أصدرت الدائرة 164 إيجارات – بمحكمة استئناف القاهرة – حكماَ فريداَ من نوعه، أرست فيه مبدأ قضائيا في غاية الخطورة، باعتبار كلمة المشاهرة لمدة 59 عاما، وليس شهر الأجرة على الرغم من أن عقد الإيجار تاريخه بعد 1996، حيث استندت المحكمة لأول مرة إلى نية المتعاقدين وقت العقد، وحسبما قرره الشهود.
صدر الحكم في الاستئناف المقيد برقم 7528 لسنة 22 قضائية، لصالح المحامى هانى حسن عبد الجليل، برئاسة المستشار سيد غانم، وعضوية المستشارين عمرو صلاح، ومحمد متولى، وأمانة سر صموئيل مجدى.
الوقائع.. نزاع قضائى بين ورثة مؤجر وورثة مستأجر بسبب "شقة ايجار"
تتلخص وقائع النزاع في أن المستأنف ضدهم أقاموا على المستأنفين دعوى قضائية بطلب الحكم بانتهاء عقد الايجار المؤرخ 24 أغسطس 1999 وتسليم الشقة المبينة به، وقالوا بياناَ لذلك أنه بموجب هذا العقد استأجر مورث المستأنفين من مورثهم الشقة محل النزاع بغرض استخدامها سكن خاص لقاء أجرة شهرية مقدارها 120 جنيها، وأن مدة العقد "مشاهرة قابلة للتجديد"، ولعدم رغبتهم في تجديد العقد نبهوا على المستأنفين رسميا بعدم الرغبة في تجديد العقد وتسليم العين المؤجرة إلا أنهم لم يحركوا ساكنا، فأقاموا الدعوى، وفى تلك الأثناء وجه المستأنفين قبل المستأنف ضدهم دعوى فرعية بطلب تحرير عقد ايجار لمدة 59 سنة على أساس أن حقيقة مدة العقد هي أقصى مدة ممكنة في القانون وليس المدة المحددة لدفع الأجرة بتاريخ 26 مايو 2018.
في تلك الأثناء – حكمت محكمة أول درجة بالطلبات في الدعوى الأصلية، ورفضت الدعوى الفرعية، ثم استـأنف المستأنفين هذا الحكم بالاستئناف المطروح بتاريخ 28 يونيو 2018 طلبوا في ختامها الحكم بقبول الاستئناف شكلاَ وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به والقضاء برفض الدعوى الأصلية، وبالطلبات في الدعوى الفرعية، وأسسوا استئنافهم على أسباب حاصلها الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، ومخالفة الثابت بالأوراق، والإخلال بحق الدفاع.
النزاع حول كون عقد الايجار يتضمن كلمة "مشاهرة"
وبالفعل نظر الاستئناف أمام هذه المحكمة حيث مثلا طرفى الخصومة كل بوكيل عنه حيث قدم المستأنفين 4 حوافظ بالمستندات طويت على 4 إنذارات بعرض الأجرة عن المدة من 1 مارس 2018 حتى 31 مايو 2019 وعدد 2 صور أحكام قضائية للاسترشاد ومذكرة بالدفاع طلبوا فيها إحالة الاستئناف للتحقيق لإثبات حقيقة مدة عقد الايجار سند الدعوى وبتاريخ 25 ديسمبر 2018 أحالت المحكمة الاستئناف للتحقيق، وبعد سماع شهود الطرفين أعادته للمرافعة لجلسة 23 فبراير 2019 حيث مثلا طرفى الخصومة كل بوكيل، وقدم كل منهما مذكرة بدفاعه طالعتها المحكمة.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن موضوع الاستئناف أن الحاكم للعلاقة الايجارية بين طرفي الخصومة هو عقد الايجار المؤرخ 24 أغسطس 1999 والذي أبرم في ظل سريان أحكام القانون رقم 4 لسنة 1996 والذى انتظمت أحكامه أن جميع عقود الايجار التي تبرم في ظله تخضع لأحكام القانون المدني، ومن ثم تكون المنازعة المطروحة بمنأى من تطبيق أحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية وحيث إنه طبقا لنص المادة 150/2 من القانون المدنى إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفى للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل بما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجارى في المعاملات.
ورثة المؤجر يعتبرون كلمة "مشاهرة" أجرة شهرية
وبحسب "المحكمة": ومفاد هذا النص أن لقاضى الموضوع السلطة التامة في فهم نصوص الاتفاقات وتعرف ما قصد منها دون التقيد بألفاظها بحسب يراه أدنى إلى نية أصحاب الشأن مستهديا بوقائع الدعوى وظروفها وملابساتها وبالظروف التي أحاطت بتحرير العقد وما قد يكون سبقه وعاصره من اتفاقات تتصل بموضوع العقد وكيفية تنفيذه والبينة والقرائن، فالقاعدة القانونية مزيج من الشكل والمضمون فهى تتكون من جوهر يقوم على معرفة الواقع وحاجاته ومقتضياته حسبما تنبئ عنه المشاهدة والتجربة، كما يقوم على فرض ما هو واجب في شأن ذلك الواقع حسبما يمليه عليه العقل من مثل وغايات بعيدة.
وتضيف "المحكمة": والقاضي بحسه وبفهمه لمقاصد النص يتلقف ذلك النص ليطبقه في قالب منضبط يتفق مع الواقع والمنطق والعدل ولذا استقر القضاء أن استخلاص نية المتعاقدين في العقد من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضى الموضوع وحيث أن عقد الإيجار الخاضع للقانون المدني عقداَ زمنياَ مؤقتا فيستطيع المتعاقدين تحديد أية مدة للإيجار مادامت هذه المدة لا تجعل الايجار مؤبداَ فإذا اتفقا على مدة طويلة تجعل عقد الايجار في حكم المؤبد أو إذا اتفقا مدة اختلف فيها الطرفان انعقد عقد الايجار لمدة يحددها القاضي تبعا لظروف وملابسات التعاقد، فيجوز له تحديد مدة الايجار بشرط ألا تزيد مدته القصوى عن المدة المحددة وفقا لنص المادة 999 من القانون المدني.
ورثة المستأجر يعتبرون كلمة "مشاهرة" 59 سنة
ووفقا لـ"المحكمة": إن المحكمة وهى بصدد الفصل في الخصومة التي قامت بين المستأنفين والمستأنف ضدهم حول ما إذا كان عقد الإيجار سند الدعوى المؤرخ 24 أغسطس 1999 قد اتجهت نية أطرافه إلى أن مدته هي المدة المنعقدة لدفع الأجرة أي مشاهرة أم لأطول فترة يجيزها القانون 59 سنة، وكان الثابت من الأوراق أن الغرض من إجارة العين محل العقد المشار إليه هو استعمالها سكن خاص وحاز المستأجر "مورث المستأنفين" العين المؤجرة وانتفع بها طيلة مدة تزيد عن 15 سنة حتى وفاته عام 2015 ولم يثر المؤجر "مورث المستأنف ضدهم" مسألة مدة العقد طيلة مدة انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة حتى وفاته عام 2016 فضلاَ عن تقاضى المؤجر من المستأجر مبلغ 21 ألف جنيه كمقدم إيجار يخصم منه نصف القيمة الايجارية حسبما جاء بأقوال شاهدى المستأجر.
المحكمة تنهى النزاع لهذه الأسباب
وحسبما جاء بشهادة شاهدي المستأجر والشاهد الأول من شاهدي المؤجر في محضر التحقيق الذى أجرته هذه المحكمة، والذى جاءت شهادتهم من واقع ما عاصروه وعايشوه، وأضاف شاهد المستأجر أنهما عاصرا وحضرا واقعة إبرام عقد الايجار وأن المتعاقدين قد اتفقا على أن مدة التعاقد مدة طويلة 59 سنة، وأن هذه المدة لم تكتب بالعقد نظراَ للعلاقة الطبية والثقة بين المتعاقدين كل هذه القرائن تستعين بها المحكمة في إجلاء حقيقة ما أنتواه المتعاقدين ومقصدها من أن نيتهما قد اتجهت إلى أن مدة عقد الإيجار المبرم بينهما هي لأطول فترة يجيزها القانون 59 سنة وليس مدة دفع الأجرة إذ من غير المقصود عقلا وحسب ما يمليه العقل وما يتسق مع المألوف من الأمور أن يكون الغرض من الإجارة والتعاقد هو استخدام العين للسكن وقيام المستأجر بتجهيزه وانتفاعه بها مدة أكثر من 15 سنة وسداد بمبلغ 21 ألف جنيه كمقدم إيجار مقابل إبرام العقد أن تكون نية التعاقد قد قصد بها مدة دفع الأجرة أي شهر واحد، فإذا ما خالف الحكم المستأنف هذا النظر المتقدم واعتبر أن عقد الايجار سند الدعوى منعقداَ للفترة المحددة.