كما ذكرنا من قبل أن جرائم الإخوان فى شهر نوفمبر لا تعد ولا تحصرى، فالجماعة ارتكبت كما هائلا من الجرائم فى هذا الشهر، ولعل أبرزها قضية السيارة الجيب، وكانت هذه القضية من القضايا التى أثارت جدلا كبيرا سواء على المستوى الداخلى بمصر أو المستوى العالمى.
التفصيل الكاملة لقضية السيارة الجيب
قضية السيارة الجيب واحدة من أشهر القضايا المتعلقة بجماعة الإخوان، لأن بسببها قام النقراشى باشا بحل الجماعة، وكانت هناك إرهاصات كثيرة عن عزم الحكومة حل جماعة الإخوان، فقرر أحمد عادل كمال العضو بالتنظيم الخاص أن ينقل بعض الأوراق والمعدات المتعلقة بالنظام من إحدى الشقق بحى المحمدى إلى شقة أحد عناصر الإخوان بمطقة العباسية.
واصطحب كمال معه طاهر عماد الدين فى إحدى السيارات المخصصة لأعمال التنظيم الخاص، وهى سيارة جيب يقودها مصطفى كمال عبدالمجيد فى 15 نوفمبر 1948 تم نقل كل محتويات شقة المحمدى إلى السيارة، واتجهت إلى منزل إبراهيم محمود على بالعباسية لتودع هذه الموجودات أمانة هناك فى شارع جنينة القوادر بحى الوايلى أمام المنزل رقم 38، وكان من سكان هذا المنزل مُخبر فى حالة خصام مع جاره إبراهيم محمود على، ولاحظ المخبر أن السيارة لا تحمل أرقامًا وأنها تخص خصمه إبراهيم محمود على، فانتهز الفرصة بأن يضبط السيارة كيدًا فى إبراهيم، عندما تبين أن الأمر أكبر من مجرد استعمال سيارة بدون ترخيص، فقد كان فى السيارة بعض المحظورات من الأسلحة والمتفجرات، وتم القبض على أعضاء التنظيم والسيارة لينكشف بذلك التنظيم الخاص السرى لجماعة الإخوان، وأدى هذا الحادث إلى إعلان محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء آنذاك أمرا عسكريا بحل الجماعة، واعتقال أعضائها وتأميم ممتلكاتها وفصل موظفى الدولة والطلبة المنتمين لها، وكان هذا القرار سببا فى اغتيال التنظيم الخاص للنقراشي.
عضو التنظيم الخاص يكشف القضية
يقول أحمد عادل كمال، أحد قادة التنظيم الخاص فى كتابه المعنون: النقط فوق الحروف - الإخوان المسلمون والنظام الخاص- الطبعة الأولى – الزهراء للإعلام العربى- الفصل العاشر- ص 223 عن هذه القضية: "كان سقوط السيارة الجيب فى 15/11/1948. وتراءى للنقراشى بها أنه قد استمكن من الإخوان. كان النقراشى رئيسا للوزارة وحاكما عسكريا عام ورئيسا للحزب السعدى، أكثر الأحزاب المصرية هزالا وضعفا حينذاك، كما كان فى نفس الوقت وزيرا للداخلية ووزيرا للمالية فى وزارته. وفى 8/12/1948 أصدر النقراشى أمره العسكرى بحل جماعة الإخوان المسلمين ولم تنقض ثلاثة أسابيع حتى سقط النقراشى قتيلا فى عرينه بوزارة الداخلية برصاص الإخوان. وكان لذلك الاغتيال أسباب ثلاثة هى كما أفصح عنها عبدالمجيد أحمد حسن الذى اغتاله، تهاونه فى شأن قضية وحدة مصر والسودان، وخيانته لقضية فلسطين، واعتداؤه على الإسلام بحل الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية فى عصرها".
ويمضى أحمد عادل كمال فيقول فى ذات المصدر ص224: "منذ وقع النقراشى قرار حل الجماعة وهو يدرك أنه ارتكب حماقة وتهورا يعرضه لما أصابه، فأعد لنفسه حراسة مشددة وبروجا مشيدة. وكان يذهب أياما إلى رئاسة مجلس الوزراء وأحيانا إلى وزارة الداخلية وأحيانا أخرى إلى وزارة المالية. وقد استدعى الأمر قيام الإخوان بعملية رصد متوال لمعرفة جدوله فى توزيع أيامه على وزاراته. كذلك كان يغير طريقه من منزله بمصر الجديدة إلى أى من تلك الوزارات بوسط المدينة ولذلك استبعدت فكرة اصطياده فى الطريق".
وفى صباح يوم الثلاثاء 28/12/1948 ، والكلام ما زال لأحمد عادل كمال، "ذهبت قوة الحراسة المكونة من الصاغ عبدالحميد خيرت والضابط حباطى على حباطى والكونستابل أحمد عبدالله شكرى إلى منزل النقراشى لاصطحابه، وانتظروا الباشا حتى نزل إليهم قبل العاشرة صباحا بعشرين دقيقة، وركب الأول معه فى سيارته بينما استقل الآخران سيارة أخرى تتبع السيارة الأولى، ووصل الركب وزارة الداخلية نحو الساعة العاشرة. ونزل الباشا من سيارته أمام الباب الداخلى لسراى الوزارة، واتجه إلى المصعد مجتازا بهو السارى وإلى يساره الصاغ عبدالحميد خيرت وخلفه الحارسان الآخران، هذا بالإضافة إلى حراسة أخرى تنتظر بالبهو مكونة من كونستابل وصول وأونباشى بوليس".
ويواصل أحمد عادل كمال فى ذات المصدر ص 225 : "وكان هناك أمام وزارة الداخلية مقهى الأعلام تم اختياره مسبقا ليجلس به عبدالمجيد أحمد حسن – 21 سنة - وقد تسمى باسم حسنى فى انتظار مكالمة تليفونية لتلقى إشارة بأن الموكب قد غادر بيت الرئيس فى طريقه إلى الوزارة. وتمت تلك التجربة مرات قبلها. وفى يوم الحادث تلقى حسنى إشارة تليفونية بأن الموكب قد تحرك، فغادر المقهى إلى البهو الداخلى لوزارة الداخلية، وهناك كانوا يخلون البهو من الغرباء فى انتظار وصول الرئيس ولكن عبدالمجيد وقد ارتدى زى ضابط بوليس لم يطلب إليه أحد الانصراف فهو من أهل البيت".
ويروى كمال تفاصيل الخيانة قائلا: "حين غادر عبدالمجيد مقهى الأعلام كانت هناك عيون على مقهى آخر ترقبه .. شفيق أنس فى زى كونستابل ومحمود كامل السيد فى زى سائق سيارة بوليس، فتبعاه إلى داخل الوزارة، واجتاز عبدالمجيد الباب الخارجى ثم الداخلى وانتظر فى البهو، وجاء النقراشى بين حرسه متجها نحو المصعد حتى إذا صار على وشك ولوجه فاجأه عبدالمجيد بإطلاق ثلاث رصاصات من مسدس برتا إيطالى الصنع كان معه، وقد تم ذلك بسرعة خاطفة وأصابت الرصاصات الهدف فسقط النقراشى على الأرض وكانت الساعة العاشرة وخمس دقائق صباحا. وأخذ رجال الحرس بما حدث فلم يستطع أحد منهم عمل شيء قبل إطلاق المقذوفات الثلاثة".