بعد الاشتباكات والمواجهات والنجاحات التى حققتها أبطال المقاومة الشعبية فى السويس خلال يوم 24 أكتوبر، ودخول القوات الإسرائيلية إلى المدينة، وتفاصيل اللقاء الذى دار بين محافظ المدينة والقائد الإسرائيلى الذى طالب المحافظ بالاستسلام، والذى سرت تفاصيله فى المقالى الثانى أمس، طبقا لرواية قائد المقاومة الشعبية بالسويس الشيخ حافظ سلامة، استكمل اليوم رواية الجزء والأخير من رواية قائد المقاومة الشعبية.
حيث علم القائد العسكرى للمدينة العميد(عادل اسلام) بما دار بين المحافظ والقائد العسكرى، فنطلق على الفور إلى مسجد الشهد الذى كان يحوى مركز قيادة المقاومة الشعبية، وهو فى منتهى الانزعاج والتوتر، فوجد الشيخ حافظ سلامة يوزع السلاح فى صحن المسجد على شباب الكمائن.. فطلب منه الصعود بمفردهم إلى مكتب سلامة بالطابق الثانى، وأخبره بما حدث بين المحافظ والقائد الإسرائيلى.. وأكد له أن المحافظ قد وافق على التسليم، وأنه لم يتبق من المهله التى منحها القائد الإسرائيلى سوى عشر دقائق.
فقال له سلامة منفعلا: إننى لن أسلم، وسأواصل القتال، والموت شرف لنا عن الاستسلام.. وكيف أسلم وقد نجحنا أمس فى تدمر 18 دبابة وعربة مدرعة وقتل مئات الجنود، واليوم نجحنا فى تدمير 8 قطع وقتل من فيها.. فكيف أسلم
وطلب سلامة منه أن يبلغ المحافظ بهذا القرار.. وبمجرد أن اتصل القائد العسكر للمدينة بالمحافظ صاح فيه: أنت فين يا عادل لم يتبق من المهله سوى 5 دقائق والقائد الإسرائيلى فى انتظارنا والموقف متأزم.
فقال له العميد عادل: أنا عند الشيخ حافظ بستشيره يافندم، وياريت تمر علينا لنتشاور فى الأمر لأن الشيخ والشباب يرفضون التسليم.
فرد عليه: هو حافظ قائد عسكرى يا عادل علشان تسيشيره.. يا عادل القائد الإسرائيلى فى انتظارنا، وأنا لا أدرى عواقف التأخير ولا بد أن نذهب.
وهنا صاح سلامة فى العميد عادل قائلا: أعلم من الآن أنت والمحافظ ومدير الأمن إننى من الآن مسئول عن المدينة عسكريا ومدنيا، وعلى كل منكم أن يظل فى مكانه، وسأتولى أنا والشباب مسئولية القتال.
فرد العميد عادل: وأنا معكم يا شيخ
وفى تلك الحظات أعلن الإسرائيليون من خلال مكبر الصوت بمسجد المعهد الدينى أن السويس قد استسلمت.. وأن المحافظ قد سلم المدينة.. وعلى المدنيين التوجه إلى الاستاد الرياضى، حيث ستقوم القوات الإسرائيلية بترحيلهم خارج المدينة.
فنزل الشيخ حافظ مسرعا من المكتب، وتحدثت إلى شعب السويس من خلال مكبر الصوت بمسجد الشهداء، خوفا من أن يؤدى ما أعلنه الإسرائيلين إلى زعزعة عزيمة المقاومة.. وصاح بأعلى صوته: (أيها الشباب.. أن الله وعدنا النصر، وما علينا إلا أن نستمر فى المقاومة إلى آخر قطرة من دمائنا.. فلنجعل شعارنا الموت فى سبيل الله خير من الأسر فى يد الأعداء.. واعلموا أننا سنقاوم مع رفضنا للإنذار الإسرائيلى، أما أنتم أيها اليهود الجبناء فاعلموا أن أرض السويس فى حاجة إلى أن تروى بدمائكم).
وبفضل الله أحدث الرد الذى وجهه قائد المقاومة الشعبية من خلال مكبر الصوت، فعل السحر ودويا فى المدينة، وظن الإسرائيليون أن هناك تعزيزات قد وصلت المقاومة.. ولذلك لم ينفذوا تهديداتهم بضرب المدينة، ومر يوم 25 أكتوبر 29 رمضان بهدوء.
وظلت المقاومة تؤدى دورها حتى يوم 30 أكتوبر حينما بدأت قوات الطوارئ الدولية الدخول إلى المدينة، والتى تواطئت بدورها مع القوات الإسرائيلية وأدخلتها إلى المدينة ضمن قواتها، حيث احتلت جزء من منطقة المثلث، ورغم ذلك تمكنت المقاومة من صدها وتدمير عدد من القطع العسكرية واضطرت القوات الإسرائيلية إلى الهروب خارج المدينة.. ثم عاودت الدخول من منطقة الزيتيات مع قوات الأمم المتحدة أيضا، إلا أن شباب المقاومة اشتبك مهم مرة أخرى ودارت معركة شرسة عند مدرسة السويس الثانوية ومساكن الملاحة، ونجح شباب المقاومة أيضا فى طردهم.
وعن المواقف التى لا ينساها قائد المقاومة الشعبية بالسويس خلال ملحمة السويس روى الشيخ حافظ: أنه بدخول قوات الطوارئ انتهت المقاومة العسكرية.. لنجد انفسنا أمام معركة أخرى لا تقل أهمية عن العمليات العسكرية، وهى وجود أكثر من 20 ألف مواطن ما بين مدنيين وعسكريين بالمدينة فى حالة حصار ودون مياه أو طعام، بعد أن قطعت القوات الإسرائيلية المياه عن المدينة، ودمرت كل مخازن المواد الغذائية الكبيرة.. ولذلك كان علينا أن نبحث على مخرج وألا فسيكون مصيرنا جميعا الهلاك.
ويذكر الشيخ حافظ، أنه أثناء حيره الجميع من أمر توفير مصدر المياه، جاءه رجل يزيد عمره عن الـ 85 عاما، أقسم أنه لم يراه قبل أو بعد ذلك.. وأخبره أنه يوجد فى منطقه الغريب بئر قديمه كان يستخدمها أهل المدينة منذ مئات السنين، وأن تلك البئر فيها سر من أسرار الله، وأنه ما عليه إلا أن يلقى بها بعض من السكر يقرأ الفاتحة، وسيتدفق منها الماء بأمر الله.. وبالفعل ذهب الرجل إلى مكان البئر، وفعلت ما قاله الرجل.. ونظر فى البئر فلم أجد فيه سوى بعض الماء لا يزيد عن 70 أو 80 سنتيمتر، فقال فى نفسه: إنه لن يكفى أكثر من 10 جراكن.. ولكن ما أن علم الناس بأمر البئر حتى تدفقوا بآلاف وبدأوا يملئون من تلك الماء العذبه، والرجل ينتظر أن تجف، فلا تجف، وظل أهل السويس يشربون منها إلى أن تم رفع الحصار عن المدينة
وذكر لى الشيخ حافظ سلامة أيضا، أنه فى تلك الفترة قرروا حفر بئر بجوار مسجد الشهداء لاستخدم ماءها فى الوضوء، وهم يعلمون أنها سوف تخرج ماء مالحا نظر لطبيعة أرض المدينة، إلا أن المفاجأة أن ماء البئر الجديد خرجت عذبه.
وعندما تم فك الحصار، عادت بئر الغريب جافه كما كانت قبل الحرب، وتحولت ماء البئر التى كانت بجوار المسجد إلى مالحة سوداء.
من المواقف التى لا أنساها الشيخ حافظ طبقا لروايته، أنه بعد فك الحصار، جاءه أهل صاحب أول طلقة فى المقاومة الشعبية فى السويس الشهيد (إبراهيم سليمان) وطلبوا منه نقل جثمانه إلى مكان آخر، وبالفعل ذهبت معهم بعد أن جهز كثيرا من العطور وكفن أبيض، حيث كانوا وقت المعركة لم يجدوا ما يكفنه به سوى بطانية صوف.. ويقسم الشيخ حافظ، أنهم عندما فتحوا القبر على إبراهيم، وجدوا جثته كما هى دون أدنى تحلل، ووجدوه مبتسما ولحيته مبلله و كأنه توضأ منذ لحظات.. فنظر إلى من كانوا معه وقال لمن معه: انظروا إلى شهيدكم، لقد صدق الله فصدقه الله.