لماذا نهاجم مجلس النواب ونتجاهل الإيجابيات؟.. أمر غير منطقى أن ننظر لمجلس النواب من ناحية واحدة فقط، وهى سلوكيات عدد من النواب الذين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ونعتبر ما يقومون به عنوانا للمجلس، فهذه النظرة بها ظلم كبير ليس للمجلس فقط، وإنما لمصر كلها التى كانت تنتظر أن يستقبل برلمانها الجديد بالشكل الذى يليق به، وليس بهذه النظرة التى لا تهدف سوى التقليل من شأن البرلمان لأهداف لا تخفى على عاقل، ومنها التشكيك فى قدرة المؤسسات المصرية لخدمة أجندات خبيثة.
لا أقول إن من ينتقدون أداء المجلس النواب ليسوا بوطنيين، لكنى أقول إن التضخيم ليس فى صالحنا ولا صالح البلد، ويجب أن ننظر للأمر من زاوية مهمة، وهى أن المجلس هو انعكاس للشعب، كما أن سلوكيات أفراده تتسق مع سلوكياتنا جميعا، وبالتالى فإنه بدلا من انتقاد سلوكيات بعض النواب علينا أن نعيد تقييم سلوكيات المجتمع ككل إذا كنا صادقين فى النقد، إلا إذا كان الهدف هو مجرد التجريح للتقليل من شأن البرلمان ككل، والعمل على صنع حالة من عدم الاهتمام فى الشارع به، وبكل ما يصدر عنه من قرارات وقوانين، أو بمعنى أوضح ضرب البرلمان الجديد من باب سلوكيات البعض التى بالطبع لا نقبلها، لكنها فى المقابل لا يمكن السيطرة عليها، لأنها كما سبق وقلت هى جزء من سلوكيات المجتمع الذى خرج منه النواب التى نراها كل يوم فى الإعلام وبرامج التوك شو.
من ينظر لأداء العديد من برلمانات العالم سيجد بها أكثر مما شاهدناه فى اليومين الأولين لبرلمان مصر، فكم من برلمان شهد تراشقا وضربا بالأحذية بين نواب، والاعتداء بالأيدى وكثير من المواجهات المباشرة بين النواب، ورغم ذلك لم نسمع أحدا فى هذه الدول يقول شيئا سلبيا عن هذه البرلمانات، أو يقول إنه برلمان فقد هيبته، وإنما اعتبروها أحد وسائل التعبير عن الرأى، وفى النهاية تحظى هذه البرلمانات باحترام الجميع، بينما نحن فى مصر حولنا قسم أحد النواب أو خلافات فى وجهات النظر إلى لوحة كبيرة لتدمير المجلس قبل أن يبدأ.
أين المنطق فى أن يتجاهل الجميع الإيجابيات الكثيرة فى البرلمان الجديد التى ربما تغافلها أو تم تحويلها إلى مادة أخرى للنقد بطريقة مريبة؟ فلماذا تجاهل الجميع نتيجة انتخابات وكالة البرلمان التى خسرها علاء عبد المنعم مرشح ائتلاف دعم مصر الذى يحوز الأغلبية فى البرلمان؟ نعم مرشح الأغلبية خسر انتخابات الوكالة لصالح مرشح حزب الوفد سلمان وهدان الذى لا يملك حزبه أكثر من 40 نائبا، ألا يمكن اعتبار هذه النتيجة عنوانا قويا للديمقراطية التى تسيطر على البرلمان، وأنها تشير إلى أن النواب لن يختاروا إلا ما يقتنعون به وليس ما يملى عليهم كما روج له البعض خلال الفترة الماضية؟ لماذا حولنا الحديث الراقى والقانونى بين الدكتور على عبد العال، رئيس المجلس، والمستشار سرى صيام عضو البرلمان، إلى نميمة وتقولات ليس لها أساس من صحة بأن النائب سرى صيام أراد إحراج الدكتور على عبد العال أمام لنواب، لأنه كان يريد أن يكون هو رئيسا للبرلمان، أى منطق يقول ذلك؟.. أى منطق يقول إن مبارزة قانونية محترمة بين شخصين لهما احترامهما حول مادة قانونية معينة تعنى أن أحدهما يريد إحراج الآخر.. والحقيقة هناك من يريد بث الفتنة بين الأعضاء.
لماذا يتم تجاهل هذا التنوع والحضور المشرف لأعضاء مجلس النواب من الشباب والمرأة وذوى الإعاقة ممن كان أداؤهم وحضورهم مميزا، بل مشجعا، ويعطى أملا قويا لمصر التى نتمناها، لماذا نركز على أداء بعض المنتفعين والباحثين عن الشو، وتجاهل شخصيات بارزة، مثل أنيسة حسونة، ودينا عبد العزيز، وهبة هجرس، وهيثم الحريرى، ورانيا علوانى، وجون طلعت، وغيرهم من النواب المحترمين.
مجلس النواب هو الضلع الثالث فى مثلث خارطة الطريق التى تم إعلانها فى الثالث من يونيو 2013، وهو المثلث الذى يغضب كارهو مصر ويحاولون تدميره فى أى لحظة، لذا علينا الانتباه جيدا لكل ما يقال ويروج عن البرلمان، وألا ننساق خلف هذه الدعايات السلبية التى تحاول ليس فقط هدم البرلمان، وإنما تقليم أظافر الدولة المصرية ومؤسساتها الدستورية. فى النهاية..
لا أقول إن البرلمان الجديد كله إيجابى، نعم به سلبيات، لكنها لا تقارن أبدا بإيجابيات يمكن رصدها بسرعة إذا أردنا ذلك، وحتى فى وجود سلبيات فهذا أمر عادى، لأنه لا يوجد فى أى دولة برلمان مثالى، وإنما هناك تنوع يمثل القاعدة الشعبية التى أتى منها النواب.