الجمعة، 22 نوفمبر 2024 08:11 م

عن واقعة مرتكب "مجزرة الإسماعيلية".. مدى جواز الاستناد على الدفع بأعمال السحر ومس الجن؟.. جدل قانونى حول وجود فراغ تشريعى من عدمه

عن واقعة مرتكب "مجزرة الإسماعيلية".. مدى جواز الاستناد على الدفع بأعمال السحر ومس الجن؟.. جدل قانونى حول وجود فراغ تشريعى من عدمه مرتكب مذبحة الاسماعيلية
الأربعاء، 08 ديسمبر 2021 06:00 م
كتب علاء رضوان

طفى على السطح خلال الساعات الماضية، إشكالية قانونية في غاية الأهمية، منذ أن أعلنت هيئة الدفاع عن مرتكب مجزرة الإسماعيلية أنه في حال صدور الحكم بالإعدام على المتهم "عبد الرحمن"، سوف يتم كتابة الطعن بمجرد استلام حيثيات الحكم حيث سيتم الاستناد إلى دفع سيكون بمثابة سابقة قضائية وهو "أعمال السحر ومس الجن"، الأمر الذى دفعه لارتكاب جريمته دون إرادة حقيقة منه، فضلاَ عن الإخلال بحق الدفاع باعتبار أن الحكم على المتهم جاء بعد انعقاد 3 جلسات فقط، وأن العدالة الناجزة وسرعة المحاكمات من الممكن أن يتمخض عنها ظلما خفيا. 

 

هيئة الدفاع اعتبرت المتهم "عبد الرحمن" ضحية لـ 3 أمور في غاية الأهمية وهما أولاَ: المخدرات وتأثيرها المؤقت نتيجة تأثره بمخدر الشابو الكريستال وهو عبارة عن "ميثامفيتامين"، وهي مادة منبهة تجعل المخ ينتعش، لكن تحدث تشنجات شديدة تشبه الصرع، الذى يؤدى إلى عدم القدرة على التركيز واتخاذ القرارات المحسوبة، والسهر وعدم النوم وقد تؤدي إلى الهوس، بالإضافة إلى أنها تفقد متعاطيها الشهية، وتجعله غير قادر على تناول الطعام، ومن ثم فقدان الوزن، وتلك الأعراض تظهر بمجرد تعاطى مخدر الشابو، لأنه يحتوى على مواد كيميائية تصنع "تحت السلم"، وكل هذه الأسباب تعطى الحق للمحكمة في النزول بالحكم من الإعدام للمؤبد.   

262911-16357799960911006

مدى جواز الاستناد على الدفع بأعمال السحر ومس الجن؟

 

أما الأمر الثاني: هو مرض المس الشيطاني الذي يقود المريض لارتكاب أفعال لا يعرف المصاب عنها شيئا، ووصفت هيئة الدفاع هذا الدفع بأنها ستكون سابقة قضائية لن يعرفها القضاء الجنائي المصري وهي أن تلك الأفعال هي من الجن الذي مس المتهم وليست منه ويؤخذ رأي الأزهر الشريف في ذلك، فضلاَ عن وجود خطأ في تقرير الطب النفسي عن حالة المتهم الصحية والنفسية والذي جاء بالسلب، الأمر الذي قد يفجر مفاجأة حال نظر الطعن وتحول محكمة النقض لتكون محكمة الموضوع طبقا للتعديلات الجديدة.. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا (مدى جواز الاستناد بالدفع بأعمال السحر والشعوذة ومس الجن؟).  

 

وللإجابة على تلك الإشكالية – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض حسام حسن الجعفري، يلزم لقيام الجريمة توافر ركنين : ركن مادي وركن معنوي، أما الركن المادي: هو الفعل الذي يحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون، ويقوم الركن المادي على عناصر 3: الفعل "السلوك الإجرامي الإيجابي أو السلبي"، والنتيجة وعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة، والركن المعنوي: هو الإرادة التي يقترن بها الفعل وقد يتخذ الركن المعنوي صورة العمد فيتوافر به القصد الجنائي وتوصف الجريمة بأنها عمدية، كما قد يتخذ الركن المعنوي صورة الخطأ غير العمدي فتوصف الجريمة بأنها غير عمدية، فيوجد فراغ تشريعي وقانوني في تلك الإشكالية.

imgid19595

جدل قانونى حول وجود فراغ تشريعى من عدمه  

 

وبحسب "الجعفرى" في تصريحات لـ"برلماني" – الفراغ التشريعي والقانوني في تلك الإشكالية حال اختلال الارادة تحت تأثير مس الجان أو السحر نكون أمام جريمة تفقد أحد أهم أركانها، وهو الركن المعنوي تجاه نية الجاني لإتيان الفعل المؤثم، مع إدراكه حقيقة الفعل، فإن ارتكاب الجريمة تحت تأثير السحر أو المس يفقد الانسان ارادته الحرة، وعلى الرغم من هذه الحقيقة فإن القانون يتجاهلها تماما فيعامل المتهم المسحور أو الملبوس بالجن معاملة المتهم الواعي المدرك ويتحمل كامل العقوبة كمن اتى الفعل مدركاً واعياً متقبلاً إياه.

 

ووفقا لـ"الجعفرى": والمتهم حال إتيانها يكون فاقداً لإرادته، وهي أقرب الى حالات الذهاب العقلي المذكورة في القانون، والتي تباعا لها يبرأ المتهم، فمن الواجب تغطية هذا الفراغ التشريعي، وأننا بحاجة إلى إنشاء ادارة خبراء شرعيين معنية بإحالة المتهمين إليها، فيجب أن يعتني القانون بهذه الارادة المعيبة، حال توجيه الاتهام لها، وذكرها على أنها حالة من الحالات التي تستوجب التبرئة لانتفاء الركن المعنوي، فهل يعقل أن يُدان فاقد الإرادة، وأن لا تكون عدالة في تبرئته؟ أما عن كيفية الاثبات، فإن تلك تكون إحدى مهام الخبراء الروحانيين من رجال دين ومتخصصين يعينون في الطب الشرعي أو الطب النفسي. 

112021294818963625507

أستاذ قانون جنائي: دفع غير مقبول وغير منطقي

بينما هاجم بشدة الدكتور محمد صادق، أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض، ذلك الدفع والاستناد إليه في كتابة الطعن، مؤكداَ أن مثل هذا الدفع، بأعمال السحر ومس الجن، دفع غير مقبول شكلاً ومرفوض موضوعاً، لأنه يتعارض مع العقل والمنطق العلمي السليم، ولأنه ليس من الدفوع القانونية في القضاء الجنائي أو في قانون العقوبات الجنائية، أو في قانون الإجراءات الجنائية، حيث أن هناك مبدأ في غاية الأهمية يجب ألا نغفل عنه ألا وهو مبدأ حرية القضاء الجنائى في تكوين قناعاته، هذا المبدأ ليس على اطلاقه وهو متعلق بالقانون، والمادة 96 من الدستور تقول: "المتهم برئ حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فإذا اسقطنا النص الدستوري على واقعة مذبحة الإسماعيلية، وقلنا هل هذا الدفع مطابق لصحيح القانون؟ نؤكد أنه ليس في القانون المصري ما يعاقب على جرائم السحر والشعوذة، ولا توجد عقوبة لمن يرتكب جريمة السحر والشعوذة في قانون العقوبات ولا في القوانين الخاصة. 

ويضف "صادق" في تصريحات خاصة - على فرضية أن المحكمة صايرت الدفاع وارتأت أن هذا الدفاع قد يكون مؤثرا في سير العدالة، ما جعلها تسعى لتحقيقه، هل يوجد لدينا خبير يستطيع أن يكشف في توقيت ارتكاب الجريمة أن هذا المتهم تحديدا كان المحرك الرئيسي في ارتكاب الركن المادى لجريمة القتل بهذه البشاعة؟، وهل كان متأثرا بسحر أو شعوذة أو جن أو أثر الجن؟ وهل لدينا خبير يحقق للمحكمة هذا الدفع؟.. الإجابة ليس لدينا مكتب خبراء في الطب الشرعي أو في الأدلة الجنائية لبيان عما إذا كان المتهم اثناء ارتكاب الركن المادي للجريمة كان تحت تأثير السحر أو اعمال الجن، وردد قائلاَ: "إذا افترضنا مثل هذا الدفع قول على الدنيا السلام لأنه سيفتح الباب للجميع بارتكاب جرائم باسم مس الجن".  

202112061245594559

الواقعة مآلها للإعدام لهذا السبب 

من ناحية أخرى - نطرح سؤال هل يوجد سوابق أو ثوابت قضائية لمحكمة النقض قررت بأن هذا الدفع جوهرى، وهذا الدفع كان يجب على المحكمة تحقيقه؟ الحقيقة لا توجد سابقة قضائية من محكمة النقض ولا يوجد لديك نص قانونى يجرم أفعال السحر والشعوذة وتسخير الجن لارتكاب الجرائم، والسؤال هل يوجد عجز تشريعى؟ في الحقيقة لا يوجد لدينا عجز تشريعى، حيث أن المتهم شاهدناه أثناء ارتكاب الواقعة كان في كامل قواه العقلية حال إنزال سلطان الإرادة على الجاني، أما الدفع بأن المتهم كان تحت تأثير مخدر "الشابو" فهل هذا الدفع جاد؟ المتهم قال خلال التحقيقات: "انا تعاطيت المخدرات حتى اتجرأ على ارتكاب الجريمة وأكون على اتم استعداد لارتكابها فهو أخذ المخدرات للمؤازرة لارتكاب واقعة القتل البشعة، فهذه الجريمة مآلها للإعدام ولا مجال فيها للرحمة، وسبق لإصرار متوفر لأنه أعد العدة متمثلة فى شنطة تحتوي على السلاح الكبير للقتل والسلاح الصغير لجز الرقبة، وكل هذه الأسلحة تؤكد سبق الإصرار والترصد ولا يوجد ظرف للإنزال بالعقوبة وتخفيفها من الإعدام الى المؤبد أو غير ذلك، وهذه وجهة نظرى – الكلام لـ"صادق".   

 

111939-111939-محمد-صادق
الدكتور محمد صادق - أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض
 

الأكثر قراءة



print