هل تريد إسرائيل استئناف المفاوضات؟.. كل يوم تتحجج الحكومة الإسرائيلية بأنه لا يوجد شريك فلسطينى للسلام، وأن السلطة الفلسطينية لم تفعل ما يؤهلها لاستئناف مفاوضات السلام.. تتحدث إسرائيل وكأنها تريد غسل يديها، رغم يقينها بأنها أول من يهدم السلام بإجراءات وقرارات لا تصدر إلا عن حكومة عنصرية، ومن بينها بالطبع مواصلة بناء المستوطنات فى الأراضى الفلسطينى وترفض الاستماع للنداءات المطالبة بالكف عن انتهاك الأراضى المحتلة.
تفعل إسرائيل ذلك، وهى تعلم أن أقرب أصدقائها لا يؤيدونها فى ذلك، بل إنهم وصولا إلى درجة من الضيق لم يسبق أن وصلوا إليها من قبل، لأنهم رأوا بأعينهم كيف تتلاعب بهم إسرائيل، ولم يعد خافياً على أحد الغضب الأمريكى من سياسة الاستيطان الإسرائيلية، التى دعت نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن ليقول قبل يومين إن «سعى الحكومة الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات وتشريع البؤر الاستيطانية ومصادرة الأراضى يقوض بنظرى آمال التوصل إلى حل الدولتين»، وتواصل إسرائيل استجلاب اليهود من حول العالم، لتحويل الخريطة الديموغرافية للأراضى المحتلة، فصباح الاثنين الماضى أعلنت الوكالة اليهودية عما أسمته بانتهاء «المهمة التاريخية» المستمرة منذ عام 1949 لإحضار يهود اليمن إلى إسرائيل، بنقل 19 يهوديا من اليمن فى «عملية سرية ومعقدة» كما وصفتها الوكالة المسؤولة عن تنسيق هجرة اليهود إلى إسرائيل، وبوصول الـ19 يهوديا لإسرائيل لا يتبق سوى خمسين يهوديا فى العاصمة صنعاء.
فإسرائيل بمواصلة سياسة الاستيطان ونقل اليهود إليها، تعلن للعالم كله أنها هى من تقف فى وجه السلام، ليس فقط من خلال وضع العراقيل السياسية والتفاوضية، ولكن بتغيير المعالم على الأرض، سواء بزيادة البؤر الاستيطانية، أو بتغيير الخريطة الديموغرافية لزيادة تواجد العنصر اليهودى فى الأراضى المحتلة على حساب الفلسطينيين، لتصل إلى الهدف الذى أعلنته حكومة نتنياهو قبل عدة سنوات وهو «دولة يهودية»، فالعنصرية هى ما تسيطر على الحكومة الإسرائيلية التى لا تفكر سوى فى طريقة تقضى بها على التواجد الفلسطينى، فهى ترفض أى حلول سياسية.
ما مصير مبادرات السلام؟.. آخر ما تم طرحه على الطاولة الآن هى المبادرة الفرنسية التى تقوم على مرحلتين، الأولى تتضمن عقد اجتماع فى شهر إبريل المقبل بباريس، يضم عشرات الدول الراغبة فى تحريك العملية السلمية مجدداً، من دون وجود الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وتلى ذلك، المرحلة الثانية التى تتضمن عقد مؤتمر دولى للسلام فى فرنسا، ما بين يونيو ويوليو المقبلين، بحضور الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى من أجل تحريك العملية السلمية، وتحقيق تقدم فى ملف التسوية السياسية.
هذه المبادرة لاقت قبولاً فلسطينياً وعربياً أيضاً، لكن إسرائيل كالعادة أبدت تحفظا عليها، خاصة بعد تهديد وزير الخارجية الفرنسى السابق للاعتراف بفلسطين كدولة إذا فشلت المبادرة، وبرر الإسرائيليون تحفظهم بأن هذا التهديد يحول فكرة المؤتمر إلى حلقة فارغة وسيصلب موقف الفلسطينيين.
المبادرة الفرنسية يمكن اعتبارها مدخلاً مهما لإيجاد حل للصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، خاصة إن عقد مؤتمر دولى للسلام فى الشرق الأوسط لحل القضية الفلسطينية، سيحقق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطينى، ويعمل على إنهاء الصراع على أساس حل الدولتين، لكن السؤال الآن هل سترضى إسرائيل أم إنها ستراوغ كما تفعل دوماً حتى تقضى على أى أمل فى تطبيق المبادرة، خاصة إنها تلعب على وتر مهم بالنسبة لها، وهو أن الإدارة الأمريكية منشغلة حالياً بمعركة الانتخابات التى ستحدد الرئيس الجديد للبيت الأبيض، وبالتالى فإنه من الأفضل الانتظار لما بعد نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
هذه هى حجة إسرائيل التى تلجأ لها دوماً للهروب من أى محاولة للحل، كما فعلت من قبل حينما طرح العرب مبادراتهم فى قمة بيروت العربية، والغريب أنه رغم علم الدول الكبرى، وتأكدها أن إسرائيل تراوغ للهروب، لكن لم يفعل أحد شيئا معها، فالمساعدات الأمريكية مازالت مستمرة والدعم العسكرى والسياسى لا يتوقف، بل يزداد يوماً بعد الآخر، دون حتى التفكير فى منح الفلسطينيين حقهم فى الاعتراف الدولى بدولتهم وبحقهم المسلوب من جانب الاحتلال الإسرائيلى.