من المعلوم من الناحية القانونية أن - عقد الإيجار - من الأمور الجوهرية والخطيرة التى تشغل بال ملايين الملاك والمستأجرين، وذلك لأنه يحدد العلاقة الايجارية بين الطرفين، فقد جعل المشرع المدنى من مسألة تسجيل المدة فى "عقد الإيجار" من الأركان الأساسية له حسبما نصت المادة 558 من القانون المدني: "عقد الإيجار هو عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم".
إلا أن هناك أمراَ فى غاية الخطورة غير مسألة – عقد الايجار – تجاهلها يؤدى إلى مزيد من المتاعب بين المؤجر والمستأجر، ألا وهى مسألة تصديق عقد الإيجار فى الشهر العقارى بـ "الصيغة التنفيذية"، التى تتمثل أهميتها فى توفير وقت وجهد ورسوم فى إخلاء المستأجر عقب انتهاء مدة عقد الإيجار، وتجنب الألاعيب التى من الممكن أن يقدم عليها "المستأجر"، ما يطرح معه سؤالا فى غاية الأهمية يتمثل في.. هل يعطى عقد الايجار قوة السند التنفيذي؟.
هل يعطى عقد الايجار قوة السند التنفيذى؟
فى التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على شروط اعطاء عقد الايجار قوة السند التنفيذى، وذلك فى الوقت الذى ترجع فيه أهمية الصيغة التنفيذية أو السند التنفيذى باعتباره مستند يجب أن تتوافر فيه شروط شكلية معينة لعل أهمها على الاطلاق هو ما أسمته المادة "280/3" مرافعات "بصيغة التنفيذ"، والصيغة التنفيذية مجرد أمر صادر من الدولة إلى الجهة المنوط بها التنفيذ بالمبادرة باتخاذ إجراءاته وإلى السلطات المختصة بالمعونة على التنفيذ ولو باستعمال القوة متى طلب منهم ذلك – بحسب الخبير القانونى والمحامى معتز فتحى المهدى.
فى البداية - سعيا من المشرع المصرى للحفاظ على الثقة فيما بين المستأجر والمؤجر الذى يحكمهما عقد إيجار خاضع للقانون المدنى - ولا سيما لو كانت مدة العقد قصيرة نسبيا - جاء القانون رقم 137 لسنة 2006 ليعطى كلا من طرفى العلاقة الايجارية الحق فى إعطاء عقد الإيجار المحرر بينهما قوة السند التنفيذى بحيث يتمكن أى منهما تنفيذ بنود عقد الإيجار، كما لو أنه حصل على حكم قضائى بمضمون العقد - ومثال ذلك - إعطاء المؤجر الحق فى طلب تقرير فسخ عقد الإيجار مع تسليم العين المؤجرة فى حالة مخالفة المستأجر لأى التزام واقع عليه كالالتزام بسداد الأجرة فى مواعيدها، أو الالتزام بالمحافظة على العين المؤجرة واستعمالها فيما تم الاتفاق عليه - وفقا لـ"المهدى".
3 شروط حددها المشرع لتنفيذ الطرد بالعقد دون اللجوء لحكم قضائى
وكذلك عند انتهاء مدة عقد الإيجار للمؤجر أن يطلب إخلاء المستأجر من العين المؤجرة، فله وقتها بدلا من إقامة دعوى قضائية بثبوت انتهاء العقد وتسليم العين أن يلجأ لإدارة التنفيذ بالمحكمة الابتدائية المنصوص عليها فى قانون المرافعات والتابع لها العقار الكائن به عين التداعى ومعه أصل عقد الإيجار المشتمل على الصيغة التنفيذية بطلب الإخلاء والتسليم، حسب ما هو مدون بالعقد وبعد مراعاة القواعد المقررة قانونا عند تنفيذ الأحكام المنصوص عليها فى قانون المرافعات، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون الرقيم 4 لسنة 1996: "يكون للمحررات المثبتة لهذه العلاقة الايجارية وشروطها، وانتهائها قوة السند التنفيذى بعد توثيقها بحضور أطرافها" – الكلام لـ"المهدى".
ونخلص من تلك المادة أنه يمكن أن يعطى لعقد الايجار قوة السند التنفيذى، ولكن هناك عدة شروط وضوابط لإعطاء عقد الايجار قوة السند التنفيذي:
1- وجود محرر مثبت للعلاقة الايجارية بالكتابة
أول شروط إعطاء عقد الإيجار قوة السند التنفيذى أن يكون هناك محرر مثبت للعلاقة الايجارية وشروطها وانتهائها فيتعين أن تكون العلاقة الايجارية ثابتة بالكتابة، فلا يصح أن تكون شفوية، ويتلاحظ أن النص قرر لفظا "المحررات المثبتة للعلاقة الايجارية"، ولم يقل عقود الإيجار، مما مفاده أن النص ينطبق على أى محرر يكون مثبت للعلاقة الايجارية حتى ولو كان تحت مسمى عقد اتفاق.
كما يتعين أن يتضمن المحرر المثبت للعلاقة الايجارية شروط وأحكام عقد الإيجار المقررة فى القانون المدنى وتحديد الالتزامات الواقعة على كل طرف وحقوق كل طرف تجاه الآخر وتاريخ انتهاء العلاقة الايجارية والآثار المترتبة على إخلال أى من طرفى العلاقة الإيجارية لأى التزام واقع عليه، فيجب فى المحرر أن يتضمن البيانات الأساسية لعقد الإيجار من حيث وجود محل للعقد ومدة وأجرة وتراضى خالى من العيوب.
كما يتعين أن يكون المحرر المثبت للعلاقة الايجارية محددا للالتزامات الواقعة على كل طرف وأن يكون مشتمل على الآثار المترتبة عليها فى حاله مخالفتها وأن تكون تلك الآثار مما يجوز تنفيذها جبرا بمعنى أنه يتعين أن ما يتضمنه عقد الإيجار من التزامات، مما يمكن اقتضاؤه جبراً مما يجعل لها بهذه المثابة قوة تنفيذية تجيز لصاحب الحق الثابت فيها أن ينفذها بموجب العقد المتضمن الصيغة التنفيذية دون حاجة للالتجاء إلى القضاء بإقامة دعوى موضوعية.
2- أن يتم توثيق المحرر المثبت للعلاقة الايجارية بالشهر العقاري
أن يتم توثيق المحرر المثبت للعلاقة الايجارية بالشهر العقارى، حيث أن المادة "11" من قانون الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 تنص على: "يجب تسجيل الإيجارات والسندات التى ترد على منفعة العقار إذا زادت مدتها على تسع سنوات والمخالصات والجوالات من…ويترتب على عدم تسجليها أنها لا تكون نافذة فى حق الغير فيما زاد على مدة تسع سنوات بالنسبة إلى الاجارات والسندات".
كما نصت المادة 12 مكرر 1 من ذات القانون على: "لا يقبل إثبات تاريخ المحررات الواجب شهرها طبقاً للمواد السابقة"، كما نصت المادة 12 من قانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 على أنه: تقوم مكاتب التوثيق بوضع الصيغة التنفيذية على صور المحررات الرسمية الواجبة التنفيذ، وإثبات تاريخ المحررات.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الأزمة فى الطعن المقيد برقم 4465 لسنة 61 قضائية الصادر بجلسة 9 يوليو 1995، حيث ذكرت فى حيثيات حكمها أن النص فى المادة 115 من قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1976 مؤداه أن عقد الإيجار إذا كان وارداً على عقار و كانت مدته تزيد على 9 سنوات فإنه يجب لنفاذه فى حق الغير فيما زاد على هذه المدة أن يكون مسجلاً وفقاً لإجراءات وقواعد التسجيل التى انتظمتها نصوص هذا القانون ومن ثم لا يكفى لنفاذ مدته الزائدة عن هذا الحد فى حق الغير أن يكون ثابت التاريخ بحجة أن هذا المقصود من التسجيل أو الاهتداء بحكمة التشريع متى كانت نصوص القانون واضحة جلية بالبحث عن قصد الشارع أو حكمة التشريع و دواعيه لا يكون له محل إنما يكون ذلك عند غموض النص أو وجود لبس فيه مما يكون معه القاضى مضطراً فى سبيل تعرف الحكم الصحيح إلى تقصى الغرض الذى رمى إليه والقصد الذى أملاه".
وعلى ضوء ذلك يتعين أن يكون عقد الإيجار ثابت التاريخ وفقاً لأحكام قانون الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 وقانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 ولس وفقاً لنص المادة 15 من قانون الإثبات، ومن ثم فإنه يشترط لإثبات تاريخ عقد الإيجار أن يكون مدته لا تزيد عن تسع سنوات وإلا امتنع الموثق عن إجراء إثبات تاريخه وتوثيقه إعمالا للمادة 11 و12 مكررا من القانون 114 لسنة 1946.
أما إذا زادت مدة عقد الإيجار عن تسع سنوات فإن النص لن يطبق لأن عقود الإيجار التى تزيد مدتها عن تسع سنوات يتم تسجيلها ولا يجوز إثبات تاريخها كما قررت المادة 12 مكرر من القانون رقم 114 لسنة 1946 ومن ثم لا يستفيد عقد الإيجار الزائد مدته عن 9 سنوات من نص القانون رقم 137 لسنة 2006، ونرى أن ذلك هو قصد المشرع فى القانون رقم 137 لسنة 2006، هو حماية عقود الإيجار محددة المدة بمدد قصيرة فأسبع لها نص خاص يحميها من بيروقراطية إجراءات التقاضى وبطء التقاضى فأعطاها قوة السند التنفيذي.
وعلى هذا لا يجوز إعمال القانون رقم 137 لسنة 2006 على عقود الإيجار التى تزيد مدتها عن 9 سنوات لأن مثل تلك العقود يتعين لنفاذها فى مواجهة الغير أن يتم تسجيلها وهو ما أكده المشرع فى قوله: "بعد توثيقها ولم يقل تسجيلها أو شهرها".
3- أن يكون إثبات تاريخ عقد الإيجار بمعرفة جميع أطراف العلاقة الايجارية مجتمعين
يتعين أن يقوم بتوثيق وإثبات تاريخ عقد الإيجار كلاً من المؤجر والمستأجر معاً وبوجودهما سوياً فلا يكفى أحدهما فى ظل غياب الآخر بل يتعين أن يكون الطرفين متواجدين سوياً وفقاً لما قرره النص، وحكمة المشرع المصرى من هذا أن وجود طرفى العلاقة الايجارية أمام الموثق أبان وخلال فترة توثيق وإثبات تاريخ عقد الإيجار و ما حواه من حقوق و التزامات، ليثبت ذلك صحة العقد ولا يجعل منه محلاً لثمة مطعن فيما بعد من أى من طرفيه فى مواجهة الآخر فى أى بند من بنود العقد و أى التزام واقع على أى طرف من أطراف العقد اللهم إلا الطعن بالتزوير فى صلب العقد .
كما أن توثيق وإثبات تاريخ العقد يجعله نافذاً فى مواجهة كلآ طرفيه وفى حق الغير أيضا ولا يستطيع أن يتحجج أحدهما فى مواجهة الآخر بإنكار أى بند من بنود العقد فيما بعد بل وفى حق الغير أيضا الذى قد ينتقل العقد إليه فيما بعد بموجب حوالة حق من أى من طرفى العقد أو بموجب أحكام الخلافة العامة، ويتلاحظ أن مسألة تواجد طرفى العقد يشمل جميع أفراده بمعنى لو كان أحد أطراف العقد أكثر من فرد، كما لو كان المستأجر فردين فيتعين تواجدهم جميعاً فإذا تخلف أحدهما وقت توثيق العقد يسقط الأثر النافذ للقانون رقم 137 لسنة 2006 بل على موثق الشهر العقارى الامتناع عن التوثيق.
وشرط أن يكون ثوثيق عقد الإيجار بوجود طرفيه لا يشترط أن يكون وقت تحرير العقد بل يجوز خلال فترة سريانه ولو تم تنفيذ جزء منه بالفعل، ويجب ألا تزيد مدة عقد الإيجار عن 9 سنوات وأن يتضمن عقد الإيجار عند توثيقه طلب إعطاء العقد الصيغة التنفيذية، حيث أن القانون رقم 137 لسنة 2006 قصد فى حمايته لعقد الإيجار أن يكون موثق وثابت التاريخ وإثبات تاريخ عقد الإيجار لا يكون إلا إذا قلت مدته عن تسع سنوات حسبما نصت المادتين رقمى 11 و12 مكرراً من قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946.
كذلك يتعين أن يشمل عقد الإيجار عند إثبات تاريخه وتوثيقه، على طلب الحصول على الصيغة التنفيذية حيث قررت المادة 3/280 من قانون المرافعات: "لا يجوز التنفيذ فى غير الأحوال المستثناة بنص فى القانون إلا بموجب صورة من السند التنفيذى عليها صيغة التنفيذ".
انتقال العلاقة الايحارية للغير بطريق الحوالة
وحالة التنازل عن عقد الايجار بطريق حوالة الحق والدين إذا كان العقد يسمح بذلك فإن العقد المثبت التاريخ - الموثق بالشهر العقارى والمزيل بالصيغة التنفيذية - ينتقل بكافة حقوقه للخلف العام والخلف الخاص، وإذا ما تنازل المستأجر عن عقد الإيجار - فى حالة عدم وجود شرط مانع - فإن أحكام العقد بما انطوى عليه من إسباغ عليه قوة السند التنفيذى تسرى فى مواجهة الخلف الخاص، كذلك الحال لو قام المؤجر بحوالة عقد الإيجار إلى الغير استفاد الغير من أحكام العقد بالحالة التى عليها.
تطورات جديدة وهامة سيشهدها ملف الإيجار القديم
يشار إلى أن هناك تطورات جديدة وهامة سيشهدها ملف الإيجار القديم، وذلك بعد اعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأى العام، بهدف إجراء حوار مجتمعى بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفى الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعى، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.
وتعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التى ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر فى الوقت الذى لاتزال تتوالى ردود الأفعال حول التعديلات المرجوة، الأمر الذى يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.