ماذا لو تصالحت مصر وتركيا؟.. بالتأكيد هناك قوى إقليمية ودولية معجبة جدًا بالقطيعة السياسية والدبلوماسية التى تسيطر على العلاقات المصرية التركية منذ 30 يونيو 2013، ويبذلون كل ما فى وسعهم لتأجيج هذا الخلاف حتى لا يحدث أى تقارب حتى ولو كان طفيفًا. وهناك قوى إقليمية ودولية أخرى لا يعجبها الوضع الحالى بين القاهرة وأنقرة، خاصة فى ظل تصاعد وتيرة الخلاف المذهبى بين الشيعة والسنة، ومحاولة دول إقليمية تأسيس تحالف سياسى عسكرى بين الدول السنية، وبالتأكيد هذا التحالف لن يكون قويًا بدون كل من مصر وتركيا، وحال استمرار الخلاف بين البلدين فإن هذا التحالف سيكون محكومًا عليه بالفشل، وتحاول دول بالمنطقة احتواء الخلاف بين البلدان وتقريب وجهات النظر، على الأقل إقليميا، بمعنى أن تتجاوز مصر وتركيا الخلاف الثنائى ويبدآن تعاونًا إقليميا لمواجهة الخطر الإيرانى الذى يزداد قوة يومًا بعد الآخر، بعدما بدأت طهران فى حصد ثمار اتفاقها النووى مع الدول الغربية الكبرى، وربما وجد أصحاب هذا التوجه أذنًا صاغية لهم فى أنقرة التى خرجت على لسان وزير خارجيتها قبل أيام لتشير إلى مجموعة من القضايا الإقليمية التى تحتاج لتعاون إقليمى يضم مصر وتركيا، فالحكومة التركية يبدو أنها تريد تحقيق اختراق فى العلاقات من هذا الطريق، بأن يتم تقسيم العلاقات إلى جزأين، الأول ثنائى خاص بنظرة كل دولة للوضع الداخلى فى الدولة الأخرى، وهذا الأمر من وجهة نظر الأتراك مؤجل لاختلاف الرؤى حوله، أما الثانى فخاص بالأوضاع الإقليمية، وهو ما يتطلب نقاشًا مفتوحًا يضم مصر وتركيا إلى جانب بقية دول الإقليم. هذه هى خلاصة نظرة الجميع للعلاقات المصرية التركية، فكل طرف فى الإقليم ينظر لها من منظوره الخاص، فيحاول أن تسير هذه العلاقة فى الاتجاه الذى يريده هو، فعلى سبيل المثال أرمينيا التى لها خلاف تاريخى مع تركيا لن تكون سعيدة إذا رأت المصالحة تتحقق بين القاهرة وأنقرة، وفى المقابل فإن دولة مثل السعودية يهمها أن تحدث المصالحة اليوم قبل غد، لأن نظرتها للإقليم ومستقبله تتطلب هذه المصالحة والتعاون بين البلدين على الأقل تجاه الأزمات الساخنة فى الإقليم وتحديدًا فى سوريا واليمن، ومواجهة التمدد الإيرانى الشيعى.
السؤال الآن: إذا ما حققت المساعى السعودية نجاحًا واستطاعت التوصل لحل ينهى الخلاف التركى المصرى، فكيف ستتصرف الدول التى تشجع هذا الخلاف؟ هل ستبقى على حالها أم ستحاول مرة أخرى تعكير صفو العلاقات مرة أخرى؟! بالتأكيد هذا سؤال افتراضى، لأنه حتى الآن لا يوجد ما ينبئ بتحقيق اختراق يمكن الاعتماد عليه للقول بأن المصالحة فى طريقها الصحيح، حتى إن مسألة نقل رئاسة القمة الإسلامية من مصر لتركيا فى إبريل المقبل لا يمكن اعتبارها بابًا للمصالحة أو التصالح، لأن القاهرة حتى الآن لم تعط رداً واضحًا حول شكل المشاركة المصرية فى هذه القمة، وأن نستطيع الفهم من تصريحات وزير الخارجية سامح شكرى أن المشاركة المصرية لن تتجاوز مستوى القائم بالأعمال المصرى فى أنقرة، الذى سيقوم بتسليم الرئاسة لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان، إذا لم تتدخل الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامى لإيجاد حل فى مسألة نقل الرئاسة يخفف من أزمة التمثيل المصرى.
هذا السؤال الافتراضى مهم، لأنه سيحدد لنا كيف يتعامل من حولنا مع الخلاف المصرى التركى، أخذا فى الاعتبار أنه لا ثوابت فى السياسة، فالخلاف يتحول إلى سلام ومصالحة فى لحظة طالما تحققت الشروط والأهداف، لذلك فإن السؤال الافتراضى قد يكون فى محله إذا ما أعملنا مبدأ أنه لا ثوابت فى السياسة، ومن هذا المنطلق فإن المستفيدين من استمرار الخلاف المصرى التركى هم من يشغلون تفكيرى منذ فترة، خاصة أن هناك من يحاول توسيع هذه الدائرة لتشمل دولًا حدث بيننا وبينها تقارب خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأذكر هنا تحديدًا اليونان وقبرص، فللدولتان خلافات شهيرة مع تركيا، وحينما حدث التقارب بينهما وبين مصر قيل إن هدفه ضرب المصالحة التركية، فإذا سرنا مع هذا الرأى، فهل الدولتان ستتضرران من أى تقارب بين القاهرة وأنقرة، أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك، لأن اليونان وقبرص مثلما تختلفان مع تركيا إلا أن هناك نقاط اتصال وتواصل بينها، ولا أعتقد أنهما يفكران من نفس المنظور الذى تسير عليه دولة مثل أرمينيا.
بالطبع الوضع شائك ومعقد ويحمل أوجهًا مختلفة، لكن فى النهاية هذه نوعية من الأسئلة التى تحتاج للطرح والبحث عن إجابة عنها، حتى وإن كانت افتراضية لأنها ستحدد علاقاتنا مع الآخرين.