الجمعة، 22 نوفمبر 2024 03:51 ص

الدم ممكن يبقى ميّه.. سيدة تطالب بإسقاط جنسية شقيقها والمحكمة تلزم الداخلية بالتنفيذ

الدم ممكن يبقى ميّه.. سيدة تطالب بإسقاط جنسية شقيقها والمحكمة تلزم الداخلية بالتنفيذ القضاء الإدارى
الخميس، 08 سبتمبر 2016 11:17 ص
كتب حازم عادل
قضت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإدارى فى مجلس الدولة، بإلزام وزير الداخلية، بإسقاط الجنسية المصرية عن مواطن مصرى تزوج من إسرائيلية وأنجب منها، وصدر الحكم برئاسة المستشار أحمد الشاذلى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين خالد طلعت وحازم اللمعى وسمير عبد المقصود والدكتور محمد شوقى، نواب رئيس مجلس الدولة، وبسكرتارية إبراهيم سيد ومعروف مختار.

كانت شيماء محسن أحمد أمين، قد أقامت الدعوى رقم 21537 لسنة 68 قضائية، مختصمة كلا من: وزير الداخلية، ورئيس مجلس الوزراء، بصفتيهما، ومحمد محسن أحمد أمين، مطالبة بإلزام وزير الداخلية بإسقاط الجنسية عن شقيقها لتزوجه من امرأة إسرائيلية.

وذكرت المدعية فى الدعوى أن شقيقها مصرى الجنسية، إلا أنه يعتنق آراء سياسية ودينية واجتماعية لا تتفق وطبيعة البيئة العربية، وكان يتطلع دائمًا للهجرة إلى دولة أجنبية أيا كانت ظروفها، رغم تمتعه بحياة كريمة فى مصر، فهاجر إلى إنجلترا واستقر هناك نحو 12 عاما، لم يزر مصر خلالها رغم وفاة والده ووالدته، وتزوج من امرأة إسرائيلية وأنجب منها أولادا يتمتعون بالجنسية المصرية، وهو أمر يهدد الأمن القومى المصرى، ما دفعها إلى توجيه إنذار إلى وزير الداخلية على يد محضر لبحث الأمر وعرض أمر إسقاط الجنسية عن شقيقها على مجلس الوزراء.

وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها، إن المدعية وبغض النظر عن كونها شقيقة المدعى عليه الثالث، فإنها بوصفها مواطنة فى الجماعة الوطنية التى تشكل عموم الشعب المصرى، معنية بالحفاظ على الأمن القومى للدولة بحكم المادة 86 من الدستور، التى اعتبرت الحفاظ على الأمن القومى واجبًا على كل المواطنين، والتزام الكافة بمراعاته مسؤولية وطنية ملقاة على عاتقهم، والدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، ومن ثمّ فإن الحفاظ على الأمن القومى لم يعد التزامًا على أجهزة الدولة وحدها بل إنه صار مسؤولية مشتركة بين المواطنين والدولة، ومن ثم فقد غدا لكل مواطن الحق فى ضمان ممارسة سلطات الدولة التنفيذية اختصاصاتها ووظيفتها على نحو يتفق وما قرره الدستور والقانون.

وأضافت المحكمة، أنه ولئن كان الحق فى الزواج أحد مظاهر مباشرة الحرية الشخصية التى كفلها الدستور للمصريين على مقتضى حكم المادة 62 منه، فإن هذه الحرية فى المقابل لا تخول لأى فرد حقاً مطلقاً فى أن يتحرر نهائيًّا فى كل وقت، وتحت كل الظروف، من القيود عليها، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها وتقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها دون إخلال بأمن أعضائها، فهى مقيدة بالحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة التى هى أساس المجتمع والتى قوامها الدين والأخلاق والوطنية.

وأوضحت المحكمة أن شقيق المدعية قرر الزواج من امرأة إسرائيلية وأنجب منها ولدا حمل الجنسية الإسرائيلية عن والدته، وكان من الجلى والواضح رؤى العين ما تباشره دولة الاحتلال الإسرائيلى من أقصى درجات التمييز والعنصرية ضد كل من لا ينتمى إلى الأصل اليهودى، أن يسعى جاهدا إلى الدفع بزوجته وابنه إلى التخلى عن جنسيتهما الإسرائيلية وجلب أسرته إلى مصر للعيش فى وسط أهله وذويه وذلك فى إطار الواجب المفروض عليه فى رعاية أسرته وضمان الحرية الكريمة لها، إلا أنه حاد عن ذلك مفضلا احتفاظهما بالجنسية الإسرائيلية.

وأشارت المحكمة إلى أن المدعى عليه يزعم فى مذكرة دفاعه أن دولة إسرائيل هى من تدافع عن حقوق الإنسان، خلافا لكل الدول العربية وتمارس أعلى درجات الديمقراطية، كما أنها تساهم فى تطوير العالم والقضاء على الإرهاب العالمى فى مواجهة الإسلام الجهادى الذى أعلن الحرب على العالم الحر برمته، وأن دولة إسرائيل تتمتع بنفوذ عالمى كبير، ما يسهل طريق الدول العربية فى علاقاتها بالعالم، فضلا عن مساهمات اليهود فى بناء الحضارة العربية ابتداء من العراق وحتى مصر، وشاهد ذلك من آثارهم هناك، وأن زواجه من إسرائيلية يجعل مستقبله وأسرته فى أمان لا يمكن لأى فرد أو سلطة العبث به.

وأكدت المحكمة على أن ما ذكره المدعى عليه الثالث جميعه، فضلا عن كونه يحمل فى طياته تزييفًا فاضحًا لوقائع التاريخ التى تفضح ممارسات الكيان الإسرائيلى، وتناقض كل ما ذكره المدعى عليه، فإنه ينهض دليلا قاطعا على رغبته الصادقة فى الانتماء للكيان الإسرائيلى الذى تحمل زوجته وابنه جنسيته، وعدم رغبته وعزوفه النهائى عن الانتماء إلى الشعب المصرى والتمتع بشرف الانتماء إلى الجنسية المصرية، بعد أن وجد ضالته فى الانتماء إلى هذا الكيان الذى جسد الحلم له.

وأكدت المحكمة أن الجنسية المصرية ليست مجرد شهادة ميلاد أو جواز سفر، وإنما هى فى الأساس رابطة معنوية تقوم على أساس من التلاحم والاندماج فى المجتمع المصرى، وعلى ذلك فقد بات استمرار المدعى فى الاحتفاظ بالجنسية المصرية مشكلا ضرّرًا محدّقًا بالتضامن الاجتماعى الذى يقوم عليه المجتمع المصرى، والذى تشكل الأسرة المصرية العمود الفقرى له والقوة الدافعة لتماسكه وترابطه، ولا ريب فى أن زواج المدعى عليه الثالث من إسرائيلية وإنجابه منها ولدًا يحمل جنسية والدته الإسرائيلية، إنما ينال من تماسك الأسرة المصرية والموروث الثقافى للمجتمع المصرى الذى يأبى أن يتواجد بين أعضائه من يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب جنسيته المصرية، وهو ما ينصرف بأثره إلى المساس بالمصلحة العليا للدولة وأمنها القومى فى الحفاظ على ترابط النسيج الاجتماعى بين أبنائه، والذى يأبى الشعور العام لهم بالقبول بفكرة ازدواج جنسية أحد أعضائه وحمله لجنسية الدولة الإسرائيلية فى ظل ما عانته وتعانيه الأمة العربية بأكملها من مشكلات جراء الصراع العربى الإسرائيلى ومشكلة فلسطين، وما تقوم به إسرائيل من انتهاكات يومية لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين والأسرى فى الحروب العسكرية، ولا يفوت المحكمة أن تنوه بأن الواقع القانونى القائم، هو أن الأولاد الذين يولدوا من أم إسرائيلية يكتسبون الجنسية الإسرائيلية طبقاً لأحكام قانون الجنسية الإسرائيلية، بغض النظر عن طريقة أو ظروف اكتساب والدتهم تلك الجنسية، فضلاً عن أن هؤلاء الأولاد يعتبرون مصريين بالتبعية لأبيهم المصرى، ومن ثم تنشأ حالة من حالات ازدواج الجنسية للأولاد، بالمخالفة لأحكام التشريع المصرى الذى يقوم فى الأساس على وحدة الجنسية المصرية وحظر اكتساب غيرها إلا بإذن، تقديرا من المشرع لما يمثله ذلك من مساس مباشر بالأمن القومى المصرى وعصف به.

وألزمت المحكمة وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات التى خولها له القانون فى حماية الأمن القومى والذود عنه، من خلال عرض أمر إسقاط الجنسية المصرية عن الزوج المصرى فى هذه الحالة على مجلس الوزراء، ليصدر قراره فى هذا الشأن، سيما وأن هذا يعد السبيل الوحيد لحجب انتقال تلك الجنسية المصرية إلى زوجته وأبنائه الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، بما يصون التضامن الاجتماعى بين أبناء الشعب المصرى.


print