لم تمضِ سبعة أيام من جمعة الكرامة، التى حشد لها أطباء مصر يوم 12 فبراير الجارى، أمام نقابتهم للرد على ممارسة الشرطة القمعية ضد أطباء مستشفى المطرية، إلا وارتكبت الشرطة ذاتها خطأ فادحا جديدا ضمن مسلسل بطشها ضد المواطنين، الخميس الماضى، عندما قام أمين شرطة بقتل سائق سيارة ماركة سوزوكى بمنطقة الدرب الأحمر، بالقرب من مديرية أمن القاهرة، جاء على أثرها تجمع الآلاف من الأهالى أمام المديرية، احتجاجا على الواقعة.
هذه الحادثة الأليمة تُعيد للأذهان بطش الشرطة وقمعها قبل ثورة 25 يناير، فهى لا تزال تنتهج نفس أساليبها الدموية لإرهاب المواطنين والفتك بهم ظنا منهم أن ذلك يصب فى صالح الدولة والنظام الحالى (افتح هذا القوس حتى أؤكد أن هناك شرفاء فى الداخلية شغلهم الشاغل حمايتنا، فلا يعتدون ولا يُهينون المواطنين الضعفاء، وهؤلاء نكن لهم كامل احترامنا وتقديرنا، وندعمهم فى فرض الأمن بالشارع).
المثير للدهشة أن وزارة الداخلية تخرج علينا عقب كل "بَلْوَى"، لتعلن أن ما حدث عبارة عن حالة فردية أو خطأ غير مقصود، كما زعمت فى الواقعة المفجعة التى حدثت بالدرب الأحمر، وذلك يحمل فى ثناياه ملاحظة هامة، وهى أن الشرطة تصر على استغفال الشعب والاستهتار بعقول أبنائه فى كل خطيئة ووزر.
ومما هو جدير بالملاحظة هنا هو أن هناك 14 منظمة حقوقية رصدت 109 حالات تعذيب بأماكن الاحتجاز بينهم 13 حتى الموت فى 60 يوما فقط، إذ أعلنت ذلك فى تقرير لها خلال شهر ديسمبر الماضى، فعلى سبيل المثال، وثق مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، ٤٩ حالة تعذيب، بينهم ٩ حالات أدت إلى الموت داخل أماكن الاحتجاز خلال شهر نوفمبر الماضى، بجانب 4 حالات وفاة نتيجة للتعذيب فى شهر أغسطس من بين 57 حالة تعرضوا للتعذيب فى أماكن الاحتجاز، بحسب التقرير.
كما وثقت منظمات أخرى حالتى تعذيب بأماكن الاحتجاز، وحالتى وفاة فى فترة زمنية ﻻ تزيد عن 30 يوما بين شهرى أكتوبر ونوفمبر من عام 2015، فى حين رصدت منظمات أخرى حاﻻت عديدة من الوفاة فى أماكن الاحتجاز، وتلقت شكاوى تفيد بتعرض المحتجزين للضرب والمعاملة المهينة أو التعذيب داخل أقسام الشرطة فى الفترة نفسها، وفقا لهذا التقرير، الذى وقعت عليه 14 منظمة حقوقية، أهمها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومركز هشام مبارك للقانون، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، فهل نحن الآن أمام حالات فردية كما تقول "الداخلية"، وإذا افترضنا أنها فردية رغم هذا العدد غير القليل، فما هو عدد الحالات الذى إذا وصلنا إليها تعتبرها الداخلية "جماعية"؟
تشير هذه الحالات الفردية – كما ترى "الداخلية"- إلى تنامى ظاهرة الاستهتار واللامبالاة بين بعض أمناء ورجال الشرطة (إلا من رحم ربه)، تلك الظاهرة التى تنمو وتكبر كل يوم، حتى تضخم أمرها وتجاوزت حدودها وجعلت الكثيرين ينسون أن هناك شرفاء من رجال الشرطة يسهرون الليل فى برد الشتاء القاسى، يقاومون النُعاس ويحدقون أعينهم التى تحارب النوم طوال ساعات الليل لحماية المواطنين.
نعم.. الشرطة قدمت تضحيات كثيرة، وتواجه إرهابا أسود يهدد حياتنا جميعا، ولكن كل هذه التضحيات التى لمسها المواطن العادى ستكون هى والعدم سواء، حال استمرار إرهاب الشرطة للمواطنين بعنفها وقتلها للأبرياء مخالفة للقانون والدستور، فهل تُدرك الداخلية أن تلك الظاهرة أو الحالات الفردية -كما تقول– تخصم من رصيد تضحياتها؟ ومتى تقضى على هذا المذهب القمعى الذى يعتقنه بعض رجالها قضاء مبرما؟
الكارثة الكبرى، إذا لم تتعظ الداخلية واستمرت فى نهجها وعقيدتها الشرطية الهالكة دون تطبيق القانون على أمنائها أو رجالها الذين يتورطون فى انتهاك حقوق الإنسان أو قتل الأبرياء من المواطنين دون وجه حق، لذلك فإن برلمان 2016 عليه دور كبير فى تشريع قانون رادع يحمينا – نحن الشعب – من أساليب الشرطة الشنعاء الخبيثة، التى تستشرى فى الوطن كالسرطان، الذى ينتهك الخلايا السليمة فى الجسد.