أصدرت محكمة النقض – حكما في غاية الأهمية لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية بشأن "المساكنة": قالت فيه: " دعوى المساكن بثبوت العلاقة الإيجارية له لا تسقط بالتقادم لأنها كاشفة للحق لا منشأة له، كما أن المساكنة التى تنشئ الحق للمنتفعين بالبقاء في العين المؤجرة، لازمها إقامتهم مع المستأجر في العين منذ بدء الإجارة".
وتابعت: "المساكنة مصدرها ما تعارف عليه المستأجرون والمالكون من تحرير عقد الإيجار باسم مستأجر واحد عند تعدد المستأجرين متى انصرفت أرادتهم لإحداث الأثر القانوني للعقد فى حقهم، وثبوت إقامة المساكن مع المستأجر الأصلى دون انصراف آثار عقد الإيجار إليه ليس من شأنه إعطائه أية حقوق يستطيع المطالبة بها على العين المؤجرة، ويكون تقدير ذلك خضوعه لسلطة قاضى الموضوع متى كان استخلاصه سائغًا".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 15612 لسنة 83 القضائية، برئاسة المستشار حسنى عبد اللطيف، وعضوية المستشارين ربيع محمد عمر، ومحمد شفيع الجرف، ومحمد محمود نمشة، وخالد فاروق عبد الهادى.
الوقائع.. شقيقة المستأجر الأصلى المتوفى يطالب بـ"المساكنة"
الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم دعوى قضائية أمام محكمة المنصورة الابتدائية بطلب الحكم بثبوت العلاقة الإيجارية بينه وبين مورثهم عن الشقة المبينة بالصحيفة اعتبارًا من 15 أغسطس 1969 وإلزامهم بتحرير عقد إيجار له، وقال بيانًا لذلك إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 15 أغسطس 1969 استأجر شقيقه المرحوم "ل. م" من مورث المطعون ضدهم عين النزاع مقابل أجرة شهرية مقدارها 20 جنيهًا، ونظرًا لأنه أقام معه فيها منذ تاريخ التعاقد وحتى وفاته في 5 يونيو 1992، واستمر فى الإقامة فيها وسداد أجرتها بعد وفاته فقد أقام الدعوى.
محكمة أول درجة تقضى له بالمساكنة.. والورثة يستأنفون ويلغوا الحكم مستندين على "التقادم"
في تلك الأثناء - حكمت المحكمة بالطلبات، ثم استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم وبتاريخ 17 يوليو 2013 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، وبسقوط الحق فى إقامة الدعوى بالتقادم، ثم طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة – فى غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
شقيق المستأجر الأصلي "المتوفى" يطعن أمام محكمة النقض
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب لإلغاء الحكم، حيث ذكرت إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بسببي الطعن الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفى بيان ذلك يقول إنه تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بإقامته مع شقيقه المستأجر الأصلى بعين النزاع منذ تحرير عقد الإيجار المؤرخ 15 أغسطس 1969 وحتى وفاته في 5 يونيو 1992 ومن حقه الاستمرار فى الانتفاع بها وتحرير عقد إيجار باسمه بعد وفاته، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع وقضى بإلغاء الحكم الابتدائي، وبسقوط حقه فى إقامة الدعوى بالتقادم فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعى سديد، ذلك أن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن المساكنة التى تُنْشِئ حقًا فى البقاء بالعين للمنتفعين من غير الأقارب المشار إليهم فى المادة 21 من القانون 52 لسنة 1969 - المقابلة لنص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 – وإن كانت تستلزم إقامتهم مع المستأجر فى العين المؤجرة منذ بدء الإجارة، إلا أن كل إقامة بالعين منذ ذلك التاريخ لا تعتبر بالضرورة مشاركة سكنية، لأن قواعد المساكنة قد تقررت خروجًا على مبدأ نسبية آثار العقود لضرورة أملاها ما تعارف عليه المالكون والمستأجرون لعين واحدة من تحرير عقد الإيجار باسم مستأجر واحد فى حالة تعددهم، وانصرفت إرادتهم وقت التعاقد إلى إحداث هذا الأثر القانونى للعقد بما يرتبه من حقوق ويفرضه من التزامات.
"دعوى المساكن" بثبوت العلاقة الإيجارية له لا تسقط بالتقادم لأنها كاشفة للحق لا منشأة له
وبحسب "المحكمة": وعلى ذلك إذا ما ثبت من ظروف الدعوى وملابساتها اتجاه إرادة الأطراف – المالك والمستأجر – إلى انصراف آثار عقد الإيجار للمساكن وللمستأجر الذى حُرِّرَ العقد باسمه عُدَّ كلٌ منهما مستأجرًا أصليًا، أما إذا كانت إقامة المساكن بالعين مع المستأجر الأصلى لم تكن بقصد إحداث هذا الأثر وإنما لاعتبارات أخرى ولو كانت منذ بداية العلاقة الإيجارية ودون انقطاع فإن هذه الإقامة لا تعطى لهذا الغير المقيم مع المستأجر أية حقوق يستطيع أن يطالب بها على العين المؤجرة، ويخضع تقدير ذلك لسلطة قاضى الموضوع متى كان استخلاصه سائغًا.
ووفقا لـ"المحكمة": كما أن المُسَاكِنَ الذى يُعَدُّ مستأجرًا أصليًا على النحو السالف بيانه ليس فى حاجة إلى اللجوء للقضاء للمطالبة بثبوت العلاقة الإيجارية، أما إذا نازعه أحد فى مركزه القانونى على العين فإن حقه فى رفع هذه الدعوى يكون قائمًا فى أى وقت ولا يسرى عليه التقادم المسقط لأن الحكم الصادر فى الدعوى هو حكمٌ كاشفٌ عن حقيقة العلاقة وليس منشئًا لها.
النقض ترسخ لقواعد المساكنة وتنصف شقيق المستأجر الأصلى بأحقية الامتداد للعقد
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بسقوط حق الطاعن فى رفع الدعوى بالتقادم دون أن يبحث ما إذا كانت إرادة طرفي عقد الإيجار المؤرخ 15 أغسطس 1969 قد اتجهت وقت التعاقد إلى انصراف آثاره إلى الطاعن المُسَاكِنَ للمستأجر الأصلي فيُعَدُّ مستأجرًا أصليًا ولا يسرى التقادم المسقط على دعواه بطلب ثبوت العلاقة الإيجارية مع مورث المطعون ضدهم عن عين النزاع أم أن مساكنته للمستأجر لم تكن بقصد إحداث هذا الأثر فلا تكون له أية حقوق على العين، فإنه يكون معيبًا مما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.