مازالت ردود الأفعال تتوالى حول جرائم حوادث الطرق، خاصة بعد فتح الملف نتيجة مقتل 4 طلاب في الشيخ زايد – رحمهم الله – بسبب الرعونة والسرعة الجنونية على يد نجل رجل أعمال شهير يقود سيارة فارهة خاصة بعد قرار النائب العام المستشار حماده الصاوى بإحالة المتهم "كريم الهوارى"، للمحاكمة الجنائية العاجلة، لاتهامه بإحراز جوهرٍ مخدِّر بقصد التعاطي وتسببه خطأً فى موت أربعة، نتيجة إهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح والأنظمة بتجاوزه السرعة المقررة قانونًا حالَ قيادته سيارته بمنطقة الشيخ زايد تحتَ تأثير مادة مُخدّرة وأخرى مُسكرة، وما ارتبط بالواقعة من جُنحٍ أخرى.
فور الحادث مباشرة – نشر موقع "برلماني" تقريرا بعنوان "أوقفوا نزيف الدم على الأسفلت.. واقعة الشيخ زايد تفتح ملف تعديل الثغرة بقانون العقوبات.. ومطالب بتشريع ليصبح الحبس وجوبيا للحد من حوادث الطرق"، حيث تضمن التقرير مطالبات بتعديل المادة 238 من قانون العقوبات لاسيما فقرتيها الأولى والثانية بأن تكون عقوبة الحبس "وجوبية" وليست "جوازية"، حيث أن عقوبة الحبس فقط "وجوبية" فى الفقرة الثالثة من هذه المادة حال إذا ترتب عن الفعل الخاطئ وفاة أكثر من 3 أشخاص، والسبيل الوحيد للحد من حوادث السيارات هو تعديلا شاملا للمادة 238 من قانون العقوبات، حيث أن المادة غير مناسبة فى ظل متغيرات طرأت على التركيبة المجتمعية من انتشار المخدرات والمسكرات جعلت من قائدى المركبات أشبه بالمغيبين غير عابئين بأرواح الناس.
أول تحرك تشريعى لتعديل المادة 238 عقوبات
وفى تلك الأثناء – تقدم المحامى عمر عبد السلام، بمقترح إلى رئيس مجلس النواب، المستشار الدكتور حنفى جبالى، بتعديل المادة 238، وذلك إعمالاً لحق المواطن وإتاحة الفرصة امامه فى تقديم ما يتراءى له من مقترحات بشأن المسائل العامة وهو ما يعد تطبيقاً حرفياً لنص المادة المادة "138" من الدستور الحالي والتي جرى نصها كالتالي: " لكل مواطن أن يتقدم بمقترحاته المكتوبة إلى مجلس النواب بشأن المسائل العامة، وله أن يقدم إلى المجلس شكاوى يحيلها إلى الوزراء المختصين وعليهم أن يقدموا الإيضاحات الخاصة بها إذا طلب المجلس ذلك ويحاط صاحب الشأن بنتيجتها"، حيث جاء نص المقترح كالتالى:
نص المادة 238 عقوبات
نرجو تعديل نص المادة "238" من قانون العقوبات والتي جاء نصها كالتالي: "من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تجاوز 200 جنيه (أو) بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه (أو) بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته او حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذى نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 7 سنوات إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من 3 أشخاص، فإذا توافر ظرف من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن 10 سنين.
بداية نص المقترح
وبحسب "المقترح": فإنه لا يخـفى على ذى عقل أن الكثير والكثير من النصوص القابعة فى تقنين قانون العقوبات الحالي أصبحت فى أشـد الحاجة لتعديلات، لذا لابد وأن تطالها يد التعديل وهى مواكبة للتغييرات التى طرأت على التركيبة المجتمعية سلباً او ايجاباً وأن كانت فى اغلبها سلباً على سبيل المثال تلاحظ فى الآونة الاخيرة كثرة وتعدد حوادث السيارات - من جرائم القتل الخطأ - التى ترتكب فى الطرق بطريقة لا توافق العقل أو المنطق ترتكب بمنتهى التهور والاستهانة بأرواح الناس ساعد على ذلك وجود نص بالى يعد شريكاً اصيلاً فى ارتكاب مثل هذه الجرائم، مما يتوجب على المشرع معاقبته هو أولاً قبل الفاعل الأصلي ويكون عقاب النص المعوج الفضفاض المرن فى مثل هذه الحالة بتقويمه ويتحقق ذلك بتعديله التعديل الذى يشفى صدور قوم تألموا من جراء وجود نص مرن غير قاطع فى إنزال العقوبة المناسبة على مدار عقود مضت فتح الباب على مصراعيه للبراءة في جرائم قتل لا تقل فداحة عن مثيلاتها في اثارها المترتبة عليها.
3 ملاحظات في غاية الخطورة حول المادة "238"
ووفقا لـ"المقترح": والتعديل المقـترح هو تعديلاً بلا شك يتواكب مع متغيرات ضرورية فرضها واقـع نحـياه جعلت النص الحالي - للمادة 238 عقوبات - قاصراً وعاجزاً عن مسايرتها ً فاشلاً فى ايجاد حلولاً قاطعة أو مساهمة فى الحد من نسبة وقوع الجريمة محل التأثيم، وانطلاقاً من مقولة أنه آمن العقاب اساء الأدب، والمادة محل الاقتراح أو التعديل -238 عقوبات - جعلت قائدي المركبات وغيرهم بمأمن عن العقوبة السالبة لحريتهم، وبقراءة سريعة وتحليلاً للمادة 238 عقوبات - محل الاقتراح - يتبين لنا نقاط أهمها الآتى:
1-تضمنت الفقرة الأولى والثانية من هذه المادة ما مفاده أن عقوبة الحبس جوازية حيث تركت السلطة التقديرية للمحكمة مصدرة الحكم بها أو من عدمه رغم خطورة الجريمة المرتكبة "اي أن عقوبة الحبس جوازية وليست وجوبية وفقا للفقرة الأولى والثانية من نص المادة محل الاقتراح".
2-جاءت المادة محل الاقتراح بتمييز بغيض بين فقراتها الثلاثة - الأولى والثانية - من ناحية و"الفقرة الثالثة" من ناحية أخرى بأن جعلت الحبس وجوبياً فى الفقرة الثالثة منها وابقت عليه كعقوبة جوازية فى فقرتيها الأولى والثانية.
3-عقوبة الحبس وجوبية فقط فى الفقرة الثالثة والاخيرة واشترطت هذه الفقرة لوجوب تطبيق عقوبة الحبس ان ينشأ عن الفعل وفاة أكثر من 3 أشخاص - وليس شخصاً واحداً - وهو تمييزاً بغيضاً يرقى بهذه الفقرة الى مراتب عدم الدستورية للتفرقة الفجة الواضحة بين الأرواح فـقـــد يكون مقتل أو وفاة شخص أشد وطأة على اهليته أكثر من موت عدة اشخاص فقد يكون هذا الشخص هو العائل الوحيد لأسرته، وبفقده فقدت اسرته عائلها الوحيد وهو بلا شك تأثيراً اشد وطأة ووقعا على اسرته عن غيرها من الاسر على سبيل المثال مع فداحة الموت وشدته في كل الأحوال على كل الناس.
العبرة لدى المشرع وفـقـاً للنص الحالي للمادة بالعدد فإن زاد عدد الوفيات (القتلى) من جراء الفعل عن 3 أشخاص تكون العقوبة الحبس اي أن الحبس فى هذه الحالة وجوبياً (عكس الفقرتين الاولى والثانية)، وذلك مردوداً عليه من المشرع الأول والأعظم رب العزة - فى قوله تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعاً "، ولله المثل الأعلى الله سبحانه وهو المشرع الأول لم يفرق بين نفس وأخرى بين شخص وآخر "فى القتل" بل تساوى الأمر لديه سبحانه وتعالى مقتل شخص أو أكثر لم يضع العدد كم معياراً للتمييز بين نفس وأخرى لم يضع لتعدد من ازهقت أرواحهم عقابا او تمييزاً مختلف.
انتشار المخدرات مع انتشار المخدرات والمسكرات
وحـرى بالمشرع الوضعي أن يستقى من الآية الكريمة المعيار الحاكم فى توقيع العقوبة سيما وأن الدستور الحالى نص على أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع والمشرع الوضعي أن التزم هذا الرأي فإنه يكون التزم وصادف صحيح حكم القانون والشرع الذي هو الاساس الذي ينهض عليه التشريع الوضعى، والاستشهاد بالنص القرآنى السابق وما أعظمه من استشهاد حرى بالمشرع الوضعي أن يحذو هذا الحذو فى إنزال العقوبة المناسبة، ومن ثم تقرير وجوبية عقوبة الحبس على مرتكب الجريمة التى تعالجها المادة محل الاقتراح فى كل الأحوال وليس حالة بعينها.
ولا يخفى علينا أنه مع انتشار المخدرات والمسكرات والتوسع في تعاطيها بشكل مخيف ومرعب فى لاسيما بين طوائف معنيون بالمادة محل الاقتراح ومخاطبين بأحكامها بات من الأوجب والأنسب فى الوقت الحالي التدخل التشريعي، ووضع عقوبات حازمة جازمة مؤثرة إيجاباً فى تحقيق الغاية من وراء تطبيق القانون التطبيق الصحيح بما يكفل النجاح فى تحقيق الردع الخاص أولا ومن ثم الردع العام تلك أهم خصيصة تنفرد بها القاعدة القانونية حال تطبيقها التطبيق الصحيح والقول بغير ذلك يجعل من العقوبة حبراً على ورق لاعتياد الناس على عصيان نصها المؤثم باستهانة باتت ملحوظة للقاصي والداني.
نتيجة التقاعس عن إجراء تعديلاً لهذه المادة
والجريمة المؤثمة بنص المادة محل الاقتراح هي من الجرائم غير العمدية وهي جرائم استلزم فيها القانون أن تتجه ارادة الجاني الى السلوك الإجرامي "الفعل" دون النتائج غير المشروعة التي وقعت مثال ذلك: من يسرع بسيارته في طريق مزدحم أو خطر بغية الوصول إلى المطار أو عمله في موعد محدد - وهذا فعل مشروع - ثم يصدم في الطريق شخصاً أو عدة أشخاص فيموت أو يموتوا فهذه ( نتيجة غير مشروعة ) بسبب قيادته المسرعة المتهورة عندها يعد مرتكباً لجريمة القتل غير العمدى ( القتل الخطأ ) والسلوك الخاطئ مهما كان تافهاً يصلح لأن يكون ركناً للجريمة.
والتقاعس عن اجراء تعديلاً لهذه المادة هو بمثابة نكول عن تنفيذ التزام وخروجاً على مصالح وحقوق يحميها القانون ويكفى الاشارة إلى أن حجم الخسائر التي تقدر بالملايين سنوياً ناهيك عن الخسائر الأهم والأعلى والأعظم قدراً وهى خسائر الأرواح التي عظم الدستور من اعلاء قدرها وشأنها وزاد في ذلك قولاً بأن الحق فى الحياة هو من أهم وأعظم الحقوق التي يراعيها الدستور وتسهر عليها التشريعات فى الجرائم العمدية حرى بالمشرع أن يعامل الجرائم غير العمدية بنفس القدر والاهتمام والتشريع والحيطة والرعاية والسهر الذى تحظى به نظيرتها من الجرائم العمدية.
4 نقاط يجب أن تؤخذ في الاعتبار
ويجب علينا جميعا مسئولين ومواطنين أن نقف عند هذه الجريمة البشعة، لأن هذه الجرائم متكررة بشكل يومي يكفى مطالعة مواقع الصحف وغيرها من المواقع ليقف كل منهم على حجم المأساة التى تخلفها هذه الجريمة والعقوبة بالية مطاطية تركت السلطة التقديرية للمحكمة وهو اتجاه محل نقد يوجه للمشرع فى بادىء الأمر "وليس للمحكمة"، واتجاه المشرع اتجاهاً سلبياً منتقد كما اسلفنا القول دون النظر إلى تغييرات طرأت على ثقافة المجتمع والتركيبة السكانية وغيرها من حلول قيم مكان الأخرى، مما ضاعف من حجم وزيادة هذه الجرائم يكفى القول بأن انتشار المخدرات والمسكرات كان لهما مردوداً سلبياً والسبب الأكثر حظاً وتوافراً فى زيادة معدل وقوع هذه الجريمة.
ولا يصح التـعـلل لدى المشرع بأنها جريمة غير عمدية هو حجة داحضة استمرار ترديدها ما هو إلا استمرارا لمزيداً من حصد أرواح الأبرياء ومزيداً من الخسائر المادية التي يتكبدها اقتصاد الدولة تقدر بعشرات الملايين سنوياً هو بلا شك مردوداً سيئاً يجب إيقاظ الهمم لإيجاد ما يقوم بتقليل هذه الظاهرة، وعـلاج ذلك يكون بجعل العقوبة الحبس وجوبية حـيث أن العقوبة المقررة في النص الحالي للمادة محل الاقتراح تفتقر لأهم ميزة من مزايا العقوبة وهى ميزة الإيلام وهو لا يتحقق فى ظل اصرار المشرع على جعل عقوبة الحبس جوازية فى فقرتيها الأولى والثانية مع ضـرورة الأخـذ فى الأعتبار نقاط من الأهمية بمكان وهى:
1-ضرورة وضع الحلول التشريعية لمعالجة زيادة اعداد السيارات الواردة من الخارج حتى لو استلزم الأمر "ايقاف استيرادها لفترة معينة"، لضبط انتشارها وزيادة اعدادها المرعـبة داخل الدولة بدرجة جعلت من الطرق والشوارع والكباري غير قادرة على استيعابها حتى مع الثورة التي تشهدها مصر فى مجال الطرق والكبارى.
2-التوسع فى انتشار منظومة التحليل العشوائي الذي يجرى على قائدي المركبات وغيرهم مع وضع تشريع منضبط نصاً وتطبيقاً حتى يؤتى ثماره المرجوة منه.
3-العمل على استثناء هذه الجريمة من جملة الجرائم التى يقبل المجني عليه فيها التصالح اي تكون الكلمة الاولى والاخيرة فيها للنيابة العامة.
4-ربط إصدار وتجديد التراخيص فى إدارات المرور بإجراء "مسبق" وهو تحليل المخدرات لدى مراكز طبية حكومية معتمدة ومنع اصدارها أو تجديدها لمن يثبت تعاطيهم المخدرات دون الاخلال باتخاذ الاجراءات الجنائية الأخرى ضده.
4 مطالبات في التعديل
وفى الأخير طالب "المقترح" بالعديد من التعديلات المتعلقة بالمادة 238 من قانون العقوبات بعيدا عن أي تعقيدات وتفسيرات فقهية ليس لزومها فى الوقت الحالي، تتمثل فى الآتي:
1-وجوبية عقوبة الحبس فى جميع الأحوال
2-تكون عقوبة الحبس من مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن 5 سنوات إذا نتج عن الفعل وفاة شخص واحد فقط.
3-تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات إذا نتج عن الفعل الخاطئ وفاة أكثر من شخص.
4-تقريرعقوبات تكميلية متمثلة فى:
أ- الغرامة التي لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تجاوز 500 ألف جنيه فى كل الأحوال.
ب- مصادرة السيارة المستخدمة في الفعل الخاطئ فى حالة العود.
ج- سحب رخصة القيادة لمدة مساوية للمدة المحكوم بها على تبدأ هذه المدة فور انتهاء المحكوم عليه من تنفيذ عقوبة الحبس المحكوم بها عليه
د- الغاء رخصة القيادة بشكل نهائي فى حالة العود ويحرم من قيادة المركبات بأنواعها.
المحامى عمر عبد السلام مقدم المقترح