زواج القاصرات .. ظاهرة تثير جدل مستمر بالدول العربية لاينتهى حتى بتغليظ التشريعات التي تضع حدا لها، وبين الحين والآخر تقود إحدى دول المنطقة تلك القضية إلى مجلسها التشريعى بحثا عن حلول تقضى على تلك الظاهرة التي تٌحذر منها المنظمات الحقوقية وتؤدى إلى مخاطر جمة على المرأة التي تتعرض لها.
الجدل هذه المرة صدر من المغرب التي على الرغم من تحديدها سن 18 عاما للزواج إلا أن القانون لازال يحتوى على ثغرات يستغلها البعض، وهو الأمر الذى دفع البرلمان المغربى للتحرك من جديد بالتعاون مع وزارة العدل لصياغة تعديل تشريعى يتصدى لزواج القاصرات، هذا التحرك الذى جاء بعد دراسة رسمية دقت ناقوس الخطر حول أعداد تلك الظاهرة بعموم البلاد.
وتدرس لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب، خلال سلسلة من الاجتماعات مجموعة من مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة على اللجنة، من ضمنها مقترح قانون يقضي بتغيير المادة 20 من القانون الخاص بالأسرة، بحيث يسمح هذا التعديل بشروط تزويج الفتيات القاصرات دون سن 18 عاما.
وكان هذا المقترح حبيس أدراج لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب منذ أكثر من 9 سنوات، بعد خلافات قوية برزت أثناء مناقشته حينها بين الأغلبية الحكومية التي ترأسها حزب العدالة والتنمية – اخوان المغرب - وينص مقترح التعديل الذي شمل المادة 20، على أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى من الفتاة دون سن الأهلية المحدد في 18 سنة، على ألا يقل سنه عن 16 سنة، على أن يتم تقديم تقرير يوضح المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، مع الاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي.
وفي جميع الأحوال، يلزم هذا التعديل القانوني، القاضي بضرورة مراعاة تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج، كما نص على أن مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن.
وأكد وزير العدل المغربى، محمد بنعبد القادر، أمام البرلمان أن المغرب يولي اهتماما خاصا لهذا النوع من الزواج منذ صدور مدونة الأسرة، وعمل على اتخاذ عدد من التدابير والإجراءات من أجل تفعيل التطبيق الأمثل للمقتضيات التي نصت عليها مدونة الأسرة، لكي لا يتحول الاستثناء إلى أصل، مبرزا أن الوزارة تفاعلت بإيجابية مع مقترح قانون يرمي إلى تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة.
وقال الوزير خلال جلسة برلمانية أن زيجات القاصرين تتجه نحو الانخفاض عام بعد آخر"وإن كانت نتائج الإحصائيات لا ترقى إلى التطلعات".
وأوضح المسؤول، أنه تم خلال عام 2014 تسجيل 33 ألف و489 عقدا لهذا النوع من الزيجات، وانخفض هذا العدد في عام 2015 ليصل إلى 30 ألف و230 عقدا، ثم انخفض خلال عام 2016 إلى 27 ألفا و205 عقود.
وواصل الوزير بأن هذا الرقم استمر في الانخفاض خلال السنوات الموالية ليصل عام 2019 إلى 20 ألفا و738 عقد ووصل خلال عام 2020 إلى 12 ألف و600 عقد، وهو ما يشكل 6.48% من مجموع عقود الزواج المبرمة.
التعديل الجديد ينص على أنه "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، على ألا يقل سن المأذون له عن 16 عاما، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي. وفي جميع الأحوال ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج".
وقال التقرير أن بعض الأسر المغربية تلجأ إلى تزويج بناتها قبل بلوغ السن القانوني بسبب الفقر والحاجة المادية للتخلص من العبء المادي، وتحاول الجمعيات وبعض وسائل الإعلام لعب دور توعوي من أجل تغيير الأفكار وتجنيب الفتيات والمجتمع التبعات اللاحقة لهذا النوع من الزيجات.
وأوصى برلمانيو اللجنة، بنسخ المواد المتعلقة بتزويج القاصرات واعتماد من 18 سنة كاملة كأهلية للزواج، والحرص على تضمين التقرير تقييما لتعاطي النيابة العامة مع طلبات تزويج القاصرات وكذا تتبع إحصائيات الإذن بالزواج، ووفق الدراسة، فقد سجلت بمحاكم المملكة في سنة 2020، 19 ألفا و926 طلبا للسماح بزواج قاصرات.
و قالت سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، وفقا لصحيفة هيسبريس المغربية، إن "الجمعيات النسائية والحقوقية لا تطالب بتعديلات أو ترقيع للمدونة، إنما المطلوب التغير الشامل لها، وأن يتم تغيير الفلسفة القائمة عليها لتلائم الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في هذا الصدد".
وأردفت موحيا، بأن المدونة تتضمن "بنودا تمييزية وفراغات"، مؤكدة أنها "بعد 18 عاما من صدورها بات لزاما تغييرها، إذ في وقت صدورها كانت تمثل ثورة هادئة وفتحت الباب لعدد من الإصلاحات القانونية، إلا أن دستور 2011 رفع السقف وكان يجب حينها أن تتم ملاءمة هذه المدونة معه".
وتعليقا على مشروع القانون المثير للجدل، قالت المحامية وعضو لجنة التشريع بمجلس النواب عن حزب الأصالة والمعاصرة نجوى كوكوس، إنه "على المستوى البرلماني والتشريعي، نسعى لتعديل شامل للقانون وإعادة النظر في الفصول التي تحدد سن الزواج".
ووفقا لسكاى نيوز عربية أكدت النائبة إنه "في مدونة الأسرة يوجد مواد تُستَغل في تزويج القاصرات نظرا لظروف معينة، وهي في الأصل مواد استثنائية مقيدة بشروط"، واعتبرت المحامية أن "القانون غير كاف للحد من زواج القاصرات، ومدونة الأسرة غير كافية، وإلا يجب على المشرع أن يضيف مادة في القانون الجنائي تجرم زواج الطفلات القاصرات".
وتابعت: "تتطلب مسألة زواج القاصرات معالجة مندمجة وشاملة، على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، إلى جانب تحسيس الوالدين بخطورة زواج بناتهم القاصرات".
ويستند القضاة في محاكم المغرب عادة في منح الإذن بزواج القاصر على المادة 20 من قانون الأسرة، وهي المادة التي تتيح لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون السن الأهلية المحدد في 18 عاما، وذاك بقرار يُعلّل فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.