هى ظاهرة منذ سنوات، لكنها تنمو لتصبح حالة مرضية، قد تحتاج لعلاج، خاصة أنها تصيب عددا وافرا ممن يصنفون أنفسهم متعلمين ومثقفين ونخبة مختارة من أجود أنواع النشطاء، ممن ليس لهم ثقل كبير على القراءة، ويجيدون «الرطانة والطنطنة والضجة» من ترجمات «جوجل» أو مستهلكى المواد المترجمة التى تقدمها مواقع التواصل أو مواقع دعائية متخصصة فى نقل كل ما يشكل إهانة أو انتقاصا أو حتى شائعات. وما دام عليه اسم خواجة فهو محل احترام حتى لو كان دعائيا.
طبعا لا مانع أبدا من القراءة للأجانب، فهى مفيدة للتفكير، خاصة لو كانت كتابات معروفة وليست مجرد إعادة إفراز لأخبار وتقارير تخلو من المعلومات وتميل للطنطنة الفارغة التى تحرك غدد الانتفاخ الذاتى، والشعور بأن الشخص بكلمتين أصبح مفكرا مربع الدوائر يفتى فى أى حاجة بثقة وجهل مركب. والمدهش لدى قطاع من هؤلاء أنهم غير مستعدين لتصديق أى واقع يرونه بأعينهم وقابلون لتصديق أى تقرير مترجم أو مكتوب عليه اسم خواجة، سواء كان مشهورا أو مغسولا، وأحيانا تكون هذه التقارير مضروبة أصلا ومصنوعة خصيصا للأغبياء ومنسوبة لمفكر أو كاتب معروف، وحدث هذا مرات وما يزال، حيث تجد اسم ناعوم تشومسكى على تقارير عبارة عن تجميع لإفرازات مجهولة تجد من يصدقها. وهناك نمط من مدعى «الاستنشاط التكاسلى» ومحترفى التعابير المجعلصة عن العدالة، يمكنهم تقبل إهانات من أى خواجة ولو كان متنطعا أو شماما.
وبالفعل احتفى عدد من الدونيين بمقالات يفخر فيها كتاب أجانب بأن الطبيعى أن يكون التعاطف مع فرنسا أكثر منه مع لبنان حتى لو كان كلاهما ضحية لنفس الإرهاب، لأنهم يرون أنفسهم حضارة، طبعا هناك كتاب انتقدوا أوربا وازدواجيتها ومسؤوليتها عن الإرهاب، ومع أنهم خواجات لن تجد لهم صدى لدى كبار مستهلكى المترجمات «المقرنصة». ثم يأتى خواجة مجهول ليكتب مقالا عبارة عن سب فى القاهرة وأنها بلا شرف، ويحتفى به بعض «زعران المترجمات» ويؤيدونه، من دون أن يفرقوا بين انتقادات لعيوب موجودة وبين تحقير متعمد من شخص تافه يسمى نفسه رحالة. ينتقد سلوكيات مرفوضة مثل الاستغلال والجشع موجودة لدى قطاع من البشر، لكنه يعمم الأمر ويصدر حكما من تجربة عدة أيام فى زيارة واحدة أو زيارات، ولا ملامة عليه لكن السادة «عبدة المترجمات» يحتفون ويؤيدون وهم بالطبع لم يقرأوا كتب الرحالة الحقيقيين من عشرات وربما مئات السنين ممن عاشوا واحتكوا وكتبوا صورا حقيقية بلا تجميل أو تهوين، على عكس الرحالة المزعوم، ربما وقع فى براثن النصابين، فاعتبر البلد كلها نصابين، وكتب مغالطات، قليلون هم من ردوا على اتهاماته التى تحتوى مبالغة وسفالة وتتجاوز الرحالة إلى التحقير، وربما لا يلوم أحد خواجة تعرض للنصب، لكن الأمر لدى كارهى أنفسهم ومحتقرى ذواتهم يجدون طريقة للنشر بغرض التشهير ما دام ما كتبه خواجة.
وهى كتابة لا تمت إلى الرحلات بصلة وتبدو نوعا من التشهير المريض، ولا نقصد أننا بلا عيوب بالعكس هناك كتّاب ورحالة كتبوا وانتقدوا ورصدوا، لكنهم قدموا صورة كاملة لشعب متعدد الوجوه، وليس صورة واحدة للنصابين والمنافقين. وهنا الفرق بين مثقفين أو سياسيين حقيقيين ينتقدون ويواجهون ويشاهدون من زوايا مختلفة، وبين مدعين يكرهون أنفسهم ويشعرون بالدونية تجاه ما هو أجنبى، عاجزين عن فهم ونقل التجارب الإنسانية، لأنهم مجرد آلات تسجيل تردد بلا وعى أو فهم، مع كم من تحقير الذات، وشعور بالدونية أمام الأجنبى، مقابل التعالى على مواطنيهم، والاحتفاء بأى إهانة ما دامت كانت باسم خواجة، حتى لو كان يقول لهم يا «دونكى».
هؤلاء هم ورثة من انبهروا بسيارات الرش وعجزوا عن نقل الحداثة، وليس من درسوا وتعلموا وخرجوا من الطنطنة للتفكير.