المتعارف عليه من الناحية القانونية، وطبقا لقواعد الاختصاص فإن المحكمة التي تنظر أول نزاع للزوجين هي التي تختص بأي نزاع يثور بعد ذلك، وبناء على ذلك يظل المتقاضين في إقامة الدعاوى أمام المحكمة التي نظرت أول نزاع وهو ما يُطلق عليه بالاختصاص المحلى، إلا أن هناك محكمة النقض المصرية وضعت مبدأ قضائيا في تلك الإشكالية قالت فيه أن دعاوى المتعة تخرج من هذا الإطار ولابد من رفعها أو إقامتها في محل إقامة الزوج وهو على غير المتعارف عليه، وذلك في الطعن المقيد برقم 355 لسنة 66 قضائية.
والمحكمة في ذلك الحكم قررت أن "المتعة" لا تعد من المسائل المتعلقة بالزوجية لكون أن سبب الحق فيها هو الطلاق اختصاص محكمة المدعى عليه وحده محليا بنظرها اعمالا للأصل المقرر في المادة 21 من لائحة المحاكم الشرعية التي رفعت الدعوى في ظلها، والأصل أن الاختصاص بنظر دعاوى الأحوال الشخصية يكون وفقاً لموطن المدعي عليه إلا أنه بالنسبة للدعاوى المقامة من الزوجة والأولاد والحاضنة والوالدين يكون لهم الخيار في اختيار المحكمة التي يقع فيها موطنهم أو موطن المدعي عليه في الدعاوى المذكورة على سبيل الحصر في المادة 15 من القانون رقم 1 لسنة 2000 على أن يكون الاختصاص المحلي منعقداً لأول محكمة أسرة أقيمت أمامها أول دعوى بين الزوجين مختصة بنظر جميع دعاوى الأحوال الشخصية التي قد نشب بين تلك الأسرة.
هل دعوي المتعة تخرج من قواعد الاختصاص المحلي المتعارف عليها؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بالإجابة على السؤال.. هل دعوي المتعة تخرج من قواعد الاختصاص المحلي المتعارف عليها؟ حيث أن الاختصاص المحلي يدل علي المحكمة صاحبت الاختصاص في نظر النزاع، فقد ينعقد الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن "محل الإقامة" المدعي أو موطن المدعي عليه، فهل تختلف قواعد الاختصاص المحلي في قوانين الاسرة؟ وهل كافة المنازعات الاسرية تخضع لقواعد الاختصاص المحلي؟ وهل تخضع دعوي المتعة للمادة 12 من القانون 10 لسنة 2004؟ ورأى محكمة النقض في تلك الأزمة، وغيرها من الأسئلة الشائكة – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض أحمد عبد القادر.
هل تختلف قواعد الاختصاص المحلي في قوانين الاسرة؟
في البداية - نظمت المادة 12 من القانون رقم 10 لسنة 2004 مسألة الاختصاص المحلي فيما يخص المنازعات الاسرية حيث قضت بأن المحكمة التي نظرت أول نزاع بين طرفي العلاقة الزوجية هي المحكمة المختصة بعد ذلك بنظر أي نزاع يثور بين الزوجين بعد ذلك، ومن ثم ينعقد الاختصاص المحلي للمحكمة التي نظرت لأول نزاع سواء كانت المحكمة التابع لها محل أقامة الزوج أو محل أقامة الزوجة – وفقا لـ"عبد القادر".
هل كافة المنازعات الاسرية تخضع لقواعد الاختصاص المحلي؟
طبقا للمادة 12 من القانون 10 لسنة 2004 فإن كافة النزاعات الناشئة عن العلاقة الزوجية أو المترتبة عليها تخضع لقواعد اختصاص واحدة، فقد نصت المادة سالفة البيان علي أن: "تكون محكمة الاسرة المختصة محليا بنظر أول دعوى ترفع إليها من أحد الزوجين مختصة محليا دون غيرها، بنظر جميع الدعاوى التي ترفع بعد ذلك من أيهما، أو تكون متعلقة أو مترتبة على الزواج أو الطلاق أو التطليق أو التفريق الجسمانى أو الفسخ، وكذلك دعاوى النفقات أو الأجور وما فى حكمها سواءً للزوجة أو للأولاد أو للأقارب، ودعاوى الحبس لامتناع المحكوم عليه عن تنفيذ الاحكام الصادرة بها، وحضانة الصغير وحفظة ورؤيته وضمه والانتقال به ومسكن حضانته، وجميع دعاوى الحوال الشخصية، وذلك كله مع سريان أحكام الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة (10 ) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية المشار إليه، وينشأ بقلم كتاب المحكمة المشار إليها، لدى رفع أول دعوى، وملف للأسرة تودع فيه أوراق هذه الدعوى، وأوراق جميع الدعاوى الاخرى التى ترفع بعد ذلك وتكون متعلقة بذات الاسرة" – الكلام لـ"عبد القادر".
هل تخضع دعوي المتعة للمادة 12 من القانون 10 لسنة 2004؟
تلك هي الإشكالية مثار الحديث، ولأول وهله عند طرح هذا السؤال ستكون الإجابة لدى السواد الأعظم من المتخصصين "تختص المحكمة التي نظرت أول نزاع بين الزوجين بنظر دعوي المتعة"، وتلك هي الإجابة المتعارف عليها والمتواترة، ولكن عند إعدادك لمذكرة في دعاوي نفقة المتعة، وعند البحث والتنقيب ستفاجأ أثناء الاطلاع والتحضير لكتابة المذكرة ستجد كما لمحكمة النقض يدور في فلك مغاير تمام لما هو متعارف عليه، بل أنه قد يثير مسألة أكبر بكثير ألا وهي مسألة تنازع القوانين هذا الحكم والصادر عام 2006 أي بعد اصدار القانون رقم 10 لسنة 2004، وهذا يعني أن المادة 12 من القانون التي تحدد الاختصاص المحلي كانت تحت بصر وبصيرة محكمة النقض عند القضاء بما قضي به .
الحكم الذي يحمل رقم 355 لسنة 66 قضائية والصادر بجلسة 25 فبراير 2006 يقضي بأن دعوي المتعة تخرج عن القواعد العامة في الاختصاص المحلي المنصوص عليها في المادة 12 من القانون 10 لسنة 2004، وينعقد الاختصاص بنظر تلك الدعوي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليها فقط حيث قضي هذا الحكم بأن: "المواد المتعلقة بالزوجية هي المواد التي تكون الزوجية فيها هي سبب الحق المدعي به، أما دعوي المتعة خروجها عن عداد المواد المتعلقة بالزوجية، وعلة ذلك أو سبب اختصاص محكمة المدعي عليه وحدة محليا بنظرها المادتان 21،34 من لائحة شرعية"، ومن ثم فإن الدفع بعدم اختصاص المحكمة محليا إذا ما أقيمت دعوي المتعة أمام المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي "المطلقة" هو دفع جوهري يجب الانتباه إليه واثارته امام المحكمة.
رأى محكمة النقض في الأزمة
وقد مهدت محكمة النقض قضائها في هذا الحكم بأن: وحيث إن ما ينعاه الطاعن علي الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة المحلة الكبرى الابتدائية محليا بنظر الدعوي علي سند من نص المادة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية باعتبار المتعة متعلقة بالزواج وتختص بها محكمة موطن أي من المدعي أو المدعي عليه في حين إنها تعويض مالي يتعلق بالطلاق والاختصاص بها معقودا للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي في محله - ذلك أنه لما كان مفاد نص المادة 24 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أن للمدعية إذا كانت زوجه أو أما أو حاضنة أن ترفع دعواها أمام المحكمة التي يقع بدائرتها محل أقامتها أو محل اقامة المدعي عليه وذلك في المواد التي أوردها النص المذكور ومن بينها المواد المتعلقة بالزوجية، وكان المقصود بهذه المواد تلك التي تكون الزوجية فيها سبب الحق المدعي به أما سبب الحق في المتعة هو الطلاق المنصوص عليه في المادة 18 مكرر من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمضافة بالقانون 100 لسنة 1985، فان المتعة تخرج عن عداد المواد المتعلقة بالزوجية الواردة في نص اللائحة المذكورة.
لما كان ذلك - وكان الاصل المقرر في المادة 21 من اللائحة التي رفعت الدعوي في ظلها هو أن الدعوي ترفع أمام المحكمة التب في دائرتها محل أقامة المدعي عليه، فان الاختصاص المحلي في دعوي المتعة يكون معقودا لمحكمة المدعي عليه وحدة متي كان له محل إقامة......إلخ".
وفى الأخير – الأهم من ذلك والأهم من القاعدة التي أرثاها ذلك الحكم وما أسترعي انتباهي هل مسألة تنازع القوانين تلوح بين المادة 21 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي أستند إليها الحكم، وما بين المادة 12 من القانون 10 لسنة 2004 والتي حددت الاختصاص سواء في دعاوي الزوجية أو الدعاوي الناتجة عن إنهاء الزواج بان الاختصاص المحلي ينعقد للمحكمة التي تنظر أو نزاع، وهل مازالت تلك اللائحة الصادرة بموجب القانون رقم 78 لسنة 1931 معمول بها أسئلة كثيرة قد يثيرها هذا الحكم في عقلي تحتاج لإجابه.