكم والظروف التى يمر بها المجتمع، وفيها تعزير، والفرق بين التعزير والحد: أن الحد عقوبة محددة بالقتل أو بقطع يد أو بالجلد، والتعزير فيه مرونة حيث يبدأ باللوم والعتاب والضرب للتأديب وينتهى بالقتل، فمثلا مشكلة المخدرات ليس فيها حد معين لكن الفقهاء قالوا: تعالج بالتعزير على حسب ما يراه القاضي، مبينًا أن الفقهاء المعاصرين اجتهدوا ووصلوا إلى أن حد الردة ليس هو القتل؛ لأنه غير موجود فى القرآن الكريم، ولأن الحديث الذى معنا ورد برواية أخرى. عن عائشة رضى الله عنها: (لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ إلا بإحدَى ثلاثٍ: رجلٌ زنى بعد إحصانٍ، فإنه يُرْجَمُ، ورجلٌ خرج مُحَارِبًا للهِ ورسولِه – المرتد-، فإنه يُقْتَلُ أو يُصْلَبُ، أو يُنْفَى من الأرضِ، أو يَقْتُلُ نفسًا، فيُقْتَلُ بها) فهذه الرواية وصفت المرتد التارك للدِّين بأنه خرج محاربا لله ورسوله وحدد له العقوبة، والعقوبة هنا ليست حدًّا وإنما يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض وهى عقوبة تعزيرية تطبق فى (الحرابة)، ومن ثَمَّ تكون العقوبة على مقدار خطره، وهذا هو مفهوم الفقهاء المعاصرين لعقوبة المرتد متمسكين بقوله تعالى: (لا إكراه فى الدين)، لافتا إلى أن هناك أصواتا فى الفقه القديم ترى أن الردة لا حد فيها بالقتل واستدلوا على ذلك بأن النبى -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة مقتولة وقال: لم قتلتموها؟ فقال: (ما كانت هذه لتقاتل)؛ لأن هذه لا يتصور منها خطر على المجتمع حتى تقتل. ووجه الإمام الأكبر رسالة إلى الغرب مفادها: تعاملوا معنا على أساس الواقع الذى نعيشه، فالعالم الإسلامى لا ينصب المشانق فى الميادين لإعدام المرتدين، وإنما يتعامل مع هذه القضية بفقه فيه اجتهاد يستند إلى مقاصد الشريعة، فما يقوله الغرب وما يثيره الغرب بين حين وآخر هو نوع من تنفير الناس من الإسلام وتشويه سمعة الإسلام والمسلمين، فهم لا يزالون يتحدثون عن قضايا المرأة والردة والسيف وهى قضايا باتت محفوظة، والمجتمع الإسلامى الآن يبرهن بحركته على أن هذه مفتريات على الإسلام وعلى المسلمين، مؤكدًا أنَّ واجبنا نحو المرتدين هو النصح والإرشاد ومخاطبة عقولهم بالحجة والبرهان.