تثير العديد من الأعمال الفنية والسينمائية والدرامية من وقت لأخر صخبا وجدلا بين رجال القانون والاجتماع من جهة، وبين طبقة الجمهور ومدعي الحرية والإصلاح من جهة أخرى، كما تدق هذه الأعمال الفنية من قوت لأخر ناقوس الخطر عن حقيقة غائبة وهي سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت خطر داهم على المجتمعات العربية، وكيف باتت الغريزة الجنسية المحرك الأساس لأفراد المجتمع في ظل تفشي ظاهرة البطالة وانعدام وتخاذل الرقابة الأسرية.
ومثل هذه الأعمال الفنية والسينمائية تتعرض من قبل الشارع لحملات هجوم عنيفة وشرسة في معظم الأحيان من معظم الجمهور المتلقي، وذلك نظرًا لاحتوائه على مشاهد وألفاظ جريئة لا تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع الشرقي في حين يدافع البعض عن مثل هذه الأعمال طبقا لحرية الإبداع الفني وأن هذه الظاهرة موجودة فعلا ولا يمكن تجاهلها، ولكن المشكل أن مثل هذه الأعمال الفنية والسينمائية تخدش الحياء العام، وينال من القيم الأسرية في المجتمع – حسبما ترى شريحة عريضة من الجمهور قد تصل إلى السواد الأعظم منه.
مدى جواز وقوع جريمة التعدى على القيم الأسرية بمن هم خارج البلاد؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بكيفية تعدى الأعمال الفنية والسينمائية على القيم الأسرية، وذلك في الوقت الذى لا شك أن ما تتناوله مثل هذه الأعمال الفنية والسينمائية من موضوعات يعبر عن انحرافات في الأخلاق وطغيان غريزة الجنس لدى بعض الناس، وهي ظاهرة موجودة فعلا منذ الأزل، ولكن تفشت في الوقت الراهن وساعد على تفشيها مواقع التواصل الاجتماعي والبطالة وغياب دور الأسرة فضلا عن انعدام الأخلاق، وإذا كان صحيحا أن الفن يعبر عن نبض الشارع ومن واجبة إظهار سلبيات المجتمع وهو أمر حرص دستور 2014 علي توضيحه، إذ نص في المادة 67 على حرية الإبداع الفني وفي المادة 70 على حرية النشر الإليكتروني وحظر في المادة 71 توقيع عقوبة مقيدة للحرية على الجرائم التي تقع بواسطة النشر ما لم تتضمن طعنا في الأعراض إلا أن ذلك كله مشروط بأن يتم طبقا للقانون، بما يعني أنه ليس هناك حرية مطلقة وإلا صارت فوض وإنما الحرية يجب أن تكون في حدود القانون – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - لا شك أن القانون لا سيما الجنائي كان له موقف صريح منذ زمن إزاء بأن يضرب بسيف بتار علي من ينتهك الآداب والحشمة العامة فكل شخص حر في ممارسة حياته الجنسية والشخصية، ولكن في السر ودون علانية بما لا يؤذي الآخرين ويهز كيان المجتمع من خلال البث العام علي عيون الناس والأسر، فقد أحاط قانون مكافحة الدعارة ووضع شبكة من التجريم التحوطي التي تمنع أفراد المجتمع من الانزلاق في الخطيئة، كما أن قانون العقوبات رغم قدمه إلا أنه حوي نصوص يمكن أن تلاحق تلك الظاهرة – وفقا لـ"فاروق".
من الصعب ملاحقة مقدمي الأعمال الفنية والسينمائية التي تبث من خارج البلاد
ولكن يجب التنويه إلى أن مقدمي الأعمال الفنية والسينمائية التي تبث من خارج البلاد من الصعب ملاحقتهم جنائيا لكونهم خارج البلاد، وإنما سيقع تحت سيف العقوبة في مصر من يقوم بعمل مشاركة لهذا البث المباشر لمثل هذه الأعمال، إذ يعتبر كمن بث تماما، كما أن يد القانون يمكن أن تمد لكل المشاركين في هذا الفيلم، ولو أن التصوير والبث وقع في الخارج، ولقد تعرض الفقه والقضاء الفرنسي لهذه الظاهرة في الأفلام، وانتهى إلى أن الملاحقة الجنائية للقائمين على تلك الأعمال تتطلب أن يكون المعنى الجنسي في الفيلم صريح وليس مستتر وأن يأتي الممثل بفعل أو حركات شهوانية مثيرة أو مخلة بالحياء وأن يكون المعني الجنسي في الدور واضح – الكلام لـ"فاروق".
والواقع أن المسؤولية القانونية للقائمين على بث مثل هذه الأعمال والمشاركين فيه ومن يقوم بمشاركة هذا البث المباشر يمكن أن تندرج تحت لواء ثلاث نصوص تجرم تلك الأفعال، فالمادة 269 مكررا عقوبات تعاقب كل من حرض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال في أي مكان مطروق وهو ما ينطبق على البث المشار عليه باصطياد عوام الناس المارين على شبكة التواصل الاجتماعي بحسبانها مكان مطروق، والمادة 278 من ذات القانون تعاقب كل من يرتكب فعلا مخلا بالحياء علنا بأحد طرق العلانية المنصوص عليها في المادة 171 ومن ضمنها الإذاعة وهو ما ينطبق على البث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي العامة – هكذا يقول "فاروق".
3 قوانين تجرم تلك الأفعال
وهناك أيضا قانون مكافحة الدعارة رقم 10 لسنة 1961 إذ عاقب كل من حرض غيره على ممارسة الدعارة أو الفجور أو المساعدة عليهما أو تسهيلها لشخص ذكر أو أنثى، ولقد حددت محكمة النقض نطاق تطبيق نص قانون مكافحة الدعارة المشار إليه فقضت بأن: "لما كان القانون رقم 10 لسنة 1961 فيما تضمنه من أحكام مكافحة الدعارة قد نص في مختلف مواده على جرائم شتى ميز كلاً منها من حيث نطاق تطبيقها وعناصرها وأركانها والغرض من العقاب عليها من الأخرى وإن كانت في عمومها تنقسم إلى طائفتين تتعلق الأولى بأفعال التحريض والتسهيل والمساعدة والمعاونة والاعتياد على ممارسة الفجور أو الدعارة أو ما يلحقها من ظروف مشددة، وتنصرف الطائفة الثانية إلى أماكن إتيان تلك الأفعال".
ولقد نص القانون المذكور في الفقرة الأولى من المادة الأولى منه على أن: "كل من حرض شخصاً ذكراً كان أو أنثى على ارتكاب الفجور أو الدعارة أو ساعده على ذلك أو سهله له وكذلك كل من استخدمه أو استدرجه أو أغواه بقصد ارتكاب الفجور أي اللواط أو الدعارة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة من مائة جنيه إلى ثلاثمائة جنيه"، وكان مفاد نص الفقرة الأولى من المادة الأولى سالفة البيان أن الجرائم المنصوص عليها فيها لا تقوم إلا في حق من يحرض غيره على ممارسة الفحشاء مع الناس بغير تمييز أو يسهل له هذا الفعل أو يساعده عليه فلا تقوم الجريمة إذا وقع الفعل من المحرض بغية ممارسته هو الفحشاء مع المحرض، وذلك طبقا للطعن رقم 4693 لسنة 66 قضائية.
قانون تقنية المعلومات والتعدي على القيم الأسرية
ولكن الأمر مختلف حديثا إذ جرم المشرع عبر شبكة الإنترنت في قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 هذه الظاهرة فنص في المادة 25 تحت عنوان الجرائم المتعلقة بالاعتداء على القيم الأسرية والمحتوى المعلوماتي غير المشروع الواردة في الفصل الثاني من هذا القانون المسمى بالجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة وتقنيات المعلومات: "علي أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري"، وهذه الجريمة متعلقة بقيم ومبادئ الأسرة؛ والأسرة يقصد بها مفهوم متسع ينصرف إلى المجتمع ككل، إذ لا توجد عله مفهومه لحصر معني الأسرة في درجة قرابة، كما أن المشرع ولئن استخدم عبارة النيل من المبادئ والقيم الأسرية إلا أنه أردف ذلك بعبارة في المجتمع، فأظهر أن علة التجريم حماية المجتمع من خلال القيم الراسخة لدى الأسرة فكان أي نيل من تلك القيم في المجتمع يحقق الجريمة ويكون المشرع في النص قد قال أقل ما يريد.
وتتحقق هذه الصورة من التجريم حينما يقوم الجاني من خلال شبكة المعلومات الإليكترونية بمعالجة بيانات أو معلومات إليكترونية تنال من الحد الأدنى المتعارف عليه لحماية الأسر في المجتمع المصري من الانهيار والضياع، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة من أخلاق وفضيلة وحياء وحشمة واحترام وحجب الأنشطة الجنسية عن أنظار الناس والوفاء في العلاقة الزوجية ومنع الخيانة، فأي فعل ينال مما تقدم يحقق الركن المادي للجريمة، ويستوي أن يكون من اعتدي على قيم ومبادئ الأسرة أحد أفرادها أو الغير، إذ الجريمة من جرائم الفاعل المطلق ولهذا تتحقق الجريمة في تلك الصورة متى نشر الجاني على شبكة التواصل الاجتماعي صور أو فيديوهات تتضمن إيحاءات جنسية أو تبادل أحد أطراف الأسرة مع الغير رسائل عشق وغرام أو علامات تحض على الرذيلة حتى وإن كانت علامات ولا ينفي رضا المجني عليه إذ علة التجريم ليس حماية فرد بعينه، وإنما القيم الأسرية في المجتمع، ولهذا كان رضا المجني عليه غير معتبر لأن الجريمة لم تضره وحده بل تصيب المجتمع بأسره – وفقا لـ"فاروق".
علاقة جريمة التعدي على القيم الأسرية بمن هم خارج البلاد
ويلاحظ أن قانون جرائم تقنية المعلومات نص القانون على سريان أحكامه على جريمة الاعتداء على القيم الأسرية، ولو ارتكبت خارج البلاد وبغض النظر عن جنسية مرتكبها متى كان من شأن الجريمة إلحاق ضرر بأي من موطني جمهورية مصر العربية أو المقيمين فيها، أو بأمنها أو بأي من مصالحها في الداخل أو الخارج (المادة 5/3) أو إذا كان المجني عليه مصريا (المادة 1/3) أو إذا وُجد مرتكب جريمة في جمهورية مصر العربية بعد ارتكابها ولم يتم تسليمه (المادة 6/3) متى كان الفعل معاقبًا عليه في الدولة التي وقع فيها تحت أي وصف قانوني، وذلك استثناء من مبدأ إقليمية قانون العقوبات وهو ما يعرض أبطال الأعمال الفنية والسينمائية للملاحقة أمام القضاء المصري حتى ولو كان معظم أبطاله من من خارج مصر.