آثار الفيديو المعروف إعلامياً بفيديو "معلمة المنصورة" جدلًا واسعا في الشارع المصري، بعد تداوله بشكل كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهر الفيديو رقص للمعلمين على متن مركب نيلي، ومن ضمن المعلمين في الفيديو، معلمة تم تكريمها من قبل نقابة المعلمين، وحصلت على لقب المدرسة المثالية، والتي صرحت أنها صورت دون علمها.
وانقسمت آراء رواد مواقع التواصل حول أحقية وزارة التربية والتعليم فى إيقاف المعلمين وفرض عقوبة عليهم بسبب الفيديو واعتبر المؤيدون أن الواقعة خارج نطاق العمل أو المدرسة وبالتالى لا يحق للوزارة محاسبتهم، بينما رأى آخرين أن المعلم يجب أن يحافظ على مظهره وأخلاقه في أي مكان يتواجد فيه، حتى وصل الأمر إلى تضامن إحدى الوكيلات، بإحدى المدارس مع معلمة المنصورة حيث نشرت صورا لها، وهي ترقص خلال حفل زفاف ابنتها، الذي أقيم قبل عامين.
في التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها مدى جواز تصوير الأشخاص في الأماكن العامة مثل المطاعم والمستشفيات والاستاد ودور السينما، وما هي عقوبة تصوير شخص بدون إذنه؟ وكذا مدى جواز تصوير الضحايا والمجني عليهم في الوقائع ونشر صورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي – فيس بوك وتويتر – وهل تصدى القانون لمثل هذه الوقائع التي من شأنها الإضرار بسمعة الأسر والأهالي فضلا عن الأشخاص.
مدى جواز تصوير الأشخاص في الأماكن العامة
في البداية – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض عبد الرحمن عبد البارى الشريف، اختلفت آراء أساتذة القانون حول مدى جواز التصوير في الأماكن العامة مثل المطاعم والمستشفيات والاستاد، وذلك في الوقت الذى كفل القانون والدستور حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وجرم التعدي عليها، استنادا علي الشريعة الإسلامية التي حرم الله بها التجسس علي الأشخاص أو التعدي علي شأن من شؤونهم سواء أن كانوا أشخاص عادية أو ذو مناصب، فالقانون نص علي عقوبات متعددة لتسجيل المكالمات والتقاط الصور والفيديوهات لأشخاص دون علمهم، لأن للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا يجب المساس بها وأشار لذلك الدستور والقانون، حيث يرى بعض الفقهاء إن المتهم الحقيقي فيديو رقص المعلمين هو مصور الواقعة، في حالة تصويرهم دون علمهم ورغم عن إرادتهم، حيث أن العقوبة في القانون تنص على الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، حيث أنها تعتبر جريمة اعتداء على الحياة الخاصة، وهذا وفقًا للمادة رقم "25" من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
أولا: الدستور المصري
وبحسب "الشريف" في تصريح لـ"برلماني": نصت المادة 57 من الدستور علي: "أن للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك".
ثانيا: قانون تقنية المعلومات
ووفقا لـ"الشريف": نصت المادة "25": الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الاسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياه الخاصة أو ارسل بكثافة العديد من الرسائل الاليكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع الكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو اخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة".
هل هناك ظرف مشدد بالجريمة؟
نعم - حيث نصت المادة "34": إذا وقعت أى جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون بغرض الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الاضرار بالأمن القومي للبلاد أو بمركزها الاقتصادي أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل احكام الدستور أو القوانين أو اللوائح أو الاضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي تكون العقوبة السجن المشدد.
ثالثا: قانون العقوبات
قانون العقوبات كفل أيضا حرمة الحياة الخاصة، حيث نصت المادة 309 مكرر من قانون العقوبات علي: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بان ارتكب أحد الافعال الاتية فى غير الاحوال المصرح بها قانونا او بغير رضاء المجني عليه".
واستعرض الحالات التي نص عليها قانون العقوبات كالتالي:
1-أشرف السمع أو سجل او نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص او عن طريق التليفون.
2-التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.
وتلك الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين في حال صدورها في اجتماع على سمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فان رضاء هؤلاء يكون مفترضا، ويعاقب بالحبس الموظف العام الذى يرتكب احد الافعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته، و في جميع الأحوال يحكم بمصادرة الاجهزة وغيرها، مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عليه، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو اعدامها.
ونصت المادة 309 مكرر "أ " نصت علي: يعاقب بالحبس كل من اذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلا او مستندات متحصلا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن، كما يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على 5 سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار اليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه.
رابعا: قانون الصحافة والإعلام
هناك بعض القيود على الصحافة في وسائل النشر أو البث، جرم أيضا التعرض للحياة الخاصة.
ونظم قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المعدل، على مواد جرمت ذلك، في نص المادة 20: "يحظر في أية وسيلة من وسائل النشر أو البث، التعرض للحياة الخاصة للمواطنين أو المشتغلين بالعمل العام، أو ذوي الصفة النيابية العامة، أو المكلفين بخدمة عامة، إلا فيما هو وثيق الصلة بأعمالهم وأن يكون التعرض مستهدفا المصلحة العامة".
ونصت المادة (21) علي: مع مراعاة القرارات الصادرة وفقًا للقانون بحظر النشر فى القضايا، يحظر على الصحفي أو الإعلامي، تناول ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة على نحو يؤثر على مراكز من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة، ويحظر على الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية نشر أو بث أى من ذلك، وتلتزم الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية بنشر وبث قرارات النيابة، ومنطوق الأحكام التي تصدر فى القضايا التي تناولتها أثناء التحقيق أو المحاكمة، وموجز واف للأسباب التي تقام عليها.
اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الصحافة والإعلام
وقالت اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر بالقانون رقم 180 لسنة 2018، إنه لا يجوز إجراء أي تسجيل أو تصوير أو لقاءات في الأماكن العامة بهدف عرضها على الوسيلة الإعلامية الا بعد استخراج التصريح اللازم لذلك من المجلس الأعلى ويحدد المجلس ضوابط وإجراءات وشروط منح التصريح ومدته.
كما شددت اللائحة التنفيذية على أنه لا يجوز تقديم خدمة نقل المحتوى مسجلا أو مباشرا من داخل جمهورية مصر العربية الى وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني يعمل من خارج الجمهورية الا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس الأعلى ووفقا للقواعد و الشروط التي يضعها وأنه في جميع الأحوال لا يجوز تقديم الخدمة الا داخل المناطق الإعلامية المعتمدة من المجلس الأعلى و يستثنى من ذلك من يصرح له من المجلس الأعلى كتابة بتقديم الخدمة خارج المناطق الإعلامية المعتمدة شريطة أن يكون للشركة أو المكتب استوديو يباشر منه أعماله داخل الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي .
ونوهت اللائحة التنفيذية الى أنه مع عدم الإخلال بتراخيص وتصاريح الأجهزة والمعدات التي يصدرها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات لا يجوز استيراد أو إنتاج أو تصنيع أو تجميع أو عرض بقصد البيع أو التأجير أو التسويق بأية صورة داخل جمهورية مصر العربية لكافة أجهزة البث أو فك الشفرة الخاصة باستقبال البث المسموع أو المرئي الا بعد الحصول على موافقة كتابية من المجلس الأعلى.
التصوير في مكان عام جائز
وفى سياق أخر – يقول محمود البدوي المحامي بالنقض والخبير القانوني، رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، يجب أن نؤكد أن التقاط صورة في مكان عام لا جريمة فيه حيث أن المادة 309 مكرر من قانون العقوبات تجرم التقاط صورة لشخص فى مكان خاص فقط، وبمفهوم المخالفة للنص يتضح أنه لا عقاب للتصوير في مكان عام، وفى مثل هذه الإشكالية يجب الإجابة على السؤال هل المطعم أو الاستاد أو المستشفى أو غيرها من الأماكن هل هي أماكن عامة أم لا حيث أن القانون لم يحدد الأماكن العامة وعرف الفقهاء بأن المكان يكون عاما فى ثلاث صور الأولى أن يكون عاما بطبيعته مثل الطريق العام أو عاما بالتخصيص مثل المساجد والكنائس وهى أماكن عامة تقفل فى بعض الأوقات أبوابها أمام المواطنين وأخيراً مكاناً عاماً بالمصادفة كالمطاعم والمحال التجارية.
وفى تصوري الشخصى – بحسب "البدوى" في تصريح خاص - فإن التقدير النهائي لكون المكان عام أو خاص يخضع لقرار القاضي فإن المطعم أو المستشفى مكان عام يسمح فيه بالتقاط الصور دون أخذ إذن، كما إن تصوير الضحايا من جانب أى شخص يعتبر جريمة يجب معاقبته عليها، ولا يجوز قانوناً ولا شرعاً ولا أخلاقياً، وتعتبر جزءاً من انهيار الأخلاق فى المجتمع المصرى، وأنها من الجرائم المستجدة على المجتمع خاصة بعد انتشار الموبايلات وبعض التقنيات الحديثة مشيرا إلى أن التصوير يعتبر من أدوات النشر، حيث إن القائم بالتصوير يعاقب بالعديد من القوانين منها السب والقذف وهتك العرض والتعرض للأذى، كما أن القانون لا يفرق بين ما إذا كان الضحية ميتاً أو حيًا فالعقوبة واحدة، وحتى حامل هذه الصور أو الفيديوهات تتم معاقبته لما لذلك من امتهان لكرامة الميت أو المصاب.
لا يزيد عقاب المعلمين عن لفت النظر
ووصف القائم بالتصوير بـ"المجرم القائم بشىء غير محترم" لما يقوم به من اعتداء على الخصوصية ومطالبة بمعرفته ومحاكمته حيث إنه إذا حدث تعارض بين حرمة الميت وأى اعتبارات أخرى فلابد من اختيار حرمة الموتى لما لها من قدر وقدسية، فليس من حق أحد أن ينشر صوراً لأى شخص إلا بعد الرجوع لإذنه سواء كان الشخص سليماً أو مصاباً أو متوفياً، وأن يراعى استخدامها فى الغرض الذى تم إبلاغه به أنه فى حالة غياب الوعى أو الوفاة لابد من أخذ موافقة من محاميه أو أقاربه أو من يمثله قانوناً، مختتماَ حديثه: "إن التصوير دون إذن لا يشترط أن يكون مسيئا ليصبح مخالفا، حيث أنه يحق للأشخاص الذين يظهرون في المقاطع المصورة خلال تغطية المشاهير تقديم شكوى إذا أظهرهم دون إذنهم، حتى ولو كان ذلك بشكل عابر وسريع" – الكلام لـ"البدوى".
وأشار إلى أن المعلمين الظاهرين في الفيديو لا يقع عليهم أي عقاب قانوني، إلا إحالتهم للتحقيق الإداري والتي تنتهي بلفت النظر، وأن الواقعة لم تكن في مواعيد العمل الرسمية ولا يتعلق الأمر بوظيفتها، لافتًا إلى أن هناك جزاء إداري فقط من جهة الإدارة لأنهم يحطون من قدر وشأنهم الوظيفي والمهني، إذ إن المعلم قدوة للطلبه وتلاميذه.