هل يحاسب أى شخص يطل بانتظام على الناس عبر شاشات الفضائيات نفسه أم لا؟ وهل يشاهد نفسه بعد ظهوره؟ وهل يستمع إلى تقييم ما يقدمه من أحد أفراد أسرته، زوجته، ابنته، ابنه؟ أسئلتى تنسحب على كل مقدمى البرامج، لكن لم أجد فى الآونة الأخيرة وفى حدود مشاهداتى أسوأ من حلقة الجمعة قبل الماضية لبرنامج «وش السعد» للفنان محمد سعد التى تم تقديمها بعد حملة إعلانات مكثفة سبقته بأيام، وأكتب ملاحظاتى عليها قبل إذاعة الحلقة الثانية بساعات كما هو معلن.
قدم «سعد» نفسه فى تيمة «اللمبى» فى البرنامج، وهى «التيمة» التى اختارها منذ سنوات وتعتمد على تلاعبه بجسده وطريقة نطقه، وحركة عينيه، وللحقيقة فإنه هذا لا يعد سبقا أو تفردا له، حيث سبقه فى ذلك عظماء فى عالم الكوميديا بدءا من نجيب الريحانى ثم إسماعيل ياسين، مرورا بفؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى، ثم سمير غانم والضيف أحمد وجورج سيدهم فى المسرحيات التى قدموها من خلال فرقتهم «ثلاثى أضواء المسرح»، وإذا كان هؤلاء يحسب لهم أنهم قدموا كوميديا رائعة تنتزع الضحك من القلب بلا خدش للحياء وخروج عن اللياقة العامة، فإن محمد سعد مازال بعيدا عن هذا تماما.
قدم «سعد» أسوأ ما يمكن مشاهدته، حيث اعتمد على الإفيهات الجنسية الصريحة فى كلامه مع «هيفاء وهبى»، كما لم تخرج حركاته عن هذا الإطار، ووصلت المسخرة إلى قيامه بمسح العيش فى كتفها قبل أن يأكله قائلا: «على الطلاق عسل بشمعة»، هذا بخلاف قيامه بحملها، والقفز من كرسيه عليها، بالإضافة إلى حركات أخرى كانت ثقيلة الدم بشكل غير عادى، ولو قلبنا ما حدث على أوجه متعددة سنجد أننا أمام حالة إفلاس حقيقية، حالة لا تحمل أى جديد فى شىء، ودعونا من حكاية أنه برنامج ساخر، الهدف منه رسم الابتسامة على وجود المشاهدين كما قال «سعد» تعليقا على هجوم الجمهور، فشتان بين «الساخر» و«المسخرة»، علق سمير غانم فى مسرحية «موسيقى فى الحى الشرقى» على أغنية «زى الهوا» لعبدالحليم حافظ قائلا: «بيقول لك ماسك الهوا، إزاى يمسك الهوا»، ضحكنا على أداء سمير وطريقة كلامه ولقطته، وهناك الكثير من الأمثلة الشبيهة بذلك التى تحمل روحا ساخرة بحق.
التقييم على هذا النحو ليس من قبيل إعطاء دروس فى الأخلاق، بالرغم من أن هذا ليس عيبا، أو وضع الفن تحت رقيب إذا كان ما قدمه «سعد» فنا، وإنما هو دعوة لتأمل حالة الانحدار التى وصلنا إليها، وجعلت الجرأة بالغة لدى الذين يتصدون لصناعة مثل هذه البرامج وإنفاق الملايين عليها. بالطبع هناك تفسيرات لذلك، منها أن هذه النوعية من البرامج مطلوبة من جهات بعينها لأغراض تسطيح الوعى، ومنها أن عملية البحث عن جمهور للفضائيات التى يهجرها المشاهدون حاليا تدفع أصحاب هذه القنوات إلى فعل أى شىء، من أجل استعادة الجمهور، ومنها أن أصحاب هذه القنوات يفعلون ما يريدون مادام لا يحاسبهم أحد.
فى الإجمال نحن أمام حالة تدفع أيضا إلى فضح حالة الازدواجية لدى البعض، وأخص فى ذلك هؤلاء الذين نصبوا المشانق للإعلامى باسم يوسف على الإفيهات الجنسية التى كان يذكرها فى برنامجه «البرنامج»، وبالرغم من أنها لم تكن تتخطى حدود كلمة يذكرها فى الحلقة، وأحيانا لا يذكر إطلاقا، إلا أننا شاهدنا مشانق تنصب، وقيامة تقوم، وبلاغات تقدم، وذلك لأن رسالة برنامج «البرنامج» كانت سياسية.
الذين فعلوا هذه الأفعال مع باسم يوسف، تعاموا مع ما فعله «سعد» وكأن شيئا لا يحدث، بالرغم من فداحة فعله، وهكذا يجد الجمهور نفسه أمام شخصيات ترفع حناجرها ليس من أجل الدفاع عن القيم والأخلاق، وإنما من أجل مصالحها الخاصة.
وأخيرا، يحتاج محمد سعد أن يراجع رأيه الذى قال فيه إن ردود الفعل على أولى حلقات «وش السعد إيجابية».