أصدرت الدائرة المدنية "أ" – بمحكمة النقض – حكما في غاية الأهمية بشأن "الوكالة"، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية قالت فيه: " إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لأجنبي فلا يجوز للموكل عزل الوكيل أو تقييد وكالته بإرادته المنفردة بل لابد أن يوافقه على ذلك من صدرت الوكالة لصالحه، فإذا استقل الموكل بعزل الوكيل أو تقييد وكالته دون رضا من صدرت لصالحه، فإن تصرفه يكون باطلاً وتبقى الوكالة سارية وتنصرف آثارها الى الموكل".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 8297 لسنة 85 قضائية – برئاسة المستشار محمد رشاد، وعضوية المستشارين طارق سيد عبد الباقى، وأحمد برغش حازم نبيل البناوي، ونصر ياسين، وبحضور وكيل النيابة لدى محكمة النقض محمد حسام الدين رشاد، وأمانة سر مجدى حسن على.
الوقائع.. المالك يوكل شخص ببيع شقته بتوكيل خاص
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 681 لسنة 2014 الجيزة الابتدائية على المطعون ضدهم، للحكم بإلزام الثاني والثالث منهما بصفتيهما بإثبات إلغاء التوكيل الخاص رقم 2175 أ لسنة 2013 توثيق نادى الصيد الصادر منها للمطعون ضده الأول، وقالت بياناً لذلك، إنها بتاريخ 27 مايو 2013 أصدرت التوكيل إلى الأخير، ويبيح له البيع للنفس أو للغير عن شقتها المبينة بالصحيفة بثمن في حدود 1250000 جنيه وبما يدل على جديتها في البيع، إلا أنه لم يحرك ساكناً ولم يبع الشقة رغم مضى أكثر من 5 أشهر ولم يحضر لها أية عروض بيع أو يتواصل معها، مما أثار في نفسها الريبة والشك، ويحق لها عزله بوصفه وكيلاً عنها، ومن ثم فقد أقامت الدعوى، وبتاريخ 26 يوليو2014 حكمت المحكمة برفضها.
الوكيل لم ينهى اجراءات البيع.. والموكل يلغى التوكيل
وفى تلك الأثناء - استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة، وبتاريخ 24 فبراير 2015 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
المحكمة ترفض الغاء التوكيل دون وجود الطرفين
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، والقصور في التسبيب، وفى بيان ذلك تقول إن الحكم قضى بتأييد الحكم الابتدائي برفض دعواها تأسيساً على عدم جواز إلغائها التوكيل سند التداعي وعزل وكيلها المطعون ضده الأول دون رضائه لصدور الوكالة في صالحه استخلاصاً - وبغير أسباب كافية - من مجرد أن التوكيل يبيح له البيع لنفسه أو للغير، واستناداً من الحكم الى تعليمات مصلحة الشهر العقاري بناءً على فتوى مجلس الدولة.
وتابعت "مذكرة الطعن": أن كلتاهما مجرد استئناس وغير ملزم للقاضي لوجوب التزامه في حكمه بقصد المشرع والقواعد القانونية وتطبيقها بشأن الاستثناء - الذى لا يجوز القياس عليه أو التوسع في تفسيره - الخاص بعدم أحقية الموكل في إلغاء الوكالة أو تقييدها بإرادته المنفردة استثناءً من الأصل العام المعتبر من النظام العام ، ورغم عدم إثبات المطعون ضده المذكور ما يقع عليه عبء تقديم الدليل عليه من أن الوكالة صادرة لصالحه أو لصالح الغير، إذ لم يمثل بجلسات محكمة الموضوع بدرجتيها برغم إعلانه قانوناً، وهو ما يكون معه الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وعابه القصور في التسبيب، بما يستوجب نقضه .
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه من المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن النص في المادة 715 من القانون المدني على أن:
1- يجوز للموكل في أي وقت أن ينهى الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك.
2 - على أنه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهى الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه.
حال صدور الوكالة لصالح الوكيل أو لأجنبي لا يجوز للموكل عزله أو تقييد وكالته بإرادته المنفردة
وبحسب "المحكمة": ومفاد ذلك وعلى ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدني، أن الوكالة - كأصل عام - عقد غير لازم فيجوز للموكل بإرادته المنفردة عزل الوكيل أو إنهاء وكالته أو تقييدها ولو وجد اتفاق يحظر عليه ذلك، لأن جواز عزل الموكل للوكيل قاعدة متعلقة بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، إلا أنه - استثناءً من هذا الأصل - إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لأجنبي، فلا يجوز للموكل عزل الوكيل أو تقييد وكالته بإرادته المنفردة بل لابد أن يوافقه على ذلك من صدرت الوكالة لصالحه، فإذا استقل الموكل بعزل الوكيل أو تقييد وكالته دون رضا من صدرت لصالحه، فإن تصرفه يكون باطلاً وتبقى الوكالة سارية وتنصرف آثارها الى الموكل.
ووفقا لـ"المحكمة": ويقصد بالمصلحة الواردة بهذا النص، أنها كل منفعة تعود على الوكيل أو الغير من استمرار الوكالة، أو كل ضرر يقع بسبب إلغائها، ويجب أن تكشف عنها نصوص عقد الوكالة بشكل قاطع وصريح أو تكشف عنها أموراً واقعية - تقف عليها المحكمة وفقاً لكل حالة على حده - تدل على أن إلغاء الوكالة أو تقييدها يفوت على من صدرت الوكالة لصالحه المنفعة من إبرامها، ولا يكفى استخلاصها من النص في عقد الوكالة على حق الوكيل في البيع للنفس أو الغير، إذ أن هذه العبارة بذاتها لا تقطع بتوافر المصلحة ما لم تساندها أدلة أو قرائن تستنبطها المحكمة من الواقع في الدعوى، ويقع على عاتق الوكيل أو الغير عبء إثبات توافر هذه المصلحة وتقديم الدليل عليها، وتستخلصها المحكمة من الأدلة المطروحة عليها باعتبارها من مسائل الواقع بشرط أن يكون استخلاصها سائغاً.
عدم أحقية الطاعنة في إلغاء التوكيل
لما كان ذلك - وكان البين من الأوراق أن الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي برفض الدعوى، على ما خلص إليه من عدم أحقية الطاعنة في إلغاء التوكيل سند التداعي وعزل الوكيل المطعون ضده الأول دون رضاه لصدور الوكالة منها في صالحه، لأن التوكيل أناط إليه حق البيع للنفس وللغير والتعامل مع الجهات الحكومية وغير الحكومية بخصوص الوحدة السكنية محل النزاع وأباح له توكيل الغير في ذلك، واستناداً من الحكم الى تعليمات الإدارة العامة للبحوث القانونية للشهر العقاري بمنشورها الفني بناءً على فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بعدم جواز إلغاء التوكيلات الخاصة التي تتضمن مصلحة للوكيل أو للغير كحق البيع للنفس أو الغير، وإلى أن الطاعنة بوصفها مقيمة الدعوى مكلفة بإثبات عناصرها وقد وردت خلواً، مما يؤكد ما أوردته بدفاعها من أن الوكالة لم تكن لمصلحة المذكور إنما بغرض تفويضه سعياً في إجراءات البيع لصالحها في حين أن مجرد النص في التوكيل على تلك الحقوق للوكيل لا ينهض بذاته دليلاً على أن الوكالة صادرة لصالحه.
كما أن التعليمات والفتوى المشار إليهما غير ملزمين وحدهما للقاضي بل واجبه التطبيق الصحيح للقانون، ويقع على كل من الوكيل أو الغير عبء إثبات توافر مصلحته وتقديم الدليل عليها، ولم يمثل المطعون ضده آنف الذكر أمام محكمة الموضوع بدرجتيها، وهو ما لا ينبئ عن بحث وتمحيص كافيين لأوراق الدعوى وأدلتها وللإرادة المشتركة لطرفي الوكالة، ولا ينطوي على تعليق سائغ كاف على ما أبدته الطاعنة من دفاع لإنزال الحكم القانوني الصحيح عليه، الأمر الذى يكون معه الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وران عليه القصور، بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.