لازالت المجتمعات العربية تعانى من جريمة التعدى على "الملكية الفكرية" حيث أننا بين فترة وأخرى، يتفاجأ الوسط الفنى على سبيل المثال بحالة من حالات السطو على الموروث، سواء أكان ذلك كتابا أو مؤلفا أو لحناً أو شعراَ، دون أى مراعاة لحقوق الملكية الإبداعية والفكرية، وهى ظاهرة خطيرة معروفة بـ "قرصنة أو سرقة الملكية الفكرية" تسببت فى أهدر حقوق مؤلفين ومطربين وفنانين، بعض هؤلاء رحل عن دنيانا ولم يجد من يعيد الحق إلى أسرته أو يردّ اعتباره الفني.
ولعل أبرز هذه الوقائع هو ما عرف بـ "قرصنة هيئة الكتاب" من خلال صدور كتاب عن الهيئة العامة للكتاب وهو ناتج عن سرقة فكرية، وقد مر هذا على لجنة النشر بالهيئة العامة للكتاب مرور الكرام، وهى القضية الأشهر فى عملية "قرصنة الملكية الفكرية"، والتى قضت فيها محكمة القاهرة الاقتصادية فى الجنحة رقم 879 لسنة 2020 جنح اقتصادية بتغريم متهم 10 ألاف جنيه والمصادرة، وبأن يؤدى للمدعى بالحق المدنى "مؤلف الكتاب" مبلغ 5 آلاف جنيه على سبيل التعويض المدنى المؤقت.
الوسائل الحمائية الحالية لحقوق الملكية الفكرية
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على حزمة من الاقتراحات حول سياسة للرقابة السابقة على الكتب قبل صدورها، باعتبار أن - الله تعالى - ميز العقل بـ"ملكية فكرية" لا يجوز البته التعدى عليها أو الاقتراب منها، ما أدى إلى جعل المحكمة الاقتصادية تكتظ بمئات الدعاوى القضائية تشير بأصابع الاتهام نحو أشخاص وكيانات بسرقة "حقوق الملكية الفكرية" أو ما يُطلق عليه بـ"حق المؤلف"، فهذا يتهم ذاك بسرقة أشعاره، وغيره يتهم آخر بسرقة كلمات أغنية وألحانها، بخلاف سرقة أفكار الاختراعات والعلامات التجارية، وحتى الرسوم المتحركة والابتكارات - بحسب الخبير القانونى والمحامى المتخصص فى قضايا حقوق الملكية الفكرية محمود عبد القادر.
فى البداية - يتضمن قانون حماية حقوق عدة عقوبات على جرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية لكن ذلك غير كاف، وذلك لأنه لابد من وجود وسائل وقائية تمنع وقوع الجريمة، إلا أن دار الكتب ومكتبات الجامعات تحاول مكافحة السرقات الفكرية بإجراء مخالف للقانون وضار بالباحثين، ومن ضمن الإجراءات الحمائية التى اتخذتها الحكومة المصرية لمنع وقوع جرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية قرار دار الكتب المصرية، وكذلك مكتبات الجامعات المصرية الذى يحظر على الباحث تصوير أكثر من خُمس الكتاب أو الرسالة العلمية – وفقا لـ"عبد القادر".
دار الكتب ومكتبات الجامعات تحاول مكافحة السرقات الفكرية بهذا الإجراء
وعن مدى قانونية هذا القرار يقول "عبد القادر": هذا القرار يخالف ما أقرته المادة 171 من قانون الملكية الفكرية الناصة على: "مع عدم الإخلال بحقوق المؤلف الأدبية طبقاً لأحكام هذا القانون، ليس للمؤلف بعد نشر مصنفه أن يمنع الغير من القيام بأى عمل من الأعمال الآتية:.... ثانياً- عمل نسخة وحيدة من المصنف لاستعمال الناسخ الشخصى المحض وبشرط ألا يخل هذا النسخ بالاستغلال العادى للمصنف أو يلحق ضرراً غير مبرر بالمصالح المشروعة للمؤلف أو لأصحاب حق المؤلف".
ملحوظة: جدير بالذكر أن معظم المكتبات العامة خارج مصر تسمح بتصوير الكتاب كله كنسخة للاستعمال الشخصى طالما كان الهدف غير ربحى، بل إن كثيرا من المكتبات خارج مصر تعطى للباحث نسخة إلكترونية من أى كتاب يريده سواء باليد أو عبر البريد الإلكترونى وكثير من الجامعات خارج مصر تنشر الرسائل العلمية كاملة على موقعها على الإنترنت "موضح بالهامش روابط لصفحات نشر الرسائل الكاملة إلكترونيا ببعض الجامعات خارج مصر".
قرارات تضر بالباحثين والمؤلفين
وكشف "عبد القادر": انه تقدم بشكوى لمجلس النواب لتضرر الباحثين وطلاب الدراسات العليا فى مصر من هذا القرار، وقد أحال المجلس الشكوى بدوره لوزارة الثقافة ثم لدار الكتب التى ردت بأن الهيئة العامة لدار الكتب تفعل ذلك نظرا لكثرة طلبات التصوير، وذلك حتى تخدم أكبر عدد ممكن من المستفيدين، ولكن يستطيع الباحث أن يتقدم إلينا بطلب يذكر فيه أسباب تصوير الكتاب كاملا للسماح له بذلك - ومرفق رد دار الكتب بالمستندات – إلا أن هذا الأمر لا يتم تنفيذه من الناحية العملية.
هل هذه السياسة مناسبة لمكافحة السرقة الفكرية؟ وما الطريقة الأنسب لمكافحة السرقة العلمية؟
وعن مدى فاعلية قرار دار الكتب ومكتبات الجامعات المصرية سالف الذكر - يوضح "عبد القادر": أعتقد أن السبب فى انتهاج دار الكتب ومكتبات الجامعات المصرية هذا النهج هو ظنهم أن السماح للباحث بتصوير نسخة وحيدة من الكتاب كاملا أو الرسالة العلمية كاملة للاستعمال الشخصى سيسبب انتشار السرقات العلمية من قبل الباحثين من الرسائل العلمية السابقة لكننى أوضح فيما يلى أن هذا غير صحيح بسبب:
1- هذه السياسة تمنع الاستفادة من كتب ورسائل السابقين.
2- معظم الجامعات حاليا تلزم الباحث بفحص رسالته قبل تقديمها للمناقشة بواسطة خدمة تحديد التماثلية الإلكترونية، وإذا ثبت عن طريق هذه الآلية ارتكاب باحث سرقة علمية فإنه يحال لمجلس التأديب ولا تقبل رسالته ولا تقدم للمناقشة.
"مرفق صورة ضوئية من رسالة السيد الدكتور نائب رئيس جامعة عين شمس للدراسات العليا والبحوث إلى السادة وكلاء الكليات للدراسات العليا والبحوث المؤرخة 15/7/2018 ميلادية بشأن إرسال طلبات فحص الرسائل الجامعية بواسطة خدمة تحديد التماثلية ومنع السرقات الأدبية المقدمة من شبكة المعلومات الجامعية بجامعة عين شمس".
"ومرفق أيضا صورة ضوئية من رسالة السيد الدكتور نائب رئيس جامعة المنصورة للسيد الدكتور وكيل كلية التربية لشئون الدراسات العليا والبحوث المؤرخة 3/5/2018 ميلادية التى تفيد بأن مجلس الدراسات العليا والبحوث بجامعة المنصورة قد قرر بجلسته المنعقدة بتاريخ 20/3/2018 والمعتمدة بتاريخ 1/4/2018 ميلادية:... مادة 10: .....14- حصول طلاب الدراسات العليا بالكليات العملية على إفادة تسجيل براءة اختراع لحماية الملكية الفكرية من مكتب الملكية الفكرية وبراءة الاختراع بالجامعة وذلك قبل نشر البحث العلمى المنبثق من الرسالة".
حلول ومقترحات لتخطى الأزمة
ويضيف "عبد القادر": أعتقد أن هذا الإجراء الذى تتخذه الجامعات المصرية حاليا يوفر الرقابة السابقة على الرسائل الجامعية ويضمن نزاهتها وهو إجراء فعال جدا وأعتقد أن دار الكتب المصرية تستطيع فعل هذا الإجراء أيضا كرقابة سابقة على الكتب قبل نشرها لأن لصدور أى كتاب لابد أن تودع منه عشر نسخ ورقية ونسخة إلكترونية بدار الكتب وفقا لنص المادة 184 من قانون الملكية الفكرية على:
"يلتزم ناشرو وطابعو ومنتجو المصنفات والتسجيلات الصوتية والأداءات المسجلة والبرامج الإذاعية بالتضامن فيما بينهم بإيداع نسخة منها أو أكثر بما لا يجاوز عشرة ويصدر الوزير المختص قرارا بتحديد عدد النسخ أو نظائرها البديلة مراعيا طبيعة كل مصنف وكذلك الجهة التى يتم فيها الإيداع...."، وأقترح أن تفعل دار الكتب مع الكتب التى تودع لديها نفس ما تفعله الجامعات المصرية حاليا مع الرسائل العلمية الحديثة فبإمكان دار الكتب ألا تمنح رقم إيداع ولا ترقيم دولى لأى كتاب يودع لديها إلا بعد إدخال النسخة الإلكترونية المودعة منه لديها على برنامج فحص خدمة تحديد التماثلية الإلكترونى والحصول على نسبة النزاهة المعقولة والحصول على شهادة بذلك بعد سداد الرسوم المقررة.
الحكم بسرقة فكرية فى كتاب صادر عن الهيئة العامة للكتاب
الجدير بالذكر - قضت محكمة القاهرة الاقتصادية فى الجنحة رقم 879 لسنة 2020 جنح اقتصادية بتغريم المتهم "م. ص" مبلغ عشرة آلاف جنيه والمصادرة، وبأن يؤدى للمدعى بالحق المدنى مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض المدنى المؤقت.
وجاء بالحكم أن النيابة العامة قدمت المتهم للمحاكمة لأنه عام 2016 بدائرة قسم بولاق أبو العلا اعتدى على الحق المالى والأدبى للمؤلف وطلبت عقابه بالمواد 138 و139 و140 و143 و147 و181 من قانون حماية الملكية الفكرية الصادر بالقانون 82 لسنة 2002، وقد جاء بمحضر الضبط المؤرخ 30 مايو 2018 ميلادية أن شكوى المدعو "ن. ح" الحاصل على درجة الدكتوراه فى الفلسفة الذى أثبت تضرره من المتهم " م. ص" الشهير "م. د"، الموظف بشئون العاملين بالهيئة العامة للكتاب لقيامه بسرقة نصوص كاملة بالحرف من رسالته للماجستير المعنونة "سفينة الدرر والغرر لمحمد بن نجم الدين الصالحي" بجامعة طنطا بتحقيقه وقيامه بنشرها بالهيئة العامة للكتاب دون الرجوع إليه مما يعد سرقة لحقوق الملكية الفكرية له.
هذا وقد سبق وأن قدم شكوى لرئيس الهيئة العامة للكتاب دون جدوى، وكانت النيابة العامة قد أرسلت بدورها عينة من رسالة ماجستير الشاكى وكتاب المشكو ضده إلى جهاز نقطة الاتصال لشئون حماية الملكية الفكرية الذى انتهى تقريره الفنى إلى أن مصنف الشاكى يتمتع بالحماية القانونية وفقا لقانون حماية الملكية الفكرية فهو مصنف قائم بذاته انطوى على الابتكار من حيث التحقيق والترتيب والعرض وله الحق المالى والأدبى عليه وأنه يوجد تعد على الحقوق الأدبية للشاكى تتمثل فى قيام المشكو ضده بالاقتباس من الكتاب الخاص بالشاكى فى العديد من المواضع وهو ما يخرج عن النطاق المتعارف عليه فى حدود الاقتباس إذ جاء أكثر من الغاية المستهدفة منه مع عدم الإشارة للشاكى ولا إلى عنوان مصنفه وهو ما يعد اعتداء على الحق الأدبى للشاكى المتمثل فى الحق فى نسبة مصنفه إليه.
الخبير القانونى والمحامى محمود عبدالقادر