تقدم النائب إيهاب رمزي، عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، بمشروع قانون لتعديل بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية، مشيرا إلى أن مبدأ العدالة جزء أصيل من أسس سيادة القانون في الدولة الديمقراطية التي تقوم على حماية الحريات وحقوق الانسان والسلطة التشريعية هي التمثيل الحقيقي للإرادة العامة للشعب عبر دورها الرقابي والتشريعي ومن ثم فاستجابتها لتطلعات الشعب وحل مشاكله هو جوهر العدالة وأساس الدولة الديمقراطية العادلة، وهو ما قامت عليه فلسفة المشروع على حد قوله.
وأضاف النائب في المذكرة الإيضاحية الخاصة بالمشروع أنه انطلاقا من مبدأ ضرورية وإلزامية أن يقوم المشرع المصري بصنع قانون يحكم عملية التقاضي على درجتين في الجنايات، تطبيقا لقواعد الدستور المصري 2014 في المادة 96 منه الذي نص على أنه: ".... وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات...."، يتضح لنا أن الدستور ولأول مرة جعل الأحكام الصادرة في الجنايات استئنافا.
كما نص الدستور في المادة 240 منه على أنه: "تكفل الدولة توفير الإمكانيات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وذلك خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وينظم القانون ذلك."
وتابع النائب:" مر أكثر من سبع سنوات دون تنفيذ الاستحقاق الدستوري، والذي أوشك على انتهاء مدته التقريرية، حيث أن الدستور قد خاطب المشرع منذ 2014، ولم يستجب البرلمان الى هذا الاستحقاق."
وأضاف "رمزي" لقد رأيت أنه يجب على المشرع أن يضمن نصا حاكما للوضع الاجرائي الجديد والذي نص عليه الدستور المصري الجديد بصدد استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، مشيراً إلى أن هذا القانون انطلاقا من مواثيق حقوق الإنسان التي تبنتها الدولة دوما وشملتها نصوص الدستور المصري 2014، والتي تنص علي الحق فى الاستئناف، كمكون أساسي من مكونات المحاكمة العادلة، ووسيلة إجرائية للمحافظة على سيادة القانون كون أن الجنايات أخطر الجرائم والأحكام الصادرة بشأنها تستحق اهتماما أكبر لخطورة العقوبات الصادرة فيها.
وتابع " إن القانون يضمن أن القاضي الذى يعلم أن حكمه سيكون محل بحث ومُعرض للتعديل من محكمة أخرى يبذل حرصاً أكبر وعناية أشد في بحثه للقضية وعند إصداره لحكمه وكذلك اتاحة الفرصة للمحكوم عليه لتدارك ما فاته من أوجه دفاع أمام محكمة الدرجة الأولى"، موضحاً ان القانون صنع لإقامة العدل بين الناس ودور الدولة هو تطبيقه ولذلك فلابد من إقامة التوازن بين حق الدولة في العقاب عن طريق حصولها على دليل الإدانة، وبين حق المتهم في التمسك بأن الأصل في الإنسان البراءة وهو يعنى أن كل إنسان يعد بريئا حتى تثبت إدانته في محاكم عادلة وفرت له فيها وسائل الدفاع عن نفسه.
واستطرد "طالما ان مبدأ الشرعية الجنائية يتطلب خضوع القاعدة القانونية الأدنى للقاعدة القانونية الأعلى سواء من حيث الشكل أو الموضوع، ويعنى هذا أن كل قاعدة يجب أن تصدر مطبقة للقاعدة الأسمى منها وأن تطابق جميع هذه القواعد الدستور بوصفه القانون الأسمى ولذا فقد جاء القانون مطبقا لنصوص الدستور المصري 2015 ".
ونص مشروع القانون على وجود تقاضي على درجتين في الجنايات لإتاحة المجال للمحاكم للنظر في موضوع القضية لأكثر من مرة، على عكس الوضع الإجرائي الحالي والذي يجعل الحكم الصادر من محاكم الجنايات نهائيا وغير قابل للطعن عليه سوى بالنقض، والمعروف أن محكمة النقض محكمة قانون لا موضوع ومن ثم فإنه يضيع على المتقاضين حقهم في أن تنظر المحاكم موضوع الدعوى مرة أخرى ومن هنا نري الزامية وجود هذا التشريع.
وأكد الدكتور إيهاب رمزي أن التقاضي على درجتين ليس بدعة وإنما هو حق مقرر في معظم الدول، موضحاً أن معظم التشريعات العربية فطنت إلى هذه الحقيقة، فنصت على إجازة الطعن بالاستئناف في مواد الجنايات وفى ذات الإطار ولضمان المحاكمة العادلة، أقرت المادة 288 من ذات القانون بحق المحكوم عليه بالطعن بطريق النقض فى الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الجنائية.
وأوضحت المذكرة الإيضاحية، أنه من المسلم به أن الحق في الاستئناف ومبدأ التقاضي على درجتين، وجهين لعملة واحدة، إذ يعنى مبدأ التقاضي على درجتين إتاحة الفرصة للمحكوم عليه بعرض دعواه أو قضيته من جديد أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرته. بمعنى أن الدعوى أو القضية تنظر من محكمتين على التوالي، إذ يكون الحكم الصادر من محكمة أول درجة قابل للطعن عليه بالاستئناف أمام محكمة ثاني درجة أو محكمة استئناف أعلى، ولا يصبح الحكم نهائيا بعد صدوره من محكمة الدرجة الأولى، إلا إذا شاء المحكوم عليه فيه ألا يستأنفه في المواعيد المحددة قانونا لذلك مشيراً الى أن مبدأ التقاضي على درجتين – شأنه في ذلك شأن الحق في الاستئناف – على العديد من الاعتبارات من بينها ما يلى:
اولا: الطعن على الحكم بالنقض هو طعن استثنائي تراقب فيه المحكمة فقط محكمة الموضوع فى صحة تطبيقها للقانون، ولا يجوز لها التعرض الى موضوع الدعوى ومدى تقدير العقوبة، ولا يجوز لها التعرض لأدلة الدعوى، وبالتالي جاء الاحتياج إلى طريق طعن عادى وغير استثنائي لإعادة نظر الدعوى وعلاج ما شابه من اخطاء سواء في تفسير القانون وتكييف الدعوى، أو تقدير العقوبة، وإعادة فحص الأدلة، وتقييم الدليل في الدعوى، ومراقبة سلامة استخلاص الأدلة وفهم المحكمة للدعوى.
ثانيا: أن الحكم كأي عمل بشرى قد يكون غير عادل بسبب خطأ القاضي أو تعسفه، فإذا توافرت إمكانية عرض القضية مرة أخرى على المحكمة غير التي أصدرته، فإنه تتوافر بذلك إمكانية تحقيق العدل وتصويب ما وقعت فيه محكمة أول درجة من خطأ. ولقد أكدت هذا المعنى محكمة النقض المصرية، إذ قضت بأن" المقصود من عرض الدعوى على المحكمة الاستئنافية هو تصحيح ما قد يقع فيه الحكم المستأنف الصادر من محكمة أول درجة من خطأ، فمن حقها بل من واجبها، وقد نقل الموضوع برمته إليها، أن ترجع الأمور إلى نصابها الصحيح وتفصل في موضوع الدعوى بناء على ما تراه هى من واقع أوراقها والأدلة القائمة فيها.
ثالثا: أن القاضي الذي يعلم أن حكمه سيكون محل بحث ومُعرض للتعديل من محكمة أخرى سيبذل حرصاً أكبر وعناية أشد في بحثه للقضية وعند إصداره لحكمه.
رابعا: الاستئناف هدفه الرئيسي هو حماية طرفي التقاضي من الأخطاء التي تقع من المحكمة نتاج سوء الفهم أو عدم التطبيق الصحيح للقانون، ويحمي ايضا من التعسف من جانب بعض المحاكم في استخدام السلطة، والانحراف عن العدالة والحيدة.
خامسا: أن نظام التقاضي على درجتين يحقق عدالة كاملة ويشعر المتقاضي انه استنفذ طرق التقاضي، وشعر بالعدالة الكاملة، تحقيقا لمبدأ "قبل أن تحكم بالعدل لابد أن تشعرني بالعدل"، وأن أفضل نظام لتحقيق العدالة ان يكون التقاضي على درجتين.
سادسا: أن التقاضي على درجتين لا يخل بالعدالة الناجزة، بل انه يحافظ على تطبيق أفضل صورة للعدالة، هذا بالإضافة انه سيقلل من القضايا التي سيتم الطعن عليها بالنقض، وسيخفف العبء على محكمة النقض، لان التقاضي على درجتين سوف يكون مصفاه لكثير من القضايا المعروضة على محكمة النقض، لاسيما وأن نظر الطعن أمام محكمة النقض يمر بإجراءات كثيرة ويصل الى عده اعوام حتي يفصل في الطعن بالنقض، وذلك لتكدس وازدحام الطعون امام محكمة النقض لكثرة الاخطاء القانونية التي شابت الأحكام.
سابعا: لا تكمن أهمية التقاضي على درجتين، في أن محكمة ثاني درجة أعلى من محكمة أول درجة، وإنما تكمن في أنها محكمة أخرى، وهي إذ تنظر القضية للمرة الثانية فإنها تنظرها بعد أن تكون قد بحثت ونوقشت أمام محكمة أول درجة، وهي لهذا يمكنها استكمال ما يكون قد ظهر في تحقيق الدعوى من نقص أو قصور، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف بالتقاضي إلى محكمة ثاني درجة مباشرة.
ومن ناحية أخرى، فإنه إذا كان صحيحا أنه من غير المؤكد أن أحكام محكمة ثاني درجة أعدل من أحكام الدرجة الأولى، إلا أن فرصة تحققها للعدالة دائما أكبر، ففضلا عن أنها تعيد نظر قضية سبق بحثها، فإنها عادة تشكل من قضاة أكثر عددا أو أقدم خبرة في العمل.
ونذكر أيضا القانون الكويتى رقم 17 لسنة 1960 بإصدار قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية. وقانون الإجراءات الجزائية لدولة الإمارات العربية المتحدة، القانون الاتحادي رقم 35 لسنة 1992.