الجمعة، 22 نوفمبر 2024 05:54 م

"سرى للغاية".. حكاية عبارة مدونة على مظروف للمحكوم عليهم بالإعدام.. خبير يوضح مراحل وإجراءات إحالة أوراق المتهمين لـ"المفتى"

"سرى للغاية".. حكاية عبارة مدونة على مظروف للمحكوم عليهم بالإعدام.. خبير يوضح مراحل وإجراءات إحالة أوراق المتهمين لـ"المفتى" محكمة - أرشيفية
الأربعاء، 15 ديسمبر 2021 09:15 ص
كتب علاء رضوان

تتجه أنظار الشعب المصري برمته، خلال الأيام الحالية إلى منطقة الدراسة بالقاهرة، حيث مقر دار الإفتاء المصرية، لترقب تقرير المفتي الدكتور شوقي علام مفتى الديار المصرية، حول إبداء الرأي الشرعي في أبرز قضيتين شغلتا الرأي العام خلال الفترة الماضية، وهما قضية "مرتكب مذبحة الإسماعيلية" المقرر النطق بالحكم فيها 5 يناير المقبل، وقضية "مرتكب جريمة قاتل سيدة بني مزار مريم موسي وطفلها كاراس".

 

هناك العديد من الإجراءات بشأن ما يعرف بـ"تقرير الرأي الشرعي"، تتمثل فى مظروف مدون عليه من الخارج "سرى للغاية"، بغرض الحفاظ على سرية الإجراءات العادلة، وتبدأ بإحالة أوراق القضية من محكمة الجنايات أو المحكمة المختصة إلى المفتى وحتى عودتها إليها مرة أخرى، فيكون التقرير مصيره مشفوعا بتأييد المفتي لحكم المحكمة أو برفضه.  

 

265624571_425519292610294_7842402078044528461_n

3 مراحل لإحالة أوراق المتهمين لـ"المفتي"

 

"تقرير الرأى" الخاص بملف القضايا يُرفق عقب الانتهاء من إعداده، بظرف مغلق ومختوم، يُسلم لمحكمة الجنايات في سرية تامة، حيث تُحال الأوراق الخاصة بالإعدام للدار تنفيذا للمادة 2/183 من قانون الإجراءات الجنائية، وتحيل محاكم الجنايات أو المحكمة المختصة "العسكرية" هذه القضايا بشكل وجوبي وملزم إلى المفتي وإلا يُعد الحكم باطلا، وبعد إرسال تقرير المفتى إلى المحكمة، تقوم المحكمة بالنطق بالحكم.  

 

في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على مراحل إحالة أوراق المتهمين للمفتي المنصوص عليه حسب المادة 2/183 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تؤكد أن رأي المفتي فى قضايا الإعدام يكون استشارياَ وليس ملزماَ بالنسبة للقاضي الذي يتخذ قراره بمنتهى الحرية على خلفية الرأي الشرعي الذي يصله من دار الإفتاء، إلا أن تلك الاستشارة لا تقلل من أهمية دوره، بل تميل المحكمة دائما إلى الأخذ برأيه، حتى يتضمن التقرير أسانيد شرعية واضحة خاصة بالحكم – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض إسماعيل بركة.  

 

download

الرأي استشاري وليس ملزما.. والمحكمة لم تلتفت لرأى المفتي في هذه الواقعة

 

في البداية -  رأي المفتي يكون استشارياَ فقط في الحكم بالإعدام، بمعنى أدق لو افترضنا إن المفتي اعترض على الحكم بالإعدام، فالمحكمة ليست ملزمة بأخذ رأيه، وذلك لأن الكلمة الأولى والأخيرة للمحكمة، وسبق وأن حدث هذا الأمر في قضية مقتل بطرس غالي رئيس وزراء مصر عام 1910 التى كان المتهم فيها إبراهيم الورداني، والذي كان صيدليا وعضو في الحزب الوطني والمفتي وقتها اعترض على حكم الإعدام، لكن المحكمة حكمت بالإعدام ولم تلتفت لرأيه – وفقا لـ"بركة".

 

وطبقا للمادة 381 إجراءات جنائية: لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكماً بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها، ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأي مفتي الجمهورية، ويجب إرسال أوراق القضية إليه، فإذا لم يصل رأيه إلى المحكمة خلال العشرة الأيام التالية لإرسال الأوراق إليه حكمت المحكمة في الدعوى، وفي حالة خلو وظيفة المفتي أو غيابه أو قيام مانع لديه، يندب وزير العدل - بقرار منه - من يقوم مقامه، وتسلم أوراق الإحالة، إلى دار الافتاء لدراستها جيدا، وعرض الأدلة التى تحملها ومطابقة كل ما ورد فيها بالنصوص الشرعية ومعايير الفقه الإسلامى على اختلاف آراء الفقهاء، واختيار الرأى الذى يوافق الشريعة وصالح المجتمع – الكلام لـ"بركة". 

494963_0

الحالة الأولى:

 

 

ويرفق تقرير المفتي بملف القضية بعد الانتهاء من إعداده، ويوضع فى ظرف مغلق ومختوم، ويسلم لمحكمة الجنايات فى سرية تامة، ويعد رأى المفتي استشاريا وليس ملزما بالنسبة للقاضي الذي يتخذ قراره بمنتهى الحرية على خلفية الرأي الشرعي الذي يصله من دار الإفتاء، ودائما ما تميل المحكمة إلى الأخذ برأيه، خاصة لو جاء تقريره قائما على أسانيد شرعية واضحة، إلا أن البعض من الممكن أن يتخذ الرأي القائل بأن رأي المفتي غير ملزم فلماذا المحكمة تأخذ رأيه؟ وهنا نؤكد أن القانون ألزم المحكمة قبل توقيع الحكم بالإعدام إنها تأخذ رأي المفتي ولو حدث إن المحكمة خالفت ذلك فالحكم هنا يكون "باطل" حتى لو كان المتهمين على غير دين الإسلام.

 

 

والدستور نص في مادته الثالثة، على أن من على غير دين الإسلام يحتكمون فقط لشرائعهم في أحوالهم الشخصية، أما ما دون ذلك يتم الاحتكام إلى قوانين الدولة المستمدة من الشريعة الإسلامية، وطبقًا لقانون الجنايات فإن المواطنين جميعًا سواء أمام القانون، وتطبق عليهم الإجراءات نفسها دون النظر إلى الديانة، فضلًا عن أن رأي المفتي في تلك القضايا استشاري وليس إلزامي للمحكمة، وقانون الإجراءات الجنائية أقر بحكم الإعدام، ولم يفرق بين المسلم وغير المسلم، وألزم المحكمة باستطلاع رأي المفتي قبل إثبات الحكم بالإعدام، لأن إزهاق الروح البشرية أمر محرم في كل الأديان وبالتالي استطلاع رأي فضيلة المفتي أمر حتمي وفقاً للقانون ورغم كون رأيه استشارياً إلا أن الحكم يكون باطل حال عدم استطلاع رأي مفتي الديار المصرية.

حكم-محكمة_المحامي-علي-محسن-زاده-مكتب-محاماة

الحالة الثانية

 

أما في الحالة الثانية إن لو المفتي اعترض على حكم الإعدام، فالمحكمة ستنظر وجه الاعتراض - وهي غير ملزمة برأيه – وذلك قد يكون سببا في تخفيف الحكم للمؤبد، فالمفتي حتى وإن كان رأيه غير ملزم لكن ينظر هل الأوراق التى أمامه المدان فيها يستحق الإعدام أم لا وفقا للشريعة الإسلامية

 

 

خلاصة 3 مراحل لإحالة لأوراق لدى المفتي

 

 

تتمثل تلك المراحل الثلاثة في التالي: "مرحلة الإحالة، ومرحلة الدراسة والتأصيل الشرعي، وأخيراَ مرحلة التكييف الشرعي والقانوني".

الإعدام-شنقا-أرشيفية-1581357057-0

مرحلة الإحالة 

 

هى المرحلة الأولى خلال تلك المراحل، والتى تتمثل فى قيام دار الإفتاء بفحص القضية المحالة إليها ودراسة الأوراق منذ بدايتها، وذلك قبل النطق بالحكم.

 

مرحلة الدراسة والتأصيل الشرعي

 

مرحلة الدراسة والتأصيل الشرعي وهي المرحلة الثانية من جملة تلك المراحل، حيث تقوم دار الإفتاء بدراسة القضية والالتزام بعرض الواقعة والأدلة حسب ما تحمله أوراق القضية على الأدلة الشرعية المتعلقة بالفقه الإسلامي، وتكييف الواقعة ذاتها بأنها قتل عمد أو غيرها من الجرائم إذا تحققت فيها الأوصاف التي انتهى الفقه الإسلامي إلى تقريرها.

image

مرحلة التكييف الشرعي والقانوني

 

 تعد المرحلة الأخيرة ضمن المراحل، حيث يعاون المفتي هيئة مكونة من ثلاثة من المستشارين من رؤساء محاكم الاستئناف، تكون مهمتها دراسة ملف القضية لبيان ما إذا كان الجُرم الذي اقترفه المدانون يستوجب إنزال عقوبة القصاص حدا أو تعزيرا أو قصاصا أو غير ذلك.

 

المفتى والهيئة المعاونة له فى تلك المرحلة تتمثل مهمتها أيضاَ النظر في سؤال حول هل يستحق المتهم الإعدام أم لا وفقا للنصوص الشرعية، وتهدف هذه المرحلة لطمأنة القاضي إلى مشروعية حكمه، لأن هذه القضايا حساسة ويترتب عليها إزهاق روح، لذلك نصّ المشرع على أن يصدر حكم الإعدام بالإجماع، وذلك على عكس الأحكام الأخرى التي يمكن الاكتفاء فيها برأي الأغلبية فقط.    

265197914_4772922346063488_4457674347602746944_n

سابقة فى دار الإفتاء

 

يشار إلى أنه كانت هناك سابقة قضائية في تلك المسألة في عام 2017 حينما قضت الدائرة الحادية عشر بمحكمة جنايات دمنهور، برئاسة المستشار حسن معوض بمحكمة الرحمانية الابتدائية، بتخفيف الحكم على 4 متهمين من الإعدام إلى المؤبد، على خلفية اتهامهم في إحدى قضايا القتل والترويع، حيث صدر الحكم فى القضية المقيدة برقم 19 لسنة 2016 جنايات كلي وسط دمنهور، حيث جاء تعديل الحكم وتخفيفه جاء بعد استلام المحكمة مذكرة برأي المفتي في القضية بعدم جواز التصديق على حكم الإعدام لأسباب لم يتم الإعلان عنها بعد ذلك، وبالفعل استجابت المحكمة ونزلت بالحكم من الإعدام للمؤبد.  

 

اسماعيل-بركة-المحامي
 
الخبير القانونى والمحامى بالنقض إسماعيل بركة 
 
 

print