معركة جديدة بشأن "الضبطية القضائية"، ولكن هذه المرة لا تدور رحاها على أرض وزارة العدل فحسب بل امتدت لتصل إلى أروقة مجلس النواب، وهو ما شهدته أمس، الجلسة العامة لمجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، جدلا واسعا حول المادة التي تخول لوزير العدل بالاتفاق مع النقيب سلطة إصدار قرار بتحديد من لهم صفة الضبطية القضائية حال مخالفة أحكام القانون، وذلك بمشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية.
المعركة داخل المجلس احتدمت بين مؤيد ومعارض لمسألة منح "الضبطية القضائية" لنقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، فقد وصل الأمر إلى وصف أحد النواب - محمد راضي أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومي – بأنه سيؤدى إلى تقييد الحريات، وردد قائلا: "لما الكل هيأخذ ضبطية قضائية أمال مين هيتحبس؟"، بينما يرى أخرين إن الضبطية القضائية المقترحة بمشروع القانون هدفها منع حدوث الإسفاف، وذلك في الوقت الذى يعتلى فيه أحيانا مطرب ما أو ممثل خشبة المسرح، ويواصل الأسفاف لعدم امتلاك النقابة قدرة علي التحرك سوي تحرير مخالفة وتوجيه الدعوى للنيابة العامة لمباشرة عملها.
مجلس النواب يرفض الضبطية القضائية من حيث "المبدأ"
وبعد طول مناقشات وسجالات رفض مجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، من حيث المبدأ، بعد استنكار نيابي للمادة التي تخول لوزير العدل بالاتفاق مع النقيب سلطة إصدار قرار بتحديد من لهم صفة الضبطية القضائية حال مخالفة أحكام القانون، ويشار في هذا الصدد، إلي نقطة قانونية هامة حيث أقرت المادة (122) من الدستور في فقرتها الرابعة، أن كل مشروع قانون أو اقتراح بقانون رفضه المجلس، لا يجوز تقديمه ثانية في دور الانعقاد نفسه.
"خناقة" الضبطية القضائية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فمنذ ثورة 30 يونيو 2013، فقد صدرت قرارات وزارية بمنح الضبطية القضائية لبعض الموظفين بالنسبة للجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم، منهم على سبيل المثال لا الحصر منح الضبطية القضائية للعاملين بجهاز حماية المستهلك وقيادات وزارة البترول وموظفي الأمن بالجامعات، وموظفي الصحة والسكان وموظفي الكهرباء ومياة الشرب والصرف الصحى، ومنح صفة الضبطية القضائية للعاملين بالجهاز القومي للاتصالات، ومفتشى الصيدليات، وغيرها من الوظائف، حيث تثير دائما وأبدا مسألة "منح الضبطية القضائية" حالة من الجدل المستمر لعدد كبير من القطاعات مما يمكن الانحراف بها عن الغرض الذي أنشئت من أجله ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد.
كيف أصبحت الضبطية القضائية في يد الجميع؟
وفى الحقيقة التي لا تخفى على أحد - أن "الضبطية القضائية"، تحسن من أداء الواجبات المفروضة عليهم، ويعتبر قرار منح الضبطية القضائية للعاملين بالجهات والهيئات الرقابية جعلهم يحملون "سيف الدولة"، في محاولة جادة لوقف المخالفات اليومية التي قد تؤثر على صحة المواطنين، والحفاظ على الأمن والنظام، فضلاً عن مخالفات وسائل النقل في القاهرة والمحافظات، لكن في الفترات الأخيرة تم التوسع في منح الضبطية القضائية لعدد من جهات موظفي الدولة، فقد جاء ذلك في اطار إصدار وزارة العدل أكثر من قرارا وزارياَ بمنح الضبطية القضائية لبعض المسؤولين بعدة قطاعات ووزارات وهيئات.
26 جهة قضائية مُنحت الضبطية القضائية
الجهات التي لها حق الضبط القضائي في مصر حاليًا، لمن حددهم نص القانون:
1-موظفي الأمن بالجامعات.
2- أعضاء النيابة العامة ومعاونوها.
3- ضباط الشرطة وأمناؤها والمساعدون.
4- رؤساء نقط الشرطة.
5-العمد ومشايخ البلاد ومشايخ الخفراء.
6-نظار ووكلاء محطات السكك الحديدية الحكومية.
7-مديرو وضباط إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية وفروعها بمديريات الأمن.
8-ضباط مصلحة السجون.
9-مديرو الإدارة العامة لشرطة السكك الحديدية والنقل والمواصلات وضباط هذه الإدارة.
10- مفتشو وزارة السياحة.
11-مفتشو وزارة الأوقاف.
12-قيادات وزارة البترول.
13-مفتشو التموين.
14- العاملون بجهاز حماية المستهلك.
15-ضباط القوات المسلحة.
16-العاملون بهيئة الرقابة المالية.
17-مهندسو الري.
18-الأعضاء الفنيون بالجهاز المركزي للمحاسبات.
19-عاملون بالهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.
20المفتشون البيطريون.
21-موظفو الإدارة المحلية.
22-مهندسو التخطيط والتنظيم بمناطق محافظة القاهرة.
23-موظفو شركة المياه.
24-العاملين بالوزارات.
25-موظفي الجمارك.
26-موظفي وزارة الصحة.
مخاطر التوسع في منح الضبطية القضائية
وقبل الخوض في مسألة مخاطر التوسع في منح الضبطية القضائية، يجب في بادئ الأمر إبداء بعض الملاحظات بشأن المقصود بالضبطية القضائية وسلطاتها، لأن بعض من يعارضون منح صفة الضبطية القضائية ينطلقون فى الغالب من سوء فهم لحقيقة الضبطية القضائية أو من المبالغة فى قدر السلطات الممنوحة لمأموري الضبط، حيث تمارس الدولة في مواجهة الجرائم مهمتين: الأولى وقائية هدفها منع وقوع الجرائم عن طريق ضبط الأمن والنظام في المجتمع، ويطلق على هذه المهمة الضبطية الإدارية، ويتولاها رجال الشرطة، ووسائلهم في ذلك الدوريات الأمنية وحراسة المنشآت والتحقق من شخصية الأفراد…الخ.
أما المهمة الثانية تبدأ عندما تقع الجرائم، فعلى الدولة الكشف عن هذه الجرائم ومرتكبيها، وإجراء التحريات وجمع الاستدلالات اللازمة للتحقيق الجنائي الذي يتولاه قاضى التحقيق أو النيابة العامة، ويطلق على هذه المهمة الضبطية القضائية، ويتولاها أشخاص يطلق عليهم "مأمورو الضبط القضائي"، وهم الموظفون المكلفون قانونا بإجراءات التحري عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات، ويتمتع هؤلاء في ممارستهم لمهمتهم هذه بصفة "الضبطية القضائية"، فقد نصت على مهمة هؤلاء الموظفين المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية بقولها: "يقوم مأمورو الضبط القضائى بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى".
دور مأمور الضبط القضائى فى مباشرة التحقيق
وتتمثل مهمة من منح حق الضبطية القضائية تلقى البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق في الدعوى الجنائية، ولهم في سبيل ذلك دخول المحال العامة في أحوال معينة لكشف الجرائم، وايقاف السيارات العامة وسيارات الاجرة وتفتيشها، واجراء التحريات وجمع الايضاحات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التي تبلغ إليهم أو التى يعلمون بها بأي كيفية، ومنح قانون الاجراءات الجنائية رجال الضبطية القضائية سلطات عدة، تشمل سماع أقوال من يكون لديه معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها، سواء كان هو المتهم أو الشهود، ولهم كذلك ندب الخبراء إذا احتاج الأمر الى رأى فني في ظروف الحادث، ولمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات والجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على 3 أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، ولمأمور الضبط دخول الاماكن الخاصة في أحوال محددة طبقا للمادة 45 إجراءات جنائية، ويجب على مأمور الضبط القضائي أن يثبت الإجراءات التي قام بها في محضر موقع عليه منه ومن الشهود والخبراء الذين سمعوا.
وقد حددت المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية، أن مأموري الضبط القضائي ينقسمون إلى طائفتين: الاولى هي طائفة مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص النوعي العام، أي الذي يشمل كافة الجرائم، والثانية هي طائفة مأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص النوعي الخاص، أي المحدد بجرائم معينة وردت في القانون على سبيل الحصر، والتوسع الحاصل حاليا في منح الضبطية القضائية إنما يتصل بمأموري الضبط القضائي ذوي الاختصاص النوعي الخاص، حيث نصت المادة 23 فقرة ثالثة من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "يجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم".
تاريخ الضبطية القضائية من الناحية القانونية
وكان قانون الاجراءات الجنائية عند صدوره سنة 1950 قد أناط بالمشرع وحده صلاحية منح صفة الضبطية القضائية بقانون يصدره لهذا الغرض، لكن نص المادة 23 المذكور أعلاه عدل بالقانون رقم 37 لسنة 1957 ليجعل منح الضبطية القضائية الخاصة بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص، كما نصت الفقرة الأخيرة من المادة 23 على اعتبار النصوص الواردة في القوانين والمراسيم والقرارات الاخرى بشأن تخويل بعض الموظفين اختصاص مأموري الضبط القضائي بمثابة قرارات صادرة من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص، فيجوز له تعديلها بقرار إداري على الرغم من ورودها في قوانين، هذا وقد انتقد بعض الفقه هذا التعديل للمادة 23 الذي سلب اختصاص البرلمان لصالح وزير العدل ممثل السلطة التنفيذية في مسألة تتعلق بحريات المواطنين، ورأى البعض الآخر أن التعديل أريد منه تبسيط إجراءات منح صفة الضبطية القضائية بقرار من وزير العدل على أساس أن ذلك من قبيل التفويض التشريعي.
التوسع في منح صفة الضبطية القضائية
قد يكون منح الضبطية القضائية لبعض الموظفين أمرا لازما لتمكينهم من حسن أداء الواجبات المفروضة عليهم، وهذا أمر لا مأخذ عليه، بينما التوسع فى منح صفة الضبطية القضائية دونما ضرورة واضحة هو الذي يثير القلق لدى المواطنين ورجال القانون والحقوقيين، وبعد ثورة 30 يونيو 2013، حدث توسع فى منح صفة الضبطية القضائية، وفى السنوات الماضية منح وزير العدل صفة الضبطية القضائية للعاملين بعدة جهات وأجهزة ووزارات، كما تقدمت جهات أخرى بطلبات للحصول على صفة الضبطية القضائية، مثل العاملون فى دار الكتب والوثائق القومية، وهو ما يؤدى إلى انتشار عدوى المطالبة بالحصول على حق الضبطية القضائية من موظفين فى قطاعات مختلفة من الدولة، بعضها ليس بحاجة إلى الحصول على هذه الصفة سوى لضرورات الوجاهة الاجتماعية، وقد ينتج عن المبالغة فى منح صفة الضبطية القضائية الانحراف بها عن الغاية المستهدفة من تقرير القانون لها.
وتتعاظم مخاطر الإسراف فى منح الضبطية القضائية فى ظل السلطات التى تخولها هذه الصفة لمن يتمتع بها، فله سلطة القبض فى أحوال معينة، وتحرير محاضر رسمية تكون حجة في إثبات ما ورد بها، وله سماع أقوال المتهم والشهود، وقد يرى بعض المتخصصين إن مأمورى الضبط القضائى يخضعون للرقابة والمساءلة، فهم يتبعون النائب العام ويخضعون لإشرافه فيما يتعلق بأعمال وظائفهم، وللنائب العام أن يطلب إلى الجهة المختصة النظر فى أمر كل من تقع منه مخالفات لواجباته الوظيفية أو تقصير فى عمله، وله أن يطلب رفع الدعوى التأديبية عليه، دون إخلال برفع الدعوى الجنائية طبقا للمادة 22 إجراءات جنائية
كما يشير البعض إلى أن وزارة العدل لا تمنح الضبطية القضائية بشكل عشوائي، لكنها تمنحها لمن يستحقها من أجهزة الدولة لإنجاز العمل بشكل جيد، وأن الظروف التى تمر بها البلاد تجعل من الضرورى الحصول على الضبطية القضائية للحد من الفوضى والانفلات في قطاعات مختلفة، يعمل فيها البعض على تعويق أجهزة الدولة عن أداء وظائفها والوفاء بحاجات الناس وتحقيق مصالحهم.
مشروع الضبطية القضائية للمهن الموسيقية والتمثيلية
من جانبه، يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض هانى صبرى،إأن مشروع القانون الضبطية القضائية للنقابات المهنية في مصلحة الفن والفنانين، لأن الفن يمثل وجدان المجتمع، وبالتالي تفعيل الضبطية القضائية يستهدف حماية الفن من الدخلاء عليه، وسيعطي فرص للفنانين الحقيقيين للعمل، ويضع ضوابط لسوق العمل وتنمية موارد النقابات، وتمنح الضبطية القضائية النقابة محاسبة كل من يخالف أو يتجاوز أو يخطئ في قوانين النقابة، بالتأكيد النقابات الفنية ليست ضد الموهبة والإبداع ولكن بالطرق الصحيحة والقانونية، أي نقابة تحمي أعضاءها وتحمي حقوقهم وتحمي وجودهم في أماكن عملهم.
وبحسب "صبرى" في تصريح لـ"برلماني" - والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هل العاملين هم أعضاء نقابة أم لا؟، ولو هم غير أعضاء نقابة هل لهم عقود؟ لأن من حقهم أن يكون لهم عقود ويدفع غير العضو رسما نسبيا زيادة عن العضو العامل بمعنى أدق النقابة استفادت ولم تتضرر، حيث أن الفن مفتوح للكل وفق ضوابط محددة، وفي تقديري مشروع هذا القانون خطوة جيدة لضبط العملية الفنية لمنع الدخلاء على الفن سواء في مجال التمثيل في السينما الدراما أو المسرح أو الوسط الغنائي لكن بشرط تنفيذها في آليات وقوانين ومعايير محددة واضحة للجميع تحفظ حقوق أعضائها وتمنع أيضا من تغول مجالس النقابات علي حقوقهم وتساعد علي الإبداع.
تاريخ الضبطية القضائية في نقابة الموسيقيين
وتجدر الإشارة أن وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند كان قد وافق في نوفمبر 2015، على منح نقابة المهن الموسيقية صفة الضبطية القضائية، وكان ذلك خلال اجتماعه مع الفنان هاني شاكر نقيب الموسيقيين، وفي أبريل 2016 ألغت محكمة القضاء الإداري، قرار وزير العدل بمنح بعض أعضاء نقابة المهن الموسيقية صفة الضبطية القضائية بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لقانون نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، وصدر الحكم برئاسة المستشار أحمد الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة.
وكانت النقابات قد رفضت سحب صفة الضبطية القضائية من نقباء النقابات المهنية والفنية محذرة من أن ذلك سيغل يد النقابات، وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون نص على تغريم 20 ألف جنيه لمن يعمل دون تصريح بفنون المسرح والسينما ونص القانون على أنه يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه كل من خالف ذلك وتضاعف الغرامة في حالة العودة.