أول مكافأة مالية حصلت عليها من عملى بمهنة الصحافة كانت من صحيفة «صوت العرب»، الذى كان يترأسها الأستاذ عبدالعظيم مناف فى نهاية الثمانينيات، عقب التخرج فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة مباشرة، المكافأة كانت ثلاثين جنيها مصريا فقط لا غير.. لكنها بمقاييس ذلك الزمان كانت مناسبة وكافية لمعيشة الشهر لشاب مغترب فى بداية عمله الاحترافى بالصحافة.
يومها كدت أن أطير من الفرح والسعادة، وقبلها كنت قد اتفقت مع رفيق الدرب العسير عماد الدين حسين على أن «أبروز» أول فلوس أحصل عليها من الصحافة، لكن كان المقابل صوما لمدة يومين لأن «اللى يعوزه إيجار السكن وتكاليف المعيشة يحرم على البرواز».
فى «صوت العرب» كانت بداية جيل صحفى من جيل الشباب، تعلم قيما أخلاقية قبل المهنية من الأستاذ عبدالعظيم، الذى أراد أن يؤسس مؤسسة صحفية مهنية قائمة على الأخلاق والاحترام المتبادل بين الصغير والكبير، ولا أتذكر أبدا أنه فى يوم من الأيام طوال علاقتى معه أثناء صدور الصحيفة التى أغلقها مبارك بعد عامين بالتمام والكمال أو بعدها حتى رحيله عنا، أنه نادانى باسمى مجرد دون أن يسبقه بـ«يا أستاذ عادل» وفعل الشىء نفسه مع كل الزملاء من الجيل الصغير وقتها، عماد وطلعت إسماعيل، وعبدالفتاح طلعت، وتهانى تركى، وماجدى البسيونى، ومحمد حسين، ومحمد أبوالنور، ومنال قابيل، ومحمود عبدالعظيم.
عقب إغلاق «صوت العرب» فى 26 سبتمبر 88، أصر الأستاذ على إصدارها من خارج مصر من لندن وقبرص، وكان جيلنا قد تقطعت به السبل وتفرق بين مكاتب صحفية عربية ومصرية، ومنهم من آثر السلامة وعاد إلى بلده، وبقى الحنين دوما إلى «صوت العرب» وصاحبها الذى بقى وفيا لحلمه، رغم مقاومة سلطة مبارك وضغوطها.
أحيانا كان وفاؤه وإخلاصه لمبادئه وأفكاره السياسية ومواقفه الحادة والواضحة مثار إشفاق عليه من حجم الضغوط التى يتعرض لها، والحصار الذى فرض عليه إعلاميا وسياسيا، فهو عنيد وصلب فيما يراه الحق، لا يتنازل و لا يساوم ولا يقايض أبدا على مواقفه، ولم يتلون أو يتغير أو يتبدل، ظل ثابتا على مبادئه الناصرية فى كبرياء وشموخ وفيا لها ولزعيمها بإخلاص الجندى وحكمة ومقدرة القائد.
رحم الله أستاذنا عبدالعظيم مناف.. النموذج الاستثنائى وآخر الرجال المحترمين فى زمن التحولات والتبدلات والانسلاخات السياسية والفكرية الكبرى من مقعد إلى مقعد ومن حكم إلى معارضة وبالعكس.