لبعض الهنود تمثال يعمله بيده، فإذا هب من نومه فى الصباح لا ينطلق لعمله إلا إذا قدم لذلك الإله الذى صنعه بيده آيات الحمد والشكر.. وهذه هى صلاة الصباح عندهم.. وأظن أننا فى مصر لا نملك أنفسنا من الابتسامة لهذه القصص ولكننا إذا رجعنا إلى أنفسنا وجدنا أننا كنا نعمل إلى عهد قريب أعمالا تكاد تكون فى أصلها كعمل ذلك الهندى وإن كانت صورها أقل جفاءً.
إن الحكومات فى أى زمان وكيلة عنا، نحن نصبناها للقيام بأعمالنا، نحن الذين ندفع لهم بأموالنا، وندفع عنها بأولادنا، ولكننا مع ذلك ولفترات طويلة من الزمان - تعجز الذاكرة عن رصدها - وقفنا من أفرادها موقفاً يقرب من وقف ذلك الهندى أمام تمثاله. إلا أن الغضب الذى كان يعم الشارع المصرى بعد ثورة 25 يناير' أعرب عن غير ذلك، ولم ينشأ لكى يحابى أحدا ولا لأن يعادى أحداً ولا حتى لكى ينتقم من أحد، بل نشأ لأمر أرفع من ذلك كله وأسمى بكثير، نشأ لينصر الحق الذى خذله كثير من رجال السلطة والحكام وأحزابهم على مر العصور، وليبين الحقيقة التى طالما اجتهد أغلب مرتدى رداء السلطة سترها عن الشعب طمعاً فى نعمة تتدلى إليهم ! إنما هذا الغضب الشعبى جاء بعد ذلك فى 30 يونيو 2013 لكى يفجر مصلحة يجب أن تضحى فى سبيلها كل المصالح، ومقاماً يلزم أن يكون أرفع المقامات وأقدسها، وهما 'الوطن والمواطن ' وقد يجد الظالمون الباقون ممن كان، أنفسهم فى هذا المدمار ما يروج بضاعتهم، ولكن الغضب الوطنى الحقيقى لا يحفل بيعهم أو بيع غيرهم، ولا يعول فى أداء مأموريته عن التلميح، بل على التصحيح، لأنه يعد التورية فى مقام البيان موارية لا تليق بشأن الأحرار ولا يصح الاعتماد عليها فى كشف الحقيقة وتنوير الافهام.
وهنا نقول إن لكل مصرى حق الرأى، ونقول أيضاً لرجالات الحكم، رويدكم فإنه لا يستطيع أحد من بعد اليوم أن يحط بكرامة المواطن بحق أو بباطل، وجعل الشعب مجرداً من الإرادة، فهل يليق بورثة 'ابن عباس' و'أبى حنيفة' الذى جلس ليتولى القضاء فأبى، أن يأبوا على الشعب الاجتهاد بالرأى فى عمل كل القائمين على الحكم وأداء حكومتهم؟ أو هل يليق بورثة 'روسو' فى الإرشاد إلى الحرية والاستقلال، أن يحدوا من الحرية واستقلال الأفراد بالتهديد والوعيد، وأن يستبيحوا الغرض الذاتى تحت مسمى 'خدمة أمن واستقرار الوطن بعد كل هذه الثورات '، وأن يتصدر أحدهم الاستجوابات كأنه أقام محكمة فى خياله لإرادة الشعب ليصدر الأحكام على من يخالف الرأى، لا نشك بعد ذلك فى أن من يقول هذا القول الهزل يستهين بأفكار الشعب وإرادته الحرة التى ولدت فى يناير 2011 ونضجت فى 30 يونيو 2013 ولن تموت بعد هذا اليوم.
إن فى مصر شباباً أصبحوا يقولون الحق، وبطل مبدأ المؤيد من هذا التقديس للتمثال القديم, ورفع كل منهم النصيحة ومواطن ألم الناس لا يخالطها رعب وتقريب ولا رهب من إقصاء، وعليكم الآن يا يا مجلس النواب والحكومة وعقلاء وحكماء ومفكرى هذا الوطن بالتوجه تلقاء هذه الإرادة الشعبية، فإنه آن للعقول أن تفك من قيود الوهم، فقد أضناها القيد، وأن تعرض ما عندها من سوق الأفكار الإصلاحية بكل مذاهبها حتى يتبين الصالح من الفاسد، فإن حياة الباطل فى غفلة الحق منه.
فالأمم الحرة مفترض مثل مصر الان ان لا تتكون من أفراد بل جماعات، فإذا كان أحد يتصور أن الرتبة لا تأتى إلا من عبادة غير الله عز وجل والخضوع لغير الدستور والقوانين الشعبية التى تصدر عن الشعب من مجلس النواب، فإن رتبته إنما تكون شارة له أنه يدوس بقدميه شرف أمة بل وشرف الإنسانية جمعاء، وما على نفس المصرى الأصيل هذا بقليل.
وإننا فى النهاية نسوق هذا القول لأمثلة جديدة وقعت بين ظهرانينا مؤخرا وكثيرة ولبيان أنه يجب علينا أن نروض أنفسنا والسلطة الحاكمة من اليوم على الأخلاق الدستورية الحرة، فإنها هى التى ستجىء لنا لا محالة بالتغيير الشعبى الذى بدأ فى 25 يناير وانتهى بدولة مؤسسات متكاملة فى 2015، وبذلك يؤسس الحكم فى المرحلة القادم فى مصر على الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية الحقيقية والتوازن الاقتصادى الذى يحمى الفرد والجماعة والوسطية الدينية واحترام الآخر وتفعيل سيادة القانون بالرغبة دون الرهبة، وهذا ما يجب أن يحدث فى مصر من الآن فصاعد. وذلك تتحقق سعادة المحكومين والحاكم، وتستقيم الدولة الجديدة على مذهب واحد 'مصلحة الوطن والمواطن' من خلال دستور تم صياغته واعتمده الشعب ليكون عادل متوازن يدخل فى اعتباره مصالح كل طوائف المجتمع المصرى.
"إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون" - صدق الله العظيم - آل عمران 160.