تواجه الأسرة في واقعنا المعاصر مشكلات وتحديات عديدة أفرزتها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتحول التكنولوجي الهائل، وتهدد هذه المشكلات الآن مكانة الأسرة التي ظلت راسخة عبر قرون طويلة من الزمان، وقد نتج عن ذلك الآن على نطاق واسع من انحراف وجرائم الكبار والصغار وعزلة المسنين وتشرد المعاقين، وانتشار ما يعرف بالأسرة الفردية التي يمثلها فرد واحد "أرملة، مطلقة، مسن، عاجز"، وقد أدى هذا بالطبع وغيره إلى تغيير النظرة إلى الأسرة من حيث الوظائف التي تمارسها أو من حيث العلاقات بين أفرادها.
وتعاني الأسرة العربية مجموعة من التحديات والظروف الاقتصادية والاجتماعية بدأً من تكوينها بالرغم من الاهتمام الكبير بها من قبل كل الديانات السماوية والأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولقد تناول القرآن الكريم الزواج والأسرة في مجموعة كبيرة من الآيات، كما تناولت السيرة النبوية الأسرة بمجموعة من الأحاديث وحثت على أهمية الزواج وتكوين الأسرة وتربية الأولاد، مما يساعد على استقرارها، والأصل في الزواج عدم الطلاق ويبقى الطلاق تشريعاً استثنائياً وحلاً لحالات خاصة جداً فليس انتقاماً ولا تشفياً ولا إظهاراً للرجولة ولا هروباً من مواجهة المسؤولية.
مأساة أحدهما.. أثر وفاة أحد الزوجين أثناء نظر دعوى الطلاق؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على حزمة من الأسئلة، وذلك في الوقت الذي تتعدد فيه حالات ومسائل الطلاق مع تعدد الأزمات بين الزوجين، ما يؤدى معه إلى ظهور مسائل خلافية نادرة الوقوع أو الحدوث، حيث يثور التساؤل عن حكم القانون حال وفاة أحد الزوجين أثناء نظر دعوى الطلاق؟ وهل يقضى بانقطاع سير الخصومة؟ أم يجوز إدخال ورثة المتوفى والقضاء بحكم قطعي في الخصومة؟ وهل ترث الزوجة في زوجها المتوفى عنها أثناء نظر الدعوى؟ وهل يختلف الحكم لو تحصلت الزوجة على حكماً بالطلاق وتوفى زوجها أثناء نظر استئنافه؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامي المتخصص في الشأن الأسرى مختار عادل.
1-حالة وفاة الزوج أثناء نظر الدعوى
في البداية – يجب أن نعلم أن أمر الطلاق بيد الزوج ما لم يفوض زوجته في إيقاعه، وإذا تعسف الزوج في استعمال حقه يحل القاضي محل إرادته في إيقاع الطلاق في الأحوال التي نصت عليها قوانين الأحوال الشخصية، وهذا مرهون بوجود الزوج على قيد الحياة، فإذا توفى الزوج لا يمكن القول بحلول كلمة القاضي محل إرادة الزوج في إيقاع الطلاق - ما عدا حالة المفقود المقررة بالقانون - لأن الطلاق هو حق شخصي للزوج ائتمنه عليه الشرع، كما أن الرجعة حق للزوج امتثالا لقوله تعالى: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك"، شريطة وقوع الرجعة خلال عدة المطلقة والتي ائتمنها الشرع عليها بيمينها عند الاختلاف حول انقضائها من عدمه، فإذا كان القاضي لا يملك إيقاع الطلاق على زوجة المتوفى، فكذلك لا يملك حق مراجعة مطلقة المتوفى – وفقا لـ"عادل".
-انقطاع سير الخصومة
بوفاة الزوج ينقطع سير الخصومة بقوة القانون، ولا يجوز تصحيح شكل الدعوى بإدخال ورثة الزوج المتوفى، وذلك لعدم جواز حلول إرادة ورثة الزوج محل إرادته في إيقاع الطلاق، وبالتالي تبقى الزوجة على ذمة زوجها المتوفى عنها وتدخل ضمن ورثته ويحق لها نصيبها الشرعي في تركته بالميراث.
-وإذا توفى الزوج اثناء نظر الاستئناف
في هذا الفرض نفرق بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان الحكم المستأنف صدر برفض دعوى الطلاق ينقطع سير خصومة الاستئناف بقوة القانون ولا يجوز تصحيح شكل الاستئناف بإدخال ورثة الزوج المتوفى وذلك لعدم جواز حلول إرادة ورثة الزوج محل إرادته في إيقاع الطلاق، والزوجة على ذمة زوجها المتوفى عنها وتدخل ضمن ورثته ويحق لها نصيبها الشرعي في تركته بالميراث.
الحالة الثانية: إذا كان الحكم المستأنف صدر بتطليق الزوجة ينقطع سير خصومة الاستئناف ويتأيد حكم أول درجة بطلاق الزوجة وتكون مطلقة بائناً ليست من الورثة.
-هل يحق للزوجة التنازل عن حكم أول درجة الصادر بتطليقها بعد وفاة الزوج في الاستئناف لكي ترث فيه؟
إن القول بتنازل الزوجة عن حكم تطليقها البائن أمام محكمة الاستئناف أن يصبح الحكم بتطليقها من محكمة أول درجة غير قائم بما معناه استمرار علاقة الزوجية التي انقضت بالوفاة، فهذا الأمر غير مقبول لأنه يعد تحايلا من الزوجة على القواعد الشرعية بغية حصولها على الميراث، ولا يقبل منها تنازلها عن حكم تطليقها أمام محكمة أول درجة وتقضي محكمة الاستئناف بانقطاع سير خصومة الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف بالتطليق.
2- حالة وفاة الزوجة أثناء نظر دعوى الطلاق
إن استبعاد فكرة الحلول محل الزوج المتوفى قاصرة على حالة وفاة الزوج دون الزوجة، لإن إيقاع الطلاق مرهون بإرادة الزوج وليست الزوجة ما لم تكن مفوضة فيه، وبالتالي إذا توفيت الزوجة أثناء نظر دعوى الطلاق أو أثناء نظر استنئافه يحق لورثة الزوجة طلب الحلول محلها وطلب استئناف سير الخصومة توصلا إلى الحكم في موضوعها لتوافر المصلحة في إرث حقوق الطلاق.
رأى محكمة النقض في الازمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 20 لسنة 37 قضائية، حيث قالت في حيثيات الحكم لئن كانت دعوى الطلاق من مسائل الأحوال الشخصية إلا أنه يترتب عليها آثار مالية، ولطلب الحلول محل الطاعنة –الزوجة- المتوفاة مصلحة محتملة لورثتها تتمثل في إرث ورثتها لحقوق الطلاق إذا قضى بتطليقها على زوجها.
رأى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية
امرأة طلقت بموجب حكم قضائي بأول درجة وتأيد بالاستئناف، فهل تبدأ مدة عدتها من تاريخ صدور حكم الطلاق الابتدائى أم الاستئناف؟
أجابت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية: العدة واجبة على المرأة من وقت صدور الحكم القضائى البات الذى لا نقض له، فتعتد بثلاثة قروء إن كانت من ذوات الحيض لقوله تعالي: "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوء"، أو بثلاثة أشهر إن كانت من غير ذوات الحيض، قال تعالي: "وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ"، أو بوضع الحمل بعد الحكم البات إن كانت حاملا، قال تعالي: "وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ"، حيث إن ابتداء العدة يحسب من وقت صدور حكم الاستئناف بناء على المادة (63) من قانون الأحوال الشخصية لسنة 2001 والتي نصت على أنه لا تنفذ الأحكام الصادرة بفسخ عقود الزواج أو بطلانها أو بالطلاق إلا بانقضاء مواعيد الطعن عليها.
رجل طلق زوجته طلاقًا بائنًا بينونة صغرى بقسيمة طلاق مثبتة، فهل يرث المطلق من مطلقته فى فترة العدة أم لا؟
أجابت لجنة الفتوي: إذا مات أحد الزوجين أثناء العدة من طلاق بائن سواء أكان الطلاق بائنًا بينونة صغرى أم كبرى - لا يرثه الآخر، لأن الطلاق البائن ينهى الزوجية بمجرد صدوره، إلا إذا كان الطلاق فى مرض الموت، وقامت قرينة على أن الزوج يقصد حرمان الزوجة من الميراث، فإنها عند الجمهور غير الشافعية ترثه إن مات فى العدة، وكذا بعد العدة عند المالكية، معاملة له بنقيض مقصوده، وهذا هو طلاق الفرار، أما إذا ماتت هى قبله، فلا يرثها باتفاق الأئمة الأربعة، وبناء عليه: لا يرث هذا المطلق زوجته أثناء فترة العدة؛ لانقطاع الصلة بينها، وبين زوجها المطلق.