لم يكد يمر أسبوعان على إقرار البرلمان الفرنسى لقانون شهادة التطعيم، والذى يفرض قيود صارمة على دخول الأماكن العامة والمطاعم والسينمات والمواصلات، ويُعرض المتخلفين عن تلقى اللقاحات إلى عقوبات قاسية، إلا وانتفض الفرنسيون ضد القانون رافضين الخضوع له.
وبدأ الفرنسيون أولى مراحل تمردهم ضد القانون بالخروج فى مظاهرات فى باريس ومدن فرنسية أخرى احتجاجات رافضة لقانون شهادة اللقاح دعت إليها حركة السترات الصفراء وأحزابٌ يمينية ويسارية ونقابات.
ثم تحولت المواجهة إلى مرحلة جديدة بين السلطات الفرنسية والأشخاص الرافضين لتلقي اللقاح المضاد لفيروس وكورونا والمعارضين للشهادة الصحية التي تحولت لشهادة التطعيم بموجب قانون تم التصويت عليه مؤخرا، أثارت ذعر المسئولين.
فبعد أن كان هؤلاء يعارضون اللقاح، باتوا اليوم يفضلون الإصابة بعدوى الوباء بشكل مقصود للحصول على شهادة التطعيم والإفلات من اللقاح، وانضمت إليهم فئة أخرى هم الأشخاص الذين سبق أن تلقوا جرعتين ويرفضون تلقي الجرعة الثالثة المعززة من اللقاح.
وتمضي السلطات الفرنسية في استراتيجيتها الصارمة والتي تقضي بتشديد القيود والضغوط لتسريع وتكثيف وتيرة التطعيم ضد الوباء للأشخاص غير الملقحين، وأولئك الذين لم يتلقوا بعد الجرعة الثالثة.
فبعد بدء العمل بـ"الشهادة الصحية" منذ 21 يوليو 2021، وكان بموجبها محظورا على الأشخاص غير الملحقين أو الذين لا يثبتون تعافيهم من الفيروس أو يبرزون فحصا سلبيا، دخول العديد من المرافق العامة، دخلت "شهادة التطعيم" حيز التنفيذ لتعوض "الشهادة الصحية"، بعد أن أقرها البرلمان بغرفتيه، مجلس الشيوخ في 13 يناير، والجمعية الوطنية في 16 منه، وأيضا المجلس الدستوري في 21 من الشهر الجاري، بعد إدخاله تعديلات طفيفة وسط ضغط كبير من المعارضة.
وبموجب الإجراء الجديد، بات دخول المرافق العامة باستثناء التجمعات السياسية والمراكز الصحية مثل المستشفيات، محظورا تماما على الأشخاص غير الملحقين بشكل كامل، عدا حالات استثنائية محددة منها الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى ولديهم شهادة شفاء من الوباء.
ومع تشديد الإجراءات الصحية، وظهور هذه الشريحة من الأشخاص الساعين عمدا إلى التقاط العدوى أملا في الحصول على "مناعة طبيعية" على حد قول البعض، ومن جهة أخرى الحصول على "شهادة التطعيم" بالنسبة لغيرهم، حذر أطباء من مغبة الإقدام على الإصابة بالوباء بشكل مقصود.
ونقلت فرانس 24 عن مارينا كاريار دانكوس المذيعة والطبيبة الفرنسية إن "المناعة التي يمنحنا إياها اللقاح تنخفض مع مرور الوقت، ولهذا السبب تم وضع جرعات معززة. لكننا في المقابل، لا نعلم الكثير عن المناعة الطبيعية التي يكتسبها الجسم بعد الإصابة بالفيروس"، مضيفة: "عندما نقول إن سلالة أوميكرون تبدو أقل خطورة من سابقاتها، هذا لا يعني أنها غير مميتة. هناك مغنية تشيكية أصيبت بالعدوى عمدا وتوفيت بالأوميكرون".
ونقلت فرانس إنفو بعض شهادات الذين مروا بتجربة الاصابة عن عمد للإلتفاف على القانون، وقالت فتاة فرنسية غير ملقحة "أصبت بالكوفيد عمدا لأن أهلي يرفضون اللقاح. عانيت من أعراض الفيروس مدة أسبوع ونصف، لكنني في غاية السعادة لأنني حصلت على شهادة التطعيم".
وأضافت الشابة التي تدرس بالثانوية وتبلغ 17 عاما: "صديق لنا كان لديه أعراض (الإصابة بفيروس كورونا) وأجرى الفحوص. قمنا بالمكوث بقربه بدون ارتداء الكمامات بهدف الإصابة بالعدوى والحصول على الشهادة لستة أشهر والخروج مع الأصدقاء والتمتع بالحياة الحقيقية" على حد قولها.
وفى فرنسا تكفي شهادة التعافي من فيروس كورونا للحصول على شهادة التطعيم الصالحة لمدة ستة أشهر.
ومن شهادات الفرنسيين، قال شاب فرنسي سبق أنه تلقى جرعتين من اللقاح المضاد لوباء كوفيد-19، لكنه يطمح للإصابة بالعدوى بشكل متعمد: يجبروننا على أخذ الجرعات المعززة الإضافية شيئا فشيئا، آمل أن أصاب بطريقة طبيعية من دون أن أقوم بلمس أو تقبيل أصدقائي. الوقت كفيل بالقيام بكل شيء".
كما رصد موقع Actu.fr آراء عدد من الفرنسيين الذين يرفضون تلقي التلقيح، ويفكرون في الإصابة بالعدوى عمدا، حيث قال بونوا 42 عاما من غير الملقحين : "أنا لا أخشى الكوفيد، بالمقابل أخاف من اللقاح. للتهرب من الاستبداد المفرط للحكومة، فإن الإصابة بالكوفيد للحصول على شهادة التطعيم هو الحل الوحيد الذي وجدته أنا وزوجتي، ولو أنه غباء".
وتابع بونوا الذي يقطن في إقليم واز (شمال) وسبق أن التقط وباء كوفيد-19 في أكتوبر 2020، أنه أصيب "بمرض كوفيد الطويل الأمد ولا يزال يعاني من فقدان حاستي الطعم والشم"، لكن الإصابة بالفيروس مجددا لا تخيفه، مضيفا: "إن كان هذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه، علما بأنني لم أواجه مضاعفات بسبب الكوفيد، لا يزعجني أن أصاب به مجددا".
وأردف نفس المتحدث وهو يعمل كسائق لقطارات الشحن: "أنا مجبر على قطع مسافات طويلة جدا في قطارات "تي أو أر" (قطارات النقل الإقليمي السريع)، أو القيام بترتيبات مع أصدقائي للتنقل على متن قطارات نقل البضائع، بعد نهاية دوامي، هذا الوضع لن يسهل علي حياتي طبعا. لكن حتى وإن بقيت شهادة التطعيم سارية المفعول، سأرفض اللقاح إلى النهاية".
وبعد أن أدركت السلطات خطورة هذه الظاهرة الجديدة، ناشد وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران مواطنيه الابتعاد عن الإصابة المتعمدة بالفيروس، واتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع إصابتهم بمحتور أوميكرون وغيره من سلالات فيروس كورونا.
وبحسب آخر أرقام نشرتها وزارة الصحة في 24 يناير، وتتعلق بعدد الأشخاص الملحقين في البلاد، فإن 78,2% من السكان تلقوا اللقاح بشكل كامل، فيما لا يزال 19,8% من السكان غير ملقحين.