من المتوقع قريباً أن يستكمل المشرع ما ابتدئه من صدور القانون رقم 10 لسنة 2022 الخاص بتعديل قانون الإيجارات القديمة للأشخاص الاعتبارية أن يتفرغ إلى الأمر الأكثر تعقيداً وهو الجانب الخاص بالأشخاص الطبيعية، ولعل من أبرز ما تم مناقشته مؤخراً حول هذه الأزمة داخل أروقة مجلس النواب والتي نتابعها عن كثب مسألة حكم التأجير من الباطن في عقود الإيجار الخاضعة لأحكام القانون المدني وخضوع العقد للقانون المدني، وذلك في الوقت الذي يشهد فيه ملف الايجار القديم تطورات جديدة وهامة تحت قبة البرلمان من مناقشات واقتراحات، بعد اعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام.
ويأتي ذلك بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، وأيضا بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفى الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة، حيث تعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر فى الوقت الذى لا تزال تتوالى ردود الأفعال حول مشروع القانون، الأمر الذى يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.
عقود إيجار الأماكن ما بين القانونين القديم والجديد
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية حكم التأجير من الباطن في عقود الإيجار الخاضعة لأحكام القانون المدني وخضوع العقد للقانون المدني، وعقود إيجار الأماكن ما بين القانونين القديم والجديد، امتداد العقد وفقا لأحكام الدستورية، وذلك في الوقت الذى يحكم العلاقة الايجارية بين المؤجرين والمستأجرين قانونان، الأول يطلق عليه القانون القديم، والثاني يطلق عليه الجديد، ولتوضيح الفرق بين القانونين نؤكد أن الفرق بين جميع العقود التي تم إبرامها قبل 31 يناير1996- وهو تاريخ سريان القانون رقم 4 لسنة 1996- يطبق عليها قانون إيجار الاماكن، وهو ما يطلق عليه القانون القديم، أما العقود التي تم إبرامها بعد 30 يناير 1996 يطبق عليها القانون المدني وهو ما يطلق عليه القانون المدني – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض ميشيل إبراهيم حليم.
في البداية - أولا: بالنسبة لأحكام القانون القديم، القاعدة العامة تقول: إن عقود الايجار التي أبرمت فى ظل هذه القوانين وهى أرقام 121 لسنة 1947 و136 لسنة 1981- أن هذه العقود لا تنتهى بانتهاء مدتها إلا أن الأمر يختلف فى الأماكن السكنية عن الأماكن غير السكنية كالمحلات والمنشآت، فالنسبة للأماكن السكنية القاعدة الأن وبعد صدور الاحكام المتعاقبة للمحكمة الدستورية العليا، أن عقد الايجار يمتد بعد وفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين الى الزوجة والأولاد وأى من الوالدين بشرط أن يكون أى من هؤلاء مقيمين مع المستأجر الأصلي اقامة دائمة ومستقرة، حتى وفاته أو تركه العين – وفقا لـ""حليم".
امتداد العقد وفقا لأحكام الدستورية
إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت في 3 نوفمبر2002 في الطعن رقم 70 لسنة 18 قضائية دستورية، بعدم دستورية الامتداد المؤبد لعقد الايجار، ويعنى ذلك أنه اذا توفى المستأجر الأصلي قبل 14 نوفمبر 2002 وهو تاريخ نشر حكم الدستورية السابق الاشارة اليه، يمتد العقد للزوجة والأولاد والوالدين، ويعتبرون مستأجرين أصليين، فإذا توفى أحدهم يمتد عقد الايجار إلى الزوجة والأولاد والوالدين، أما إذا توفى المستأجر الأصلي بعد 14 نوفمبر 2002 فأن عقد الايجار يمتد مرة واحدة فقط، وينتهى بوفاة من أمتد اليه العقد ولا يمتد للحفيد – الكلام لـ"حليم".
الأماكن غير السكنية
أما بالنسبة للأماكن غير السكنية فإنه يحكمها القانون رقم 6 لسنة 1997 والذى قصر امتداد عقد الايجار فى العين المؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعي أو مهني أو حرفي على الأزواج والأقارب حتى الدرجة الثانية فقط، بشرط استعمال العين في ذات النشاط الذى كان يمارسه المستأجر الأصلي، طبقا للعقد سواء كانوا ذكورا أو اناثا، قصر أم بالغين، ويستوى في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بواسطة نائب عنهم، واعتبارا من 27 مارس 1997، وهو اليوم التالي لنشر القانون رقم 6 لسنة 1997 إذا توفى من امتد اليه العقد في هذا التاريخ وما بعده فالعقد لا يمتد الى ورثته وهم الجيل الثاني للمستأجر الأصلي – هكذا يقول "حليم".
القانون الجديد وعلاقته بتراضى الطرفين
ثانيا: بالنسبة لأحكام القانون الجديد وهو رقم 4 لسنة 1996 فان العقود التي تم أبرامها بعد 30 يناير 1996- تطبق عليها أحكام القانون المدني وتحكمها قاعدة، أن العقد شريعة المتعاقدين، بمعنى أن يلتزم المؤجر والمستأجر بما اتفقا عليه في عقد الايجار، من حيث المدة والأجرة وبجميع الشروط الواردة في العقد، ويكون لعقد الايجار قوة السند التنفيذي إذا تم توثيقه، بحضور طرفيه بمعنى أنه يتم التنفيذ بموجب هذا العقد الموثق دون حاجة الى رفع دعوى قضائية لتنفيذ بنود التعاقد، وقد ورد هذا التعديل بموجب القانون رقم 137 لسنة 2006 - والذى نشر في الجريدة الرسمية في 11 يونية 2006، ويعمل به اعتبارا من 12 يونيه 2006 أي من اليوم التالي لنشره.
حكم التأجير من الباطن في عقود الإيجار الخاضعة لأحكام القانون المدني
أما عن حكم التأجير من الباطن في عقود الإيجار الخاضعة لأحكام القانون المدني وخضوع العقد للقانون المدني – يقول "حليم" - اعتباراً من 31 يناير 1996 تخضع عقود إيجار الأماكن الخالية - أو التي انتهت أو تنتهي عقود إيجارها - لأحكام القانون المدني وليس لأحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية طبقاً للقانون رقم 4 لسنة 1996، والعلاقة الايجارية الثابتة بموجب قائمة شروط دخول مزاد التأجير الموقع عليها من المستأجر، والمؤرخة في "......"، وبالتالي تخضع لأحكام القانون المدني دون سواه، قد خلت من أي شرط يحظر على المستأجر تأجير العين المؤجرة له من الباطن.
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "يجب على المتزايدين أن يوقعوا على قائمة شروط البيع بالمزاد قبل دخولهم فيه، وكان التقدم بالعطاء ليس إلا إيجاباً من صاحب هذا العطاء وفق شروط المزاد الذي قبل دخوله على أساسها، وكان الحكم المطعون فيه قد أنتهي في حدود سلطته التقديرية وبأسباب سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها إلى أن الطاعن تقدم بعطائه في المزاد وهو عالم وموافق على شروطه دون اعتراض منه عليها وأنه لا يقبل منه بعد ذلك القول بانعقاد العقد وفق شروط أخرى"، طبقا للطعن رقم 1699 لسنة 48 قضائية.
حكم التأجير من الباطن في القانون المدني:
تنص المادة 593 من القانون المدني على أن: "للمستأجر حق التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن، وذلك عن كل ما أستأجره أو بعضه، ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك"، ويخلص من النص المتقدم الذكر أن كل مستأجر له الحق في التنازل عن الإيجار للغير وفي الإيجار من الباطن، ما لم يوجد شرط في العقد يمنعه من ذلك - هذا وقد جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "جرى التقنين المدني على أن حق المستأجر المتولد من عقد الإيجار في الانتفاع بالشيء المؤجر، بوصفه من الحقوق المالية، يقبل التعامل فيه سواء بالنزول عن إلى الغير كلاً أو جزءاً، مدة الإيجار كلها أو بعضها، بمقابل أو بدونه، أو بتأجيره إلى الغير (من الباطن) لقاء أجرة على ذات النحو المتقدم، وذلك ما نصت عليه صراحة المادة 593 من القانون المدني بقولها "للمستأجر حق التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن، وذلك عن كل ما أستأجره أو بعضه، ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك، دلالة على أن المنع من هذه التصرفات هو استثناء من الأصل لا يقوم إلا بالاتفاق عليه بين المؤجر والمستأجر"، وذلك طبقا للطعن رقم 225 لسنة 47 قضائية جلسة 20/1/1979.
هل الشرط المانع يجب أن يكون مذكورا صراحة في عقد الإيجار؟
ولكن لا يتحتم أن يكون الشرط المانع مذكوراً صراحة في عقد الإيجار، بل يجوز استخلاصه ضمناً من الظروف الملابسة، وقد كان المشروع التمهيدي لنص المادة 593 من القانون المدني يتضمن عبارة في هذا المعنى تجري على الوجه الآتي: "وقد يستفاد هذا الاتفاق من الظروف"، فحذفت هذه العبارة في لجنة مجلس الشيوخ "اكتفاء بالقواعد العامة"، فمثلاً: إذا أجر المؤجر العين لمستأجر لاعتبارات شخصية فيه، فلا يجوز للمستأجر هنا أن يؤجر من الباطن أو يتنازل عن الإيجار، حتى ولو لم يكن منصوصاً صراحة في عقد الإيجار على منعه من ذلك، لأن عقد إيجاره مبني على اعتبارات شخصية في المستأجر، وكذلك في "المزارعة" لا يجوز للمستأجر التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن إلا برضاء المؤجر - المادة 625 مدني - لأن المزارعة قد نظر فيها إلى شخص المزارع، علماً بأن هذا الاستثناء غير متحقق في حالتنا الماثلة لكون التأجير لم يراع فيه شخص المستأجر حيث تمت التأجير عن طريق المزاد العلني.
فروض في حالة وجود الشرط المانع في العقد:
وسواء كان الشرط المانع صريحاً أو ضمنياً "مستفاد من الظروف الملابسة"، فالقاعدة أن هذا المنع استثنائي فلا يجوز التوسع في تفسيره، ولا تقيد حرية المستأجر في التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن إلا بالقدر المنصوص عليه في العقد، ويترتب على ذلك ما يلي:
1- أنه يجوز للمستأجر – بالرغم من وجود الشرط المانع – أن يدخل معه شركاء في استغلال العين المؤجرة "تكوين شركة في العين المؤجرة" ما داموا غير مستأجرين من الباطن.
2- ولا يجوز للمؤجر أن يتعسف في التمسك بالشرط المانع، فإذا تعذر على المستأجر الانتفاع بالعين المؤجرة بنفسه، واضطر إلى إيجارها من الباطن أو التنازل عن إيجارها للغير، فلا يجوز للمؤجر أن يتمسك بالشرط المانع إذا لم يكن له أية مصلحة في تنفيذه، وإلا كان هذا تعسفاً منه في استعماله حقه.
3- ويجوز للمؤجر أن يتنازل عن الشرط المانع، صراحة أو ضمناً، ويعد من قبيل التنازل الضمني عن التمسك بالشرط المانع: قيام المؤجر الأصلي بقبول الأجرة مباشرة من المستأجر من الباطن وبدون أي تحفظ، أو أن يقوم المؤجر الأصلي بمطالبة المستأجر من الباطن بالأجرة مباشرة "ولو من أجل استيفاء دين أجرة مستحقة على المستأجر الأصلي"، أو حتى سكوته مدة طويلة دون اعتراض مع علمه اليقيني بقيام المستأجر الأصلي بتأجير العين المؤجرة للغير من الباطن، فإذا ما حصل التنازل من المؤجر عن الشرط المانع، صراحة أو ضمناً، لم يعد له حق بعد ذلك في أن يطلب فسخ الإجارة لهذا السبب.
رأي محكمة النقض في الأزمة
هذا، وقد قضت محكمة النقض بأنه: "المُقرر في قضاء هذه المحكمة أن مفاد المادتين 596 و 597 من القانون المدني أنه في الإيجار من الباطن تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي، فيطالب كل منهما الآخر بحقوقه بمقتضى هذا العقد، ويسرى على العلاقة بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن أحكام عقد الإيجار من الباطن ولا ينشئ هذا العقد الأخير علاقة مباشرة بين المستأجر من الباطن والمؤجر الأصلي إلا في شيء واحد هو الأجرة، فيكون المستأجر من الباطن ملزماً بأن يؤدى للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأصلي من الأجرة وقت إنذار المؤجر له عن المدة التي تلحق الإنذار على نحو ما فصلته المادة 597 من ذلك القانون، ولا ينشئ عقد الإيجار من الباطن علاقة مباشرة بين المؤجر الأصلي وبين المستأجر من الباطن إلا إذا قبل المؤجر الأصلي الإيجار من الباطن دون تحفظ أيضاً"، وذلك طبقا للطعن المقيد برقم 851 لسنة 43 قضائية – جلسة 15/6/1977.
حالات فسخ أو إنهاء العقد:
وهدياً بما تقدم، سيكون من الصعوبة بمكان توجيه دعوى فرعية بفسخ عقد الإيجار استناداً إلى قيام المستأجر بتأجير العين المؤجرة للغير من الباطن، وفي حالة توجيه مثل هذه الدعوى فلن تكون محتملة الكسب، ولكن إذا كانت الهيئة ترغب في فسخ العلاقة التعاقدية مع المستأجر، وفي حالة ما إذا كان المستأجر قد تأخر عن سداد أجرة العين المؤجرة، فيمكن للهيئة في هذه الحالة إنذاره بالسداد وفي حالة عدم السداد تعرض الأمر على لجان التوفيق في المنازعات طبقاً للقانون رقم 7 لسنة 2000، ومن ثم تقيم دعوى ضد المستأجر الأصلي في مواجهة المستأجر من الباطن بطلب فسخ عقد الإيجار الأصلي لعدم سداد الأجرة طبقاً للمبادئ العامة في القانون المدني.
وإذا رغبت الهيئة في إنهاء العقد، وفي حالة ما إذا كان العقد أو قائمة شروط دخول المزاد قد حددا مدة العقد، فينتهي العقد بانتهاء مدته دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار طبقاً لنص المادة 598 من القانون المدني، أما إذا كان العقد، أو قائمة شروط دخول مزاد التأجير، لم يحدد مدة معينة لعقد الإيجار، فتعتبر مدة العقد هي المدة المحددة لدفع الأجرة، فيحق للمؤجر إنذار المستأجر بانتهاء العقد مع مراعاة المواعيد المنصوص عليها في المادة 563 من القانون المدني، ثم تعرض الأمر على لجان التوفيق ثم تقيد الدعوى بالمحكمة المختصة، ويفضل في حالة إقامة الدعوى – خصوصاً دعوى الإنهاء – أن تقام مستقلة "ولها ملف تحت الرفع بالفعل"، وليس توجيه دعوى فرعية في الدعوى الأصلية المقامة من المستأجر الأصلي ضد المستأجر من الباطن لعدم سداده الأجرة، لوجود شبهة عدم الارتباط بينهما، مع ملاحظة أن إقامة الدعوى ستكون ضد المستأجر الأصلي وفي مواجهة المستأجر من الباطن، فالخصومة ستكون ضد الاثنين وليست لصالح أحدهما ضد الآخر. حيث أنه من المُقرر قانوناً أنه بانقضاء عقد الإيجار الأصلي ينقضي بقوة القانون عقد الإيجار من الباطن، وفي حالة صدور حكم للصالح وتنفيذه فالهيئة وشأنها في إعادة تأجير من جديد طبقاً للقواعد المتبعة في هيئة الأوقاف.