لم نكن كبارا لندرك حجم ما يجرى على جبهات القتال، وفى قنوات السياسة الإقليمية والدولية، لكنا فقط فى بسيون بوسط الدلتا، جزءا من المجتمع المصرى الذى شعر بالفرح واحتفل بأخبار العبور والانتصار. كانت مصر تعيش أجواء الحرب من ما بعد يونيو، ولهذا فقد كان جيل الآباء وقتها والشباب الأكثر احتفالا بالنصر، لأنهم من تجرعوا مرارة الهزيمة. وربما لهذا أيضا انتابهم الشك فى بدايات الحرب، وكانوا يقلبون فى الإذاعات الخارجية بحثا عن تأكيد للبيانات. وفرحوا مع التأكيدات.
لم تكن هناك الكثير من المعلومات، بل إن البطولات التى نقرأ ونسمع عنها، لم تسجل كما ينبغى، ولم يظهر فى السينما فيلم يتجاوز السطحية والسذاجة، ولا كان هناك تسجيل لحجم وعمق المعارك. ربما كان فيلم «أبناء الصمت» عن رواية مجيد طوبيا هو الأقرب لرصد التشابكات الاجتماعية والنفسية والتفرقة بين البطل والانتهازى، ربما أيضا «كتيبة الإعدام» لأسامة أنور عكاشة، فى رمزيتها لمن سرقوا نتائج الحرب.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الرئيس السادات واجه منذ بدايات عام 1971 مظاهرات طلاب الجامعات، يطالبونه بالحرب، ويشككون فى قدرته على اتخاذ القرار، لكن ما إن بدأت البيانات حتى تحول الشعب إلى حالة واحدة من التضامن والفرح، وأعلن بعض هؤلاء الطلاب رغبتهم فى التطوع والذهاب للجبهة. أو مجرد التبرع بالدم والعمل فى الدفاع المدنى.
لكن المجتمع نفسه كان مقدرا لفكرة التضامن والمساندة، وكانت هناك حالة تقشف شديدة، ومع هذا لم يخل الأمر من سوق سوداء صغيرة، كانت نواة لنمط من أغنياء الحروب، لكن فكرة التبرع للمجهود الحربى كانت واضحة، ونعرف أنه تم جمع م يقرب من 7 ملايين جنيه وقتها من تبرعات المواطنين، وكنا فى بسيون - غربية، مثل باقى مدن مصر نحتفى بأى جندى أو ضابط ينزل فى إجازة بعد الحرب. وكان نبأ استشهاد الجنود والضباط يثير خليطا من الحزن والفرح.
الذين عاصروا حرب 6 أكتوبر والأجواء التى سبقتها ورافقتها، يمكنهم أن يشعروا بحجم التغيير الذى طرأ على المجتمع، الذى كان أكثر بساطة وأكثر شعورا بالمسؤولية. وما جرى بعد ذلك يتعلق بتحولات إقليمية، ودولية لكن، الأهم هو ما طرأ على المجتمع من تحولات محلية عنيفة غيرت شكلا وموضوعا من تركيبة الجو العام.
كانت الدول العربية أعلنت قرارات تخفيض ضخ النفط، كجزء من المعركة، ونجح فى تدعيم الموقف السياسى، وبعد الحرب قفزت أسعار النفط، وبدأت مرحلة البترول، والتحولات الكبرى اقتصاديا واجتماعيا.