الواقع والحقيقة يؤكدان أن الجهات المعنية وعلى رأسها الإدارة العامة للمرور ترفع حالة الطوارئ في مثل هذه الظروف المتعلقة بحالة الطقس – أيام الشتاء والبرد القارس - لمواجهة الشبورة المائية والأمطار بعد تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية بظهورهما بشكل مستمر في مثل تلك الأيام على الطرق السريعة والصحراوية وبالمحاور الرابطة بين المحافظات.
تحذيرات مستمرة من الشبورة المائية
الإدارة العامة للمرور، وهيئة الأرصاد الجوية، والجهات المعنية، تُحذر بضرورة اتباع تعاليم القيادة الآمنة في الشبورة، منها توخى الحذر وتهدئة السرعة بصورة تتناسب مع مستوى الرؤية الأفقية، بحيث تغطى مسافة الرؤية المسافة اللازمة للتوقف، كما تُشدد إدارة المرور على قائدى بإضاءة جميع الأنوار الخاصة بالسيارة، مع وضع النور الأمامي فى الوضع المنخفض، تجنباً لانعكاس الضوء بفعل الشبورة، مما يؤدى إلى عدم وضوح الرؤية.
المحاكم تكتظ بقضايا حوادث الطرق
كل هذه المحاذير التى تعلن عنها الجهات المعنية الغرض الأول منها هو سلامة المواطن ومنع الحوادث التى تقع بشكل ملفت للنظر بسبب "الشبورة" المائية، حيث تعلن الإدارة العامة للمرور، إغلاق عدد من الطرق على مستوى المحافظات بسبب ظهور شبورة كثيفة، منعا لوقوع الحوادث المرورية لحين تلاشى الشبورة التى تظهر، إلا أن المحاكم تكتظ بمئات الحوادث التى تقع بسبب "الشبورة المائية" إن لم يكن الآلاف من القضايا، باعتبار أن هناك حالة من الإهمال التام من قبل سائقى وأصحاب السيارات.
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الخطورة وتهدد ألاف المواطنين تتعلق بحوادث الطرق المتعلقة بـ"الشبورة المائية" فى محاولة لمناقشة تلك الأزمة من خلال الأحكام القضائية التى تصدت لها محكمة النقض المصرية التى لم تترك شاردة ولا واردة إلا وكان لها مساهمة فى حلها ووضع ضوابط لها، حيث أن الدفوع التى تقدم لهيئة المحكمة وتؤدى إلى حصول المتهم على البراءة تتلخص فى أن "الشبورة المائية قوة قاهرة فى الحوادث"، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا.. لمواجهة حوادث الطرق بسبب الشبورة المائية.. هل نحتاج نص تشريعى أو تعديل لإنهاء ذلك الدفع أمام المحاكم ومن ثم حصول المتهم على البراءة؟
محكمة النقض: الشبورة ليست قوة قاهرة فى الحوادث
فقد سبق لمحكمة النقض المصرية برئاسة المستشار عبد العزيز فرحات التصدي لأزمة حوادث الطرق بسبب "الشبورة المائية" فى الطعن المقيد برقم 2494 لسنة 78 قضائية، وذلك بعد أن تضمنت مذكرة دفاع المتهمين عدة دفوع بأن الحادث وقع بسبب خارج عن إرادة قائد السيارة تمثل فى القوة القاهرة نتيجة "الشبورة المائية" وانعدام الرؤية، ما أدى إلى انحراف السيارات عن مسارها وتصادمها، ورتب على ذلك انتفاء ركن الخطأ من جانب قائدها.
إلا أن محكمة النقض كان لها رأى آخر فى تلك الدفوع، فقد أرست مبدأ قضائيًا بعدم اعتبار الشبورة المائية من القوة القاهرة المتسببة فى حوادث الطرق، حيث إن الشبورة المائية لا تكن فجائية ومن الممكن توقعها ودفعها بالحيطة والحذر والسير بسرعة عادية فى مثل هذه الظروف، فضلاَ عن أنه يشترط لاعتبار الحادث من القوة القاهرة عدم إمكان توقعه واستحالة دفعه فإذا تخلف أحد هذين الشرطين انتفت عن الحادث صفة القوة القاهرة، وأما تقدير ما إذا كانت الحادثة أو الواقعة بها تعتبر من القوة القاهرة هو تقدير تملكه المحكمة بشرط أن تلتزم الأسس القانونية وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفى لحملة.
القيادة فى ظل الشبورة المائية خطأ يستوجب مسئولية سائق السيارة
وفى هذا الصدد – يقول أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض الدكتور محمد صادق - أن القيادة ابتداء في ظل الشبورة المائية التي تعدم الرؤية هي في ذاتها خطأ يستوجب مسئولية سائق السيارة بل أراها مسئولية جسيمة تقع تحت مسمى الخطأ الجسيم الذي يرتب العقوبة الجنائية على من ارتكبه، والخطأ هنا هو مناط المسئولية وتعتبر القيادة في الشبورة المائية خطأ عمدي جسيم يجب أن يعاقب السائق ولو لم يرتكب حادث، لأن هناك عقوبة تعريض حياة الناس للخطر، حيث أن في فرنسا هذا الأمر يعتبر تعريض حياة النفس والغير للخطر.
وبحسب "صادق" في تصريح لـ"برلماني" - الفراغ التشريعي لدينا في عدم وجود نص تشريعي يعاقب من يرتكب فعل يعرض به حياة الناس للخطر كالقيادة برعونة في الطرق العامة ولن أقول بسرعة، لأن قانون المرور يحكم هذه المسألة وبه نصوص عقابية، بينما القصد هو القيادة برعونة كمن يفتعل "الغرز والهمجية في القيادة"، ولو كان ملتزما بالسرعة المقررة فواجب عقابه هنا الفراغ التشريعي.
التشريعات الجنائية ليست مهمتها وضع التعريفات وإنما مهمة الفقه
وعودا على بدء التشريعات الجنائية ليست مهمتها وضع التعريفات خصوصا في حصر الأخطاء التي تؤدي إلى قيام المسئولية، فمن الصعوبة بمكان وضع حصر للأخطاء البشرية الكثيرة والمتعددة وهي مهمة التفسير القضائي والتفسير الفقهي، إنما إذا اعتمدنا على التفسير التشريعي سيكون تفسيرا ضيقا لن يسمح بعقاب المخطئ إذا لم يرد نوع الخطأ في هذا التعريف، ويكون نواة للإفلات من العقاب، أما عن عقوبة القتل الخطأ في قانون العقوبات المصري فقد نصت المادة 238 من قانون العقوبات المصري أن: "من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تجاوز 200 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين – الكلام لـ"صادق".
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنين وغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 7 سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من 3 أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 10 سنين.
نص المادة 244 فى مواجهة الحوادث
أما لو لم يؤدي الخطأ الي الوفاة فإن النص التالي يحكم المسألة، فقد نصت المادة 244 من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز 200 جنيهاً أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز 300 جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من 3 أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنين.
وواجب على قائد السيارة التي ارتكبت الحادث أن يساهم في إسعاف المصابين ولا ينكل في مساعدتهم وجاء نص المادة مادة "67" من قانون المرور إن: "على قائد أية مركبة وقع منه حادث نشأت عنه إصابات للأشخاص أن يهتم بأمر المصابين وإبلاغ أقرب رجل مرور أو شرطة أو إسعاف بالحادث فور وقوعه وعليه عند الضرورة نقل المصاب إلى أقرب مكان لإسعافه"، وقانون المرور المصري وضع قواعد للقيادة فيما لا يعذر أحد بجهله للقانون كقاعدة عامة وجاء النص في المادة "66" منه أنه:
"يحظر قيادة أية مركبة على من كان واقعا تحت تأثير خمر أو مخدر وإلا سحبت رخصة قيادته إداريا لمدة تسعين يوما ولضباط وأمناء ومساعدي الشرطة والمرور عند الاشتباه فحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة أو إحالته إلى أقرب مقر شرطة أو مرور لإحالته إلى أقرب جهة طبية مختصة لفحصه فإذا امتنع أو لجأ إلى الهرب سحبت رخصته إداريا للمدة المذكورة وعند ارتكاب ذات الفعل خلال سنة تلغى الرخصة إداريا لمدة 6 أشهر فى الحالتين فإذا تكرر ذلك سحبت الرخصة نهائيا ولا يجوز إعادة الترخيص قبل انقضاء سنة على الأقل من تاريخ السحب".
أما مسألة الدفع أمام المحكمة فهو حق من حقوق الدفاع لا يصح أن نقول يجب أن نجد حلا تشريعيا لحرمان المتهم منه لأن البراءة أصل دستوري كفل الدستور حمايته في المادة 96 منه ومن أصول المحاكمات المنصفة أن يمكن المتهم من الدفاع كما يتراءى له والمحكمة تحكم من خلال مبدأ الاقتناع الذاتي ومدى توافر الادلة القاطعة على ارتكاب الجريمة – هكذا يقول "صادق".
خبير قانونى: الشبورة من الأمور المألوفة يمكن توقعها
من ناحية أخرى، يقول الخبير القانوني والمحامى سامى البوادى، إن حكم محكمة النقض يُعد فريداَ من نوعه فى تناول هذا الأمر، حيث أكدت المحكمة من خلال الحكم أنه وإن كانت الشبورة المائية تجعل الرؤية أمرأ عسيرا إلا أنها من الأمور المألوفة التى يمكن توقعها، ولا يستحيل على قائد السيارة المتبصر التحرز منها باتخاذ أكبر درجات الحيطة والحذر حال قيادته السيارة فى مثل هذه الظروف ريثما تتضح الرؤية وتنقشع الشبورة.
وأضاف "البوادى" فى تصريح خاص - أن محكمة النقض رسخت مبدأ جديدا تمثل فى أن الشبورة المائية ليست قوة قاهرة فى الحوادث لأنه كما ورد بحيثيات الحكم فالشبورة المائية لا تكن فجائية نتيجة التحذيرات من قبل الجهات المعنية بشكل مستمر، وهذه "الشبورة" يمكن توقعها ودفعها بالحيطة والحذر والسير بسرعة عادية فى مثل هذه الظروف.