ملايين النساء في الولايات المتحدة فقدت بشكل واضح الحق القانوني في الإجهاض، وذلك بعد أن ألغت المحكمة الأمريكية العليا حكمًا صدر منذ نصف قرن جعله قانونيًا في جميع أنحاء البلاد، وألغت المحكمة الحكم التاريخي المعروف باسم "رو ضد ويد"، بعد أسابيع من وثيقة مسربة غير مسبوقة تشير إلى أنها تفضل القيام بذلك، وسيغير الحكم حقوق الإجهاض في أمريكا، حيث أصبح من حق كل ولاية على حدة حظر عملية الإجهاض، ومن المتوقع أن تفرض نصف الولايات الأمريكية قيودًا أو إجراءات حظر جديدة.
ومررت 13 ولاية بالفعل قوانين تقضي بحظر الإجهاض تلقائيا فور إصدار حكم المحكمة العليا، ومن المحتمل أن يقضي عدد آخر من الولايات بفرض قيود على الإجهاض، ومن المتوقع أن يؤثر قرار المحكمة العليا على حق نحو 36 مليون امرأة في سن الإنجاب في الإجهاض، وفقًا لبحث من "منظمة الأمومة المخططة"، وهي منظمة رعاية صحية ترعى عمليات الإجهاض، وكانت المحكمة العليا تنظر في قضية طعنت في حظر ولاية ميسيسيبي للإجهاض بعد 15 أسبوعًا.
المحكمة الأمريكية العليا تلغي الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض
بينما المحكمة، ذات الأغلبية المحافظة، حكمت لصالح الدولة بأغلبية ستة أصوات مقابل ثلاثة على أسس أيديولوجية، مما أدى فعليًا إلى إنهاء الحق الدستوري في الإجهاض، وجاء في الحكم "نعتقد أن الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض.. ويجب إعادة سلطة تنظيم الإجهاض إلى الشعب وممثليه المنتخبين"، ونتجت قضية رو ضد وايد التاريخية عام 1973 عن حكم المحكمة العليا بأغلبية سبعة أصوات مقابل اثنين بأن حق المرأة في إنهاء حملها محمي بموجب دستور الولايات المتحدة.
تلك الواقعة جعلتنا نتطرق لفتح ملف الإجهاض في المنطقة العربية حيث أن عمليات الإجهاض تُعد من الجرائم التي تقع بشكل دائم ومستمر في المجتمعات العربية، وذلك لأن القوانين العربية قليلاَ ما تقف لمواجهة تلك الظاهرة من خلال صدور أي أحكام بالإدانة حيث أن التفسير الحقيقي وراء ذلك هو اعتماد جريمة الإجهاض بشكل كبير في وقوعها على عنصر – الخفاء – دون تبليغ، وإنما تكتشف جريمة الإجهاض في كثير من الأحيان بمحض الصدفة، خاصة إذا ما أدى الإجهاض إلى وفاة الحامل.
الإجهاض فى التشريعات العربية
ومن الأمور التي لا تخفى على الكثيرين من المتخصصين في الشأن القانوني والقضائي أن جريمة الإجهاض في حال اكتشافها يكون من الصعب إثباتها، ومعظم القضاة في الوطن العربي يصدرون الأحكام في جريمة الإجهاض بـ"عدم الإدانة"، وذلك نتيجة تفهم القاضي للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها معظم البلدان العربية، حيث يضطر الأمهات تارة أو العازبات تارة أخرى للإجهاض، ما يؤدى معه إلى تحرى القضاة لأسباب "البراءة".
في التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية "جريمة الإجهاض" أو ما يعرف بإسقاط الحوامل في الدول العربية، بعد إلغاء المحكمة الأمريكية الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض وكيفية مواجهة كل دولة على حده لتلك الظاهرة التي تنصب بشكل رئيسي على روح الجنين، وذلك في الوقت الذي يكون فيه الإجهاض مطلوبا أحيانا لإنقاذ الأم أو لإنقاذ الطفل، ولكن في الجانب الآخر فالقوانين العربية تعتبرها جريمة شنعاء تعاقب عليها – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض رجب السيد قاسم.
أركان الجريمة
في البداية – يجب أن نعلم أن لكل جريمة ركنيها المادي والمعنوي، وكذا الركن الثالث وهو الركن "المفترض"، والمراد بالركن المفترض هنا هو - وجود الحمل - حيث أن المرأة إذا لم تكن حاملاَ فلا وجود للجريمة ولو كان الفاعل يعتقد بأنها حامل فإن الحالة تكون طبقا للقواعد العامة شروعا بالإجهاض وهذا ما أخذ به المشرع الفرنسي في المادة 317 وهذا ما لم يفعله كل من المشرعان المصري والعراقي – وفقا لـ"قاسم".
بينما الركن المادي – يتمثل في حقيقة الأمر بفعل الإسقاط وأن تكون هناك نتيجة إجرامية متمثلة بإخراج الجنين إلى الخارج قبل موعده، آما إذا تصادف خروج الجنين حيا وقابلا للحياة واستخدم الفاعل الوسيلة المجهضة للقضاء عليه بعد ولادته عد فعله قتلا عمدا لا جريمة إجهاض، أما الركن المعنوي يتمثل في توافر - القصد الجنائي - الخاص فيها لكي تكتمل أركانها وشروطها حيث يجب توافر كل من العلم والارادة وأن يكون العلم معاصرا لفعل الاسقاط – الكلام لـ"قاسم".
موقف المشرع المصري من جريمة الإجهاض
وبالنسبة لموقف المشرع المصري من جريمة إسقاط الحامل، فيعتبر من أول المشرعين في المنطقة العربية الذين تصدوا لتلك الظاهرة من خلال المادة 260 من قانون العقوبات والتي تنص على: "أنه كل من أسقط عمدا امرأة حبلى بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء يعاقب بالسجن المشدد"، حيث تشير بشكل مباشر إلى وقوع الجريمة بإعطاء المرأة الحبلى أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى حدوث الإجهاض، وذلك من خلال استخدام المشرع في المادة كلمة "عمدا".
وكذلك فإن المادة 262 التي تشير إلى إجهاض الحامل لنفسها أو برضائها بأن يقوم الغير بإجهاضها، وسياق الألفاظ في تلك المادة تشير إلى توافر الإرادة المؤثمة لدى المرأة إذ أنها تعلم بماهية السلوك الذي تقوم به أو يقوم به الغير وترضى بذلك وتتجه إرادتها إلى تحقيق الجريمة وتحقيق نتيجة معينة وهي إنهاء الحمل قبل الأوان.
أركان مهمة لجريمة الإجهاض لدى المشرع المصري
المشرع المصري يعتبر وجود الحمل ركنا أساسياَ من أركان جريمة "إسقاط الحامل"، وإلى جوار ذلك يجب أن يعلم الجاني بوجود ذلك الحمل، وأن من شأن سلوكه إحداث الإجهاض وأن تتجه إرادته إلى إنهاء الحمل قبل الأوان وإلا فلا قيام لجريمة الإجهاض، ونظم القانون المصري الإجهاض بالمواد 260 وحتى 263 تنظيم وافيا، فهى قد تكون جنحة حين تقرر الحبلى بنفسها أو برضاها تناول ما يعمل على إجهاضها أو بمساعده غيرها ولو بالإرشاد عن وسيلة للإجهاض، تعد من الفاعلين الأصليين فى الجريمة، وتكون العقوبة الحبس من 24 ساعة إلى 3 سنوات طبقا لنص المادة 261 عقوبات، التي تنص على:
"كل من أسقط عمدًا امرأة حبلى بإعطائها أدوية، أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك، أو بدلالتها عليها، سواء كان برضاها أم لا، يعاقب بالحبس، لكن إذا اقترن الإجهاض بالعنف أو كان الجانى طبيبا أو قابلة، تتحول الجريمة إلى جناية عقوبتها السجن المشدد بين حديه 3 و15 سنة، ولا عقاب على الشروع فى الإجهاض، لعدم تجريم ذلك قانونا، ويكون مباحا الإجهاض فى حالة وحيدة، إذا كان الحمل خطرا على حياة الأم، فحياتها أولى بالرعاية من حياة الجنين".
موقف المشرع العماني من جريمة الإجهاض
أما موقف المشرع الخليجي وعلى رأسهم المشرع العماني في جريمة إسقاط الحامل، فقد صدر قانون الجزاء العماني الجديد بتاريخ 14 يناير 2018 م بالمرسوم السلطاني رقم 7 لسنة 2018 م وقد ورد في الفصل الثاني من الباب التاسع منه تحت عنوان: "الجرائم التي تمس حياة الانسان وسلامته" ما يلي:
نصت المادة 315 على: "تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 3 سنوات كل امرأة اجهضت نفسها عمدا بأي وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها، وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن عشرة أيام ولا تزيد على ثلاثة أشهر إذا اجهضت المرأة نفسها أو مكنت غيرها من ذلك اتقاء للعار"، كما ورد بالمادة 316 من ذات القانون يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد علي ثلاث سنوات كل من أقدم بأي وسيلة كانت علي اجهاض امرأة برضاها وتكون العقوبة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد علي خمس سنوات إذا كان الجاني أحد مزاولي المهن الطبية".
كما ورد بالمادة 317: "يعاقب بالسجن مددة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7 سنوات كل من أجهض امرأة برضاها وأفضي الاجهاض إلى وفاتها، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات إذا وقع الاجهاض برضاها من أحد مزاولي المهن الطبية وأفضي الي وفاتها، ونصت المادة 320: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سته أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة ريال عماني ولا تزيد على خمسمائة ريال عماني كل من هيأ أو أدار مكانا للإجهاض أو صنع أو باع أو حاز أو أحرز بقصد البيع أو روج أدوية أو مواد أو اي وسيلة معده للإجهاض او سهل استعمال ذلك وذلك في غير الاحوال المصرح بها قانونا ".
موقف المشرع العراقي من جريمة الإجهاض
أما المشرع العراقي فقد نص في المادة 417 على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنة واحدة وبغرامة لا تزيد على مئة دينار كل امرأة أجهضت نفسها عمدا بأية وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها، وكذلك تفرض العقوبة نفسها على كل من أجهض امرأة عمدا برضاها، وترتفع العقوبة إلى السجن لمدة لا تزيد على 7 سنوات إذا أدى الاجهاض أو الوسيلة التي أدت إلى حدوثه إلى موت المجني عليها.
تغليظ العقوبة في العراق للسجن 15 سنة
ووفقا لما أقره المشرع العراقي في المادة 418 فقد ارتفع بالعقوبة إلى السجن مدة لا تزيد على خمسة عشر سنة إذا أفضى الإجهاض إلى موت المجني عليها، كما ورد بنص المادة 417/4 أن اعتبار إجهاض الأم لنفسها أو إجهاض أحد أقربائها لها من الدرجة الثانية إذا كان سبب الاسقاط اتقاءا للعار اعتبره ظرفا قضائيا مخففا.
موقف المشرع الأردني من جريمة الإجهاض
أما المشرع في منطقة الشام وعلى رأسهم المشرع الأردني، فإنه على الرغم من كونه يستمد بعض مفاهيمه التشريعية من القانون الانجليزي، إلا أنه لم يأخذ بوضع حدود واضحة كما في التشريع الانجليزي ومع ذلك يتفق المشرع الأردني مع المشرع المصري في جواز اباحة التضحية بحياة الجنين انقاذا لحياة الحامل إذا كان في بقاء حملها ضررا يلحق بها.
موقف المشرع اللبناني من جريمة الإجهاض
أما المشرع اللبناني في منطقة الشام، فقد كان له رأياَ أخر يختلف عن المشرع الأردني – فوفقاَ للمادة 541 من قانون العقوبات اللبناني: "كل امرأة تطرح نفسها مجرمة، فهي تعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات"، وشددت العقوبة بالمادة 542 من سنة إلى ثلاثة بحق من أقدم على تطريح – إجهاض - امرأة برضاها، أما المادة 543 فقد نصت على حكم من سبب عن قصد تطريح امرأة دون رضاها بالأشغال الشاقة 5 سنوات على الأقل.
وحسب المادة 542: يُعاقب بالأشغال الشاقة من 4 إلى 7 سنوات ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات في المادة 543، كما يعاقب حتى من يعمل على نشر وسائل الإجهاض أو توزيعها أو تسهيل استعمالها، وكذلك من يبيع أو يعرض للبيع تلك الوسائل بالحبس والغرامة وفق المادتين 539 و540، ويغلب الجانب الاجتماعي على المادة 543 حيث تستفيد من عذر مخفف ليس فقط المرأة التي تطرح نفسها محافظة على شرفها، بل أيضاً من يقدم على ذلك حفاظاً على شرف أحد فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية حتى لو قام بالإجهاض قصداً ومن دون رضاها.
موقف المشرع التونسي من جريمة الإجهاض
الفصل 214 من المجلة الجزائية يُجيز قطع الحمل عمدا "الإجهاض" في حالتين:
أولا: إذا لم تتجاوز مدة الحمل الثلاثة أشهر الأولي.
ثانياَ: يرخص فيه بعد الثلاثة أشهر إذا يخشى من أن يتسبب تواصل الحمل في انهيار صحة الأم وفي كلا الحالتين لابد من القيام بعملية اسقاط الحمل بمستشفى أو مصحة مرخص لها.
بينما فيما عدا هذين الاستثنائيين يمنع القانون تولي الاجهاض أو محاولة إسقاط الحمل ولو برضاء الحامل نفسها ويعاقب القانون استعمال جميع الوسائل من اطعمة ومشروبات وأدوية او وسائل أخري، لإسقاط الحمل ويعاقب بالسجن وبالخطية أو إحدى العقوبتين الأم المعنية بالأمر ومن ساعدها أو اشار اليها بذلك.
فقد جاء بالفصل 214 من المجلة الجزائية: " كل من تولي أو حاول أن يتولى إسقاط حمل ظاهر أو محتمل بواسطة أطعمة أو مشروبات أو أدوية أو أية وسيلة أخري سواء كان ذلك برضا الحامل أو بدونه يعاقب بخمسة اعوام سجنا وخطية قدرها عشرة ألاف دينار أو بإحدى العقوبتين، وتعاقب بعامين سجنا وبخطية قدرها الفا دينار أو بإحدى العقوبتين المرأة التي اسقطت حملها أو حاولت ذلك أو رضيت باستعمال ما اشير به عليها أو وقع مدها به لهذا الغرض.
موقف المشرع السوداني من جريمة الإجهاض
الإجهاض في القانون الجنائي السوداني النافذ 1991م نظمتها المواد 135-136-138، حيث نصت المادة 135 على أنه:
1-يعد مرتكبا جريمة الاجهاض من يتسبب قصدا في اسقاط جنين لأمرأه إلا إذا حدث الاسقاط في اي من الحالات الأتية:
أ-إذا كان الاسقاط ضروريا للحفاظ علي حياة الأم.
ب-إذا كان الحمل نتيجة لجريمة اغتصاب ولم يبلغ 90 يوما ورغبت المرأة في الاسقاط.
ج-إذا ثبت أن الجنين كان ميتا في بطن أمه.
2- من يرتكب جريمة الاجهاض يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز 3 سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا، وذلك دون مساس بالحق في الديه.