اختلفت آراء الفلاسفة والمصلحين والمشرعين ورجال الدين وغيرهم حول الإجهاض والموقف حياله ما بين مؤيد ومعارض، ولكل منهم حجته، ويرى المؤيدون أن في الإجهاض مخرجاً لتفادي الانفجار السكاني، وأنه يخفف عن المرأة متاعب الحياة، ويوفر لها القدرة على الانصراف إلى عملها، والحرية التامة في اختيارها للأمومة، فضلا عن استحالة منع عمليات الإجهاض مطلقاً، كما أن مثل هذه العمليات قد تتم بعيداً عن رقابة القانون.
أما معارضو الإجهاض فيقولون إن الجنين كائن حي، والإجهاض قتل نفس بريئة، وإن إباحته ستؤدي إلى شيوع الفاحشة، وإن نتائجه تبقى خطرة على الصحة والسلامة مهما تقدم الطب وفن المداواة، فضلاً عن أنه يقوض بنيان الجماعة ويقلل من المواليد، ويقلل بالتالي من الأيدي المنتجة ما ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للمجتمع، وانطلاقاً من هذه الحجج والأسانيد بنيت مواقف الشرائع من الإجهاض على مر التاريخ.
تجريم اجهاض المرأة لنفسها بين التأويل والتطبيق
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء حول إشكالية تجريم اجهاض المرأة لنفسها، وذلك في الوقت الذى لا يتحدثن فيه النساء عن خضوعهن له أو تمني الخضوع له، ورجال الدين يتأرجحون بين حرمانيته القاطعة أو السماح المشروط به، والمجتمع ينظر إليه متوجساً متهيباً، وأغلب الصغار المودعين في دور الرعاية هم أبناء وبنات أمهات تعذر خضوعهن، لكن يطلق عليهم "أيتام" حفاظاً على مشاعر المجتمع، كل ذلك لا يعني أن الإجهاض ليس موجوداً في مجتمعات تخشى التطرق إليه، فما بالك مناقشة قواعده وقبول الرأي والرأي غير المتطابق؟ ولكن هذه المرة نتناول الأمر من الناحية القانونية – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - الإجهاض أو إسقاط الحوامل في القانون المصري يعد من جرائم الاعتداء على الحق في الحياة، إذ غالبًا ما يكون المقصود به إنهاء حق الجنين في الحياة المستقبلية، وقد خصص له المشرع المصري بابًا مستقلاً في قانون العقوبات هو الباب الثالث، وعنوانه إسقاط الحوامل وصنع وبيع الأشربة والجواهر المغشوشة المضرة بالصحة، ولم يضع المشرع تعريفًا محددًا لإسقاط الحوامل "الإجهاض"، وإنما اكتفى بتحديد صوره والعقوبات المقررة لكل صورة منه، وجريمة الإجهاض من الجرائم كثيرة الحدوث في الحياة – وفقا لـ"فاروق".
القاعدة لا يجوز إنزال الجنين أبدًا إلا إذا تحقق ضرر على أمه بالتقرير الطبي
والقاعدة أنه لا يجوز إنزال الجنين أبدًا إلا إذا تحقق ضرر على أمه بالتقرير الطبي من قبل ثلاثة أطباء استشاريين ثقات عدول بأن فى بقاء الجنين خطورة على حياة الأم، ويصبح إسقاطه من باب الضرورة التى لا تندفع إلا بنزوله، والاجهاض جريمة من الجرائم المادية لا الشكلية لأن الضرر الناتج عنها يصيب كائنًا حَيًّا حتى وإن كان جنينًا لم يخرج بعد إلى نور الحياة، ولكن إذا تم قتل جنين كان قد انفصل عن الرحم وأخذ طريقه في الخروج اعتبرت الواقعة جريمة قتل لا جريمة إجهاض – الكلام لـ"فاروق".
فالحدث المجرّد الذي تتكون به الجريمة هو القضاء على جنين داخل الرحم أو القضاء عليه بفصله من الرحم قبل الأوان الطبيعي للولادة، ولا يعاقب القانون المصري على الشروع في الإجهاض على الرغم من أنه متصور الحدوث، كما أن الاشتراك في الإجهاض ممكن كذلك بأساليب الاتفاق أو التحريض أو المساعدة التي لا تنصبّ على جسد الحامل وإلا اعتبر الجاني فاعلاً أصيلاً لا مجرد شريك حتى يمكن القول بوقوع الإجهاض فإنه لا بد من وجود جنين يقع اعتداء على حقه في الحياة المستقبلية؛ فهو ركنًا مفترضًا لا تقوم بدونه جريمة الإجهاض، ويتم الفعل بإخراجه حَيًّا قبل موعد ولادته وهو ما يفضي في الغالب إلى وفاته، أو بقتله في الرحم وهو ما يقتضي إخراجه منه حفاظًا على حياة الحامل.
كيف يبدأ تكوني الجنين؟
ويبدأ وجود الجنين قانونًا بتلقيح الحيوان المنوي للرجل لبويضة المرأة وتكون هي بداية حياة الجنين التي تنتهي ببداية عملية الولادة، لذلك يتحدد مجال جريمة الإجهاض بالفترة بين الإخصاب وبداية عملية الولادة، فلا إجهاض قبل بدء عملية الإخصاب، ولا إجهاض بعد بداية عملية الولادة، وإنما يبدأ مجال الاعتداء على حياة الإنسان أو سلامة جسمه منذ بداية عملية الولادة، وتبدأ حماية حق الجنين في الحياة بدايةً من لحظة الإخصاب وحتى لحظة بداية الولادة دون اشتراط مرور فترة زمنية محددة على الإخصاب، وإذا استعملت وسائل لإخراج الحمل قبل أوانه، وأدت إلى وفاة الحامل مع بقاء الحمل في رحمها، فإنه لا تتحقق جريمة الإجهاض؛ وإنما تحقق جريمة ضرب أو جرح أو إعطاء مواد ضارة أفضت إلى الموت، أما إذا خرج الجنين وماتت الأم، تحققت جريمتا الإجهاض والضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة التي أفضت إلى الموت، وفي هذه الحالة يحكم بعقوبة الجريمة الأشدّ.
3 صور للإجهاض حددها المشرع
ولقد تناول المشرع المصري جريمة الإجهاض في المواد من 260 إلى 264 من قانون العقوبات، ويرد الفقه جريمة الإجهاض إلى ثلاثة صور:
الأولى: إجهاض الغير للمرأة الحامل عن طريق العنف.
والثانية: إجهاض الغير للحامل دون عنف.
والثالثة: إجهاض الحامل نفسها.
القانون خلا من تجريم اجهاض الحامل لنفسها رغم ذكره الجرم
ولا تثير الصورة الأولى والثانية ثمة مشاكل تذكر، وإنما يشتد الجدل حول مدى العقاب على الصورة الثالثة التي تعمد فيها الحامل على إتيان فعل الإجهاض من تلقاء نفسها على نفسها دون أن يحرضها أو يقترح أحد عليها ذلك، إذ خلت النصوص التي تناولت الإجهاض من نص صريح على العقاب في هذه الصورة الأخيرة، إذ كل ما جاء بنص المادة 262 عقوبات قولها رضيت "أي الحامل" بتعاطي الأدوية أو رضيت باستعمال الوسائل سالفة الذكر "وسائل الإجهاض" أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل، فعبارة النص دالة على افتراض عرضا من الغير على الحامل باستعمال وسائل الإجهاض وقبول الحامل ذلك، وكذا أن تمكن الحامل الغير من إتيان فعل الإجهاض على جسمها، ولهذا كان رضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة، طبقا للطعن المقيد برقم 1127 لسنة 40 قضائية – جلسة 27 ديسمبر 1970.
إشكالية مد العقاب لمن تجهض نفسها دون نص
ولكن إتيان الحامل فعل الإجهاض على نفسها وبمبادرة شخصية منها دون أن يحرضها أو يقترح عليها الإجهاض أحد غير منصوص عليه، فيكون بمنأى عن التأثيم، وهي نتيجة لم تغب عن بال معظم الفقهاء ولكنهم عمدوا إلى مخالفة صراحة النص، ومد العقاب إلى الحامل في هذه الحالة ارتكانا إلى حكمة النص المتمثلة في حماية الجنين، ولأن لفظ رضيت حسب التأويل الصحيح عندهم يشمل حالتي التقبل التلقائي لفعل الإسقاط وقبول عرض الغير.
ومذهب معظم الفقهاء لدينا غير سديد لمخالفته مبدأ الشرعية الجنائية، إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ومادام أن المشرع لا يعاقب الحامل التي تجهض نفسها من تلقاء نفسها فلا يسوغ للفقه مد العقاب إليها ارتكانا إلى حكمة التشريع وإلا خرج الفقه عن دورة في تفسير التشريع إلى سن التشريع وهو ما لا يصح ولو بدأ للفقه أن روح التشريع كانت تحتم التجريم لأن مهمة الفقه والقضاء الحكم بالقانون وليس الحكم على القانون.
المشرع المصري نقل المادة من القانون الفرنسي مبتورة
أما التشدق بعبارة "رفضت" ففي غير محله، لأن المشرع قصد بهذه العبارة بيان أن رضا الحامل بالإجهاض ليس مانعا من قيام الجريمة لما هو معلوم من أن رضاء صاحب الشأن في بعض الجرائم يعد سببا للإباحة، فضلا عن أن الرضا هو موافقة صاحب الحق أو إذنه للغير بالنيل من حقه والموافقة والأذن كلاهما يفترض عرض من الغير بأن يرتكبا الفعل ضده وليس بأن يرتكب هو ذاته الفعل على نفسه، وعلى أي حال حسبنا هنا أن نشير إلى أن المادة 262 مأخوذة من المادة 317 من قانون العقوبات الفرنسي القديم، وهي كانت تنص صراحة على عقاب المرأة التي تسقط نفسها والتي ترضى باستعمال الوسائل التي دلت عليها أو استعملت لها.
ولكن المشرع المصري عند نقله المادة الفرنسية إلى المادة 262 أسقط الفقرة الأولى التي تنص على عقاب المرأة التي تجهض نفسها وابقي الفقرة الثانية الخاصة بالرضا، وهذا الإسقاط من المشرع لا يخلوا من دلالة حاصلها استثناء المرأة التي تجهض نفسها من تلقاء نفسها من دائرة التجريم إشفاقا من المشرع على المرأة في هذه الحالة التي قد تكون مدفوعة بأسباب خاصة تدعوها إلى إجهاض نفسها ودون مشورة أو مساعده من أحد والذي غالبا ما يعقبه ألم وحسرة علي فقدان الجنين بما لا يصح معه إنزال العقاب بها في هذه الحالة.
وإذا كان المشرع عند وضع قانون العقوبات سنه 1939 ابقي النص كما كان عليه من قبل برفع العقاب عن المرأة في هذه الصورة لأسباب اجتماعية وإنسانية تتفق مع عصره وزمنه، وإذا كان هناك تطور طرأ على المجتمع في الوقت الراهن يقتضي تجريم هذه الصورة، فلا يجوز لي عنق النصوص للوصول إلى هذه النتيجة وخرق مبدأ الشرعية الجنائية، وإنما تكون بدعوة المشرع لتجريم سلوك المرأة التي تجهض نفسها من تلقاء نفسها بنص صريح.
تعريفات ومبادئ محكمة النقض للإجهاض
-ولقد عرفت محكمة النقض الإجهاض هو إخراج الجنين عمدا من رحم أنثى قبل الموعد الطبيعي لولادته أو قتله عمدا في الرحم، مما يوجب على حكم الإدانة أن يبين أن الجنين كان لا زال حيا قبل صدور فعل الإسقاط وأن هذا الفعل هو الذي أدى إلى الإسقاط.
-وأن الجاني تعمد إنهاء حمل المجني عليها قبل الأوان مع علمه بحملها.
-فلا تقع جريمة الإجهاض بالخطأ ولو كان جسيما.
-ولا يؤثر على قيام الجريمة أن يظل الحمل في رحم المجني عليها لوفاتها.
-إذ أن خروج الحمل من الرحم ليس ركنا من أركان الجريمة.
-ورضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة.
-وتتحقق جريمة الإسقاط طبقا لمذهب النقض في أي وقت من أوقات الحمل ولا محل لإباحة إسقاط الجنين الذي لم يتجاوز عمره 4 أشهر لأنه مجرد اجتهاد انقسم حوله رأى الفقهاء فضلا عن أن تحريم فعل الإسقاط يحول دون اعتباره مرتبطا بحق.