بالأمس الموافق 28 يونيو قضت محكمة جنايات المنصورة، بإحالة أوراق المتهم بقتل نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة، والتي قتلت غدرا على يد زميلها أمام بوابة مجمع كليات الجامعة، للمفتي لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه بتهمة القتل العمد، وحددت جلسة 6 يوليو للنطق بالحكم، الأمر الذي يجعلنا نتطرق إلى الرأي القانوني في مسألة الإحالة لفضيلة المفتى.
وقبيل النطق بالقرار وإحالة أوراق الطالب محمد عادل قاتل زميلته نيرة أشرف إلى فضيلة مفتي الجمهورية، وجه المستشار بهاء المري رئيس محكمة جنايات المنصورة كلمات مؤثرة للمجتمع والمتهم والآباء والأبناء، وقال في كلمته البليغة المؤثرة: "دنيا مقبلة بزخارفها وإنسان متكالب على مفاتنها. مادية سيطرت فاستلبت العقول وصار الإنسان آلة. يقين غاب وباطل بالزيف يحيا وتفاهات بالجهر تتواتر. وبيت غاب لسبب أو لآخر. والمؤنسات الغاليات صرن في نظر الموتورين سلعة والقوارير فواخير".
"إنسان متكالب على مفاتنها".. و"حب زائف مكذوب"
وتابع: "المرى" في كلمته: "نفس تدثرت برداء حب زائف مكذوب.. تأثرت بثقافة عصر اختلطت فيه المفاهيم .. الرغبة صارت حبا والقتل لأجله انتصارا والانتقام شجاعة وجرأة على قيم المجتمع تسمى حرية مكفولة ومن هذا الرحم ولد جنينا مشوها، ووقود الأمة صار حطبها.. اعقدوا محكمة صلح كبرى بين قوى الإنسان المتباينة لننمي فيه أجمل ما فيه.. أعيدوا النشء الملتوي إلى حظيرة الإنسانية".
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الرأى القانونى فى مسألة الإحالة لفضيلة المفتى، وطريقة التصديق على حكم الإعدام من قبل دار الإفتاء المصرية على قرار إحالة أوارق المتهم، لأخذ الرأى الشرعى فى الحكم الصادر من محكمة الجنايات، باعتبار إن الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، يبدى الرأى الشرعى فى هذه الوقائع خلال أيام، حيث إن تقرير المفتى يحسم القضية ليصبح التقرير مصيره مشفوعا بتأييد المفتي لحكم المحكمة أو برفضه بحسب الخبير القانوني والمحامى محمد الصادق.
الأسئلة الشائكة حول رأى المفتى فى قضايا الإعدام
في البداية – هناك بعض الأمور يجب توضيحها لغير المتخصصين في مسألة قرار الإحالة للمفتي من خلال الإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها: لماذا المحكمة تطلب رأي المفتي قبل الحكم بالإعدام؟ ستكون الإجابة من أجل أن يطمئن المحكوم عليه أن الحكم بإعدامه جاء مطابقا للشرع، كمان فيه اطمئنان أكثر للقضاة مصدرين الحكم – وفقا لـ"الصادق".
-هل رأي المفتي ملزم للمحكمة؟
لأ، رأي المفتي مجرد رأي استشاري، غير ملزم للمحكمة.
-هل يجب إجماع آراء إعضاء المحكمة في الإحالة للمفتي؟
لأ، أحكام النقض مستقرة أن الإجماع لازم قبل الحكم بالإعدام، إنما إحالة الأوراق للمفتي لا تستلزم إجماعا.
-لو المحكمة أحالت الأوراق للمفتي، وحددت جلسة للنطق بالحكم، ولم يصل رد المفتي قبل هذه الجلسة، هل المحكمة لازم تأجل القضية ولا ممكن تصدر حكمها بالإعدام؟
زي ما قولنا أن رأي المفتي استشاري، وبالتالي للمحكمة أن تصدر حكمها بالإعدام حتى لو لم يصل رأي المفتي.
- من الناحية العملية، هل فيه قضايا رأى المفتي جاء فيها بعدم الموافقة على الحكم بالإعدام؟
فعلا ده حصل، لكن في حالات نادرة جدا، تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، منهم مثلا، في سنة 1954 فيه أب قام بقتل طفليه، وذلك بإغراقهما في مياه البحر، والمحكمة أحالت أوراقه إلى فضيلة المفتي، والذي رأى عدم جواز الحكم بالإعدام على الأب، وذلك استنادا إلى أنه لا يُقتص من والد في قتل ولده، إذ أن الوالد سبب وجود الولد، وسبب إحيائه فلا يصح أن يكون الولد سببا في فنائه، وهو ما توافقت عليه النصوص الشرعية الواردة في كتب المذاهب، ولم يخالف فيه إلا الإمام مالك، لكن لأن رأي المفتي استشاري، فالمحكمة لم تلتزم به، وقضت بالإعدام – هكذا يقول "الصادق".
ماذا لو صدر حكم من محكمة الجنايات بالإعدام، هل هيتنفذ فورا؟
لأ طبعا، لسه في مرحلة الطعن بالنقض، ومحكمة النقض هتعمل حاجة من اتنين، إما أنها تؤيد الحكم بالإعدام، وهنا هيبقى الحكم نهائي بات، أو إنها تنقض الحكم بالإعدام، وتعاد المحاكمة من جديد، وعلى فكرة ليس هناك ما يمنع - قانونا - أن في إعادة المحاكمة يتم الحكم بالإعدام مرة أخرى.
الخبير القانونى والمحامى محمد صادق
رأى المفتي استشاري
وأما عن رأي المفتي في قضايا الإعدام يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد رشوان، أن رأيه استشاريا وليس ملزما بالنسبة للقاضي الذي يتخذ قراره بمنتهى الحرية على خلفية الرأي الشرعي الذي يصله من دار الإفتاء، إلا أن تلك الاستشارة لا تقلل من أهمية دوره، بل تميل المحكمة دائما إلى الأخذ برأيه، حتى يتضمن التقرير أسانيد شرعية واضحة خاصة بالحكم.
3 مراحل لدراسة الموقف الشرعي
ويضيف "رشوان" في تصريح لـ"برلماني": هناك 3 مراحل لأوراق الإعدام لدى المفتي تتضمن التالي: "مرحلة الإحالة - مرحلة الدراسة والتأصيل الشرعي - مرحلة التكييف الشرعي والقانوني"، والمحاكم المصرية فى حال إصدار حكماَ على متهماَ فى جناية معينة فإن منطوق الحكم ينص على إحالة أوراقه إلى المفتي، الذي يعد رأس مؤسسة الفتوى الرسمية في الدولة، ويتبع وزارة العدل.
تشكيل لجنة من رؤساء محاكم الاستئناف يرأسها المفتي
ويقول "رشوان": هذه اللجنة تتكون من 3 مستشارين من رؤساء محاكم الاستئناف، مختصين بقضايا الإعدام وبرئاسة المفتي نفسه، وفي اجتماعها يتم التحقق من مدى مواءنها بالسجل الخاص بالجنايات، ويرفق التقرير الخاص بملف القضية بعد الانتهاء من إعداده، بظرف مغلق ومختوم، يتم تسليمه لمحكمة الجنايات "في سرية تامة"، حيث يُذكر في التقرير النهائي الأدلة التي حملتها أوراق الدعوى ومعاييرها في الفقه الإسلامي على اختلاف آراء الفقهاء، وتسجل التقارير بعد الانتهاء من الدراسة والتصديق، ونظر المفتي في سلامة الحكم القضائي بالإعدام، يأتي تنفيذاً للمادة 2/183 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، التي ألزمت محاكم الجنايات بإحالة قضايا الإعدام بشكل وجوبي وملزم إلى المفتي، وإلا تسرب البطلان للحكم، وبعد إرسال تقرير المفتي إلى المحكمة، تقوم المحكمة بالنطق بالحكم.
الغرض من الإحالة تحقيق "الاستئناس للقاضى"
ومسألة تأثير رأى المفتى فى تغيير الحكم القضائى ترجع إلى "قانون الإجراءات الجنائية" الذي ألزم القاضي بعرض منطوق حكم الإعدام على المفتي، حيث يكون الهدف من ذلك تحقيق الاستئناس للقاضي، بحيث يتأكد من صواب حكمه إذا وافق تقرير مفتي الديار المصرية ولجنته الاستشارية، أو يتبين للقاضي ضرورة مراجعة حكمه مرة أخرى، أو يستمر في منطوقه بإعدام المتهم لقناعته بسلامة المقدمات التي ترتب عليها منطوق الحكم الذي أصدره.
الإعدامات فى قضايا الدم
وبالنسبة لأحكام الإعدام الصادرة فى قضايا الدم فإنه يتم النظر بأوراق جميع المتهمين من دون الالتفات لأي اعتبارات سوى مواءمة الحكم القضائي لمبادئ الشريعة الإسلامية، إلى أن صفحات المفتين المصريين بيضاء من ممارسة أي ضغوط عليهم، أو وضع اعتبارات خاصة في تقاريرهم التي يصدرونها، وأن السقف الوحيد الذي يعلو المفتين هو النص الشرعي.
الخبير القانونى والمحامى محمد رشوان