فجأة وبدون مقدمات، أو سابق إنذار، تحول نفس الأشخاص الذين هبطوا علينا ببراشوت 25 يناير 2011، إلى خبراء خرائط جغرافية، وترسيم الحدود، وأساتذة مساحة جيولوجية، للتأكيد على أن جزيرتى «تيران وصنافير» مصريتان مائة فى المائة.
هؤلاء هم نفس الوجوه التى تفهم فى كل شىء، خبراء فى علوم الفضاء والطيران، والقانون والفلك وعلوم البحار والجيولوجيا والفلسفة وعلم النفس والفيزياء والكيمياء والميتافيزيقا والتفاضل والتكامل، والجغرافيا، وخبراء الخرائط، والسياسة، والاقتصاد والاجتماع، وعلم الأنساب.
قائمة هؤلاء تضم حمدين صباحى، وعلاء الأسوانى، وباسم يوسف، وخالد على، وممدوح حمزة، وجورج إسحق، والبرادعى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وجماعة الإخوان الإرهابية، واتحاد ملاك ثورة يناير الذى يضم قيادات حركة 6 إبريل المحظورة قانونا، والتيار الشعبى، والاشتراكيين الثوريين، وهى القائمة التى تمتلك «بالفهلوة» الحقوق الحصرية للفهم والمعرفة، واستطاعت أن «تدهن الهواء دوكو!!».
وتعالوا أعزائى القراء وكعادتنا معكم دائما، نُعلى من فضيلة الحق، وإعلاء شأنها فوق المصالح والأهداف والصراعات الشخصية، وأولى هذه الحقائق أن الذين هبوا دفاعا عن جزيرتى «تيران وصنافر» معظمهم كانوا لا يعرفون أين تيران، أو حتى سمعوا عنها، قبل إثارة قضيتها خلال الساعات القليلة الماضية، أو سألوا عن وضعها السياسى، وإنما هبوا فجأة ليس للدفاع عن الجزيرتين ولكن لتوجيه خناجرهم فى ظهر نظام السيسى، وتوظيف موافقة مصر على تعيين الحدود مع المملكة العربية السعودية، لخدمة أهدافهم ومصالحهم الشخصية من ناحية، وإثارة البلبلة فى الشارع من ناحية ثانية.
وتعالوا نُقر أيضا ثلاثة أنماط تمثل خريطة واضحة المعالم للتعامل مع جزيرتى «تيران وصنافر»، الأولى، التعامل بالعاطفة، والثانية، التعامل بالفهلوة، والثالثة، التعامل من واقع حقائق مدعمة بوثائق ومستندات.
العاملان الأول والثانى، والمتعلقان بالعاطفة والفهلوة، هما اللذان سيطرا على مشاعر البعض تجاه جزيرتى «تيران وصنافر»، وحاول الإخوان والناصريون، والحركات الفوضوية والحقوقيون، توظيف الحدث وقلب الحقائق واللعب على المشاعر، وتناسى الإخوان على سبيل المثال، أنهم اعترفوا عقب ثورة 25 يناير بأن الجزيرتين ملك السعودية، ونظرا للخصومة مع السيسى ونظامه، عادت الآن لتؤكد أن الجزيرتين مصريتان، أما الناصريون، خاصة حمدين صباحى الناصرى المذهب، والإخوانى الهوى، فإنهم تناسوا أن جمال عبد الناصر أضاع سيناء عندما قال فى كلمته إن مضائق تيران مصرية، وهنا انتفضت إسرائيل وحلفاؤها واحتلت الجزر والمضائق وسيناء كلها.
أما العامل الثالث، وهو الحقائق المدعمة بالوثائق والمستندات تؤكد أن الجزيرتين تابعتان للملكة العربية السعودية، بداية من وثائق أوائل القرن الماضى، ومرورا باتفاقية 1949، وباعتراف مندوب مصر فى الأمم المتحدة عام 1951، والتأكيد على أن الجزيرتين تابعتان للسعودية.
المصيبة أن الجزيرتين تخضعان للمنطقة «ج» عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ويشرف عليها قوات دولية، وإسرائيل كانت تحتلهما، نتيجة الخطأ الاستراتيجى الذى ارتكبه الرئيس جمال عبد الناصر عندما أعلن أن مضائق تيران- وليست جزيرة تيران- ملكا لمصر، وهو التصريح الذى أعلنت بموجبه إسرائيل وحلفاؤها الحرب على مصر واحتلال الجزر وسيناء بأكملها فى نكسة 1967، ثم يأتى حمدين صباحى ليزايد من جديد ويكرر نفس أخطاء الماضى بكل كوارثه.
نحن مع الحفاظ على كل سنتيمتر من الأراضى المصرية ونعتبرها أراضى مقدسة غير قابلة للبيع أو التنازل وما دونها الدم، ولكن لا يمكن أيضا أن نستولى على أراضى الغير، دون وجه حق، وعلينا الاعتراف بموجب الوثائق والمستندات بحقوق الآخرين، أما الذين يرتكنون إلى أن الجزيرتين أملاك مصرية بموجب المناهج وكتب التاريخ، فإن هؤلاء كانوا يشككون بالأمس القريب فى مناهج التاريخ والجغرافيا، فكيف يعترفون اليوم بمناهج التاريخ والجغرافيا واعتبارهما وثائق؟ ونسألهم هى المناهج مزورة ولا لأ؟
هؤلاء الجالسون خلف الكيبورد ويشعلون مواقع التواصل الاجتماعى صراخا ولطما وحزنا، وبكائيات، عمال على بطال دون علم، أو معلومات موثقة، وكل معلوماتهم مستقاة من الفيسبوك وتويتر، من خلال «الريشير» و«الريتويت»، لا عمل لهم إلا محاولة غرس البلاد فى مستنقع الفوضى. ولكِ الله يا مصر...!!!