الإنكار لا يفيد كراهية بيننا ما يتكشف من أحداث قرية الكرم فى المنيا، يحتاج إلى أن نعترف بأن من ارتكبوا جريمة الاعتداء على سيدة أكبر من أمهاتهم لا يقلون جرما عن الزوج الذى اختلف مع زوجته فصنع الشائعة، ولم يقدم دليلا ولم يلجأ إلى الطرق المعروفة، ولم يحسب وهو يخوض حرب انتقام عائلية أنه يحرق قرية وبلدا بالكامل.
نقول هذا لأنه باستعراض التعليقات المحبطة والغاضبة، التى تلقى المسؤولية على الجميع، لا تتطرق مطلقا إلى الاعتراف بأن بيننا وفى المجتمع الذى نعيش فيه، متطرفين وهمجيين، تكونت عقلياتهم من نتاج تفاعلات الأفكار المنحطة، التى ترتدى بعضها أردية دينية، ولا علاقة لها بعقيدة أو أخلاق.
ومن سنوات بعيدة، هناك سؤال عما جرى للمجتمع ولأخلاق بعض الناس، كأن هؤلاء نزلوا علينا من الفضاء، أو من يسأل من أين أتى الزوج الذى قرر ينتقم من طليقته لخلاف عائلى، فلجأ إلى شائعة صنعت حريقا، وتبعه هؤلاء الذين طاردوا سيدة مسنة عزلاء وضربوها وعروها. هؤلاء جاءوا من المجتمع، وهم نتاج تفاعلات اجتماعية على مدى عقود، جاهزون لأى فتنة، يمتلكون عقولا تشوهت بمئات الأقوال المتطرفة لمن يزعمون أنهم دعاة، ولا يبثون سوى الكراهية والطائفية والعداء.
بالطبع قد لا يكون هؤلاء الهمج أغلبية، ولا تزال النواة الصلبة للمجتمع قوية، لكن الأغلبية المعتدلة تعجز عن مواجهة الأقلية ذات الصوت العالى، الذين يفتقدون إلى أى مبادئ أو أخلاق، بل ويخالفون ما تربت عليه أجيال عن الاحترام والكرامة، وفى كل أزمة من هذا النوع يظهر هؤلاء ويتصدروا المشهد. بالطبع، فإن تطبيق القانون بحسم هو الحل لمواجهة من يستهينون بالقانون والمجتمع، ويظنون أنهم بعيدون عن أى حساب، وأن أى حادث فيه أطراف مختلفة العقيدة، يتم إنهاؤه بالعرف والمحايلة، ولو علم هؤلاء أن هناك قانونا وعقابا حاسما سوف يتراجعوا لأنهم جبناء.
وفى نفس الوقت، فإن هناك حاجة للاعتراف بوجود شروخ فى المجتمع نتاج تراكمات من التعصب والكراهية والتطرف، وهى تحتاج إلى علاج بعد تحليل أسبابها، نحن نرى شبابا يفخرون بالانضمام لداعش أو يريدون أفكار الإرهابيين، وحتى فى الممارسة السياسية هناك حالة من الاحتقان وغياب للقدرة على إقامة حوار، ويتجه الأمر إلى الصدام.
هناك فائض اختلال وكراهية تجلت فى عشرات يتكاثرون على سيدة عزلاء، وعلى من يغضبون ويمارسون الغضب المكرر، متصورين أنهم يكفى أن يتبرأوا من الهمجية، ربما كان علينا أن نعترف بأن هذه النماذج حولنا فى المجتمع، ومع القانون، نحن بحاجة لمواجهة تراكمات أدت إلى هذه الشروخ، فى المنيا وغيرها، لأن هؤلاء دائما أقلية همجية تصنع كل الفتن. طبعا الهمجية قليلة لكنها تصنع بلاوى كثيرة.