فى ثانى جلسة لمحاكمته، قضت محكمة جنايات المنصورة، بإحالة أوراق المتهم بقتل نيرة أشرف طالبة جامعة المنصورة، والتى قتلت غدرا على يد زميلها أمام بوابة مجمع كليات الجامعة، للمفتى لأخذ الرأي الشرعي فى إعدامه بتهمة القتل العمد، وحددت جلسة 6 يوليو للنطق بالحكم.
هذا وقد صدرت في الأونة الأخيرة عدة أحكام جنائية قضت فيها محاكم الجنايات بالإعدام على المتهمين فى هذه القضايا لتحقيق مبدأ الردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم تهدد النفس البشرية، ويرى المؤيدون لعقوبة الإعدام أنها تحقق الردع العام أو التخويف الجماعي، ويقصد بالردع العام تهديد الناس كافة بتوقيع العقوبة على كل من يقدم على ارتكاب الجريمة، مما يؤدى إلى القضاء على الدوافع الإجرامية أو الحد من تأثيرها.
و"القصاص".. هو الحق الذي يكون بمثابة المطلب الأول والأخير من المجرم عقب ثبوت العقوبة عليه بالبراهين والأدلة استنادًا فى ذلك إلى حكم قضائي نهائي "لا رجعة فيه" واجب النفاذ، وضمن هذه الأحكام النهائية "عقوبة الإعدام" حيث يُعرفها القانون بعقوبة الموت أو بأنه قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع حيث تعرف الجرائم التي تؤدى إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام.
حزمة من الأسئلة الشائكة حول عقوبة الإعدام وتنفيذها
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على السؤال.. هل قرار المحكمة باستطلاع رأي المفتي في قضايا الإعدام يشترط فيه النص على الإجماع؟ وما هي ضمانات الحكم بالإعدام وتنفيذه؟ وهل محكمة النقض تراقب أحكام الاعدام شكلا وموضوعا بعد التعديلات الأخيرة؟ وهل يمكن تخفيف حكم الإعدام الصادر من محكمة النقض؟ وذلك في الوقت الذى علت فيه الأصوات بضرورة التوسع في أحكام الإعدام للحد من ظاهرة القتل المستمر الموجودة في المجتمع - بحسب المستشار أحمد عبد الرحمن الصادق، القاضي السابق، والمحامي.
في البداية - أحكام الإعدام لا تصدر إلا بعد أن يخلو القاضي إلى نفسه لدراسة الأوراق وفحص الأدلة، وذلك لجسامة تلك العقوبة والتي سيقضى بها القاضى على المتهم، والذى يمعن النظر فى نصوص القانون الخاصة بعقوبة الاعدام يتأكد بأن المشرع أحاطها بضمانات عدة وضوابط عديدة ومنها على سبيل المثال ما نصت عليه المادة 381 إجراءات جنائية: "بأنه لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكما بالإعدام إلا بإجماع أراء أعضائها ويجب عليها قبل أن تصدر حكما بالإعدام أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية، ويجب أرسال أوراق القضية إليه فإذا لم يصل رأيه الى المحكمة خلال الـ 10 أيام التالية من إرسال الاوراق إليه حكمت المحكمة في الدعوى – وفقا لـ"الصادق".
هل هناك ضمانات لإصدار أحكام الإعدام؟
إن الحكمة من هذا الإجراء هو توافر الإجماع قبل الحكم، وذلك خلافا للأحكام الأخرى جنائية كانت أم مدنية فقد نصت المادة 169 من قانون المرافعات أنها تصدر بأغلبية آراء أعضاء المحكمة إلا أن المشرع خرج على هذه القاعدة بالنسبة لعقوبة الإعدام مشترطا إجماع آراء أعضاء المحكمة مقدرا في ذلك جسامة هذه العقوبة وعدم قابليتها للرجوع فيها متى أتضح خطأ القضاء بعد تنفيذها، ومن ثم أحاط هذا الحكم بضمانات تقلل من احتمالات الخطأ في صدور عقوبة الإعدام بإجماع الآراء – الكلام لـ"الصادق".
الضمانة الثانية لعقوبة الإعدام هي أخذ رأى فضيلة المفتي وإرسال الأوراق إليه قبل إصدار الحكم لكى يبدى رأيه خلال 10 أيام من تاريخ ارسال أوراق القضية اليه، وهنا يبطل الحكم إذا أصدرته المحكمة دون أخذ رأى المفتي أو قبل انقضاء المدة المقررة قانونا دون انتظار رأيه، ولكن إذا أرسلت الأوراق فلا تلتزم المحكمة بانتظار رأيه أكثر من 10 أيام، وإذا لم يصل خلال تلك المدة كان للمحكمة أن تحكم فى الدعوى، ولا تتقيد المحكمة برأى المفتى، فإذا خالفته لا تكون ملزمة بالرد عليه أو تفنيده بل ليس عليها أن تبين رأيه فى الحكم – هكذا يقول "الصادق".
محكمة النقض تتحول لمحكمة موضوع طبقا للتعديلات الجديدة
والحكمة من هذا الاجراء حتى يكون القصاص مستوفيا لأحكام الشريعة الاسلامية، وأن كان هذا الاجراء بعد أن أصبح رأى المفتي غير ملزم للمحكمة، فقد أضحى إجراء شكليا محضا إلا أنه لابد من اتباعه حتى يدخل فى ردع المتهم المحكوم عليه بالإعدام إطمئنانا الى أن الحكم الصادر بإعدامه أنما يجئ أيضا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، والجدير بالذكر أنه إذا ما قضت محكمة النقض بنقض الحكم، فستصبح محكمة النقض هي محكمة الموضوع بحسب التعديلات الأخيرة للقانون.
ويُضيف: هناك ضمانات أخرى قررها المشرع لأحكام الاعدام ما نصت عليه المادة 46 من قانون حالات واجراءات الطعن بالنقض 57 لسنة 59 والتي تضمنت أنه إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الاعدام يجب على النيابة العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة برأيها فى الحكم وذلك فى الميعاد المقرر قانونا "60 يوما"، وعلة النص أن المشرع يرى وجوب عرض الاحكام الصادرة حضوريا بالإعدام على محكمة النقض دون أن يتوقف ذلك على الطعن فيها من قبل أطراف الدعوى الجنائية، وذلك لجسامة عقوبة الاعدام والحرص على أن يكون الحكم مطابقا للقانون والواقع، بل تقوم النيابة بعرض الحكم على النقض حتى لو كان الحكم فى نظرها لا يطعن عليه، ومن الضمانات أيضا أن عرض النيابة للقضية حتى لو تجاوزت الميعاد المقرر "ستون يوما"، إذ أنه ميعاد تنظيمى يستهدف التعجيل بالعرض، وحتى لو لم تقدم النيابة مذكرة برأيها أو قدمتها بعد الميعاد فإن المحكمة تمارس رقابتها على الحكم.
النقض تراقب أحكام الاعدام شكلا وموضوعا
أما فى أحكام الاعدام الحضورية فإنها ذات طبيعة خاصة تقتضى أعمال رقابة المحكمة على عناصر الحكم كافة الموضوعية أو الشكلية، وتقضى من تلقاء نفسها بنقض الحكم فى آية حالة من حالات الخطأ فى القانون أو البطلان ولو من تلقاء نفسها غير مقيدة فى ذلك بحدود أوجه الطعن أو مبنى الرأى الذى تعرض به النيابة العامة تلك الأخطاء، ولمحكمة النقض فحص أوراق الدعوى منذ بدايتها ومراجعة فى ذلك محاضر جلسات محكمة الجنايات، وما بها من تقارير طبية ومعاينات وأقوال الشهود وفحص الادلة وجميع ما حوته الاوراق، أى أن وظيفة محكمة النقض بشأن الأحكام الصادرة بالإعدام ذات طبيعة خاصة تقتضيها أعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة سواء كانت موضوعية أو شكلية وتقضى من تلقاء نفسها.
وينقض الحكم في آية حالة من حالات الخطأ فى القانون أو البطلان، ناهيك عن ضمانة أخرى وهي متى صار الحكم نهائيا وباتا وجب رفع أوراق الدعوى إلى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل وينفذ الحكم إذا لم يصدر الأمر بالعفو أو ابدال العقوبة فى ظرف 14 يوما، فضلا عن أن الحكم الغيابي الصادر بالإعدام لا يقبل الطعن بالنقض من المحكوم عليه لأنه حكم تهديدي قابل للإلغاء أو التعديل أو التأييد فى حالة إعادة الاجراءات إذا تم القبض على المتهم أو سلم نفسه.
هل قرار المحكمة باستطلاع رأي المفتي في قضايا الإعدام يشترط فيه النص على الإجماع؟
وأما للإجابة على السؤال - هل قرار المحكمة باستطلاع رأي المفتي في قضايا الإعدام يشترط فيه النص على الإجماع؟ فقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 8958 لسنة 81 قضائية، حيث ذكرت في حيثيات الحكم أن من المقرر أن المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت في فقرتها الثانية على أنه: "لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكمها بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها، ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى مفتي الجمهورية ".
وبحسب "المحكمة": ويبين من النص المتقدم وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون بشأنه أن الشارع إذ استلزم انعقاد الإجماع عند إصدار الحكم بالإعدام كإجراء منظم لإصداره وشرط لازم لصحته خروجاً على القاعدة العامة في الأحكام من صدورها بأغلبية الآراء – إنما كان ذلك تقديراً منه لجسامة الجزاء في عقوبة الإعدام، وحرصاً على إحاطتها بضمان إجرائي يكفل أن ينحصر النطق بها في الحالات التي يرجح فيها إلى ما يقرب من اليقين أن تكون مطابقة للقانون، وقد استوجب الشارع أن يسبق إصدار الحكم مقترناً بشرط الإجماع إجراء آخر هو أخذ رأى مفتى الجمهورية، فقطع بذلك استقلال كل من الإجراءين عن الآخر.
لما كان ذلك - وكان من المقرر أنه لا يجوز الخروج على النص متى كان واضحاً جلى المعنى قاطعاً في الدلالة على بيان المراد منه، وكان النص المنوه عنه آنفاً لم يستلزم انعقاد الإجماع إلا عند إصدار الحكم بعقوبة الإعدام فلا يلزم توافره في الإجراء السابق على الحكم وهو أخذ رأى المفتي، وإذ التزم الحكم المعروض هذا النظر، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً بما يجعله بمنأى عن البطلان.
قاعدة قانونية: إجماع الآراء غير ملزم توافره بعقوبة السجن المؤبد مثل الإعدام
قالت محكمة النقض، إن صدور الحكم بعقوبة السجن المؤبد بإجماع الآراء غير لازم، كما هو الحال فى عقوبة الإعدام، وأوضحت خلال نظرها الطعن رقم 24101 لسنة 86 قضائية، أن المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت فى فقرتها الثانية على أنه: "لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكمًا بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية".
وشرحت المحكمة، أن الشارع إذا استلزم انعقاد الإجماع عند إصدار الحكم بالإعدام كإجراء منظم لإصداره وشرط لازم لصحته ـــــ خروجًا على القاعدة العامة في الأحكام من صدورها بأغلبية الآراء، تقديرًا منه لجسامة الجزاء في عقوبة الإعدام، وحرصًا على إحاطتها بضمان إجرائي يكفل أن ينحصر النطق في الحالات التي يرجح فيها - إلى ما يقرب من اليقين ـــــ أن تكون مطابقة للقانون.
وتابعت المحكمة "لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يجوز الخروج على النص، متى كان واضحًا جلى المعنى قاطعًا فى الدلالة على بيان المراد منه، وكان النص المنوه عنه لم يستلزم انعقاد الإجماع إلا عند إصدار الحكم بعقوبة الإعدام، فلا يلزم توافره فى حالة إصداره بعقوبة السجن المؤبد ــــ كما هو الحال فى الدعوى ــــ وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقًا صحيحًا ويكون النعى عليه بالبطلان لهذا السبب غير سديد".
هل يمكن تخفيف حكم الإعدام الصادر من محكمة النقض؟
بعد صدور عدد من أحكام الإعدام النهائية من محكمة النقض، خلال الفترة السابقة، يتساءل البعض من المواطنين عن إمكانية وجود فرص أخرى للمتهمين لتخفيف الحكم قبل تنفيذه، وفى الحقيقة بعد صدور حكم نهائى بات بالإعدام لم يعد للمتهمين سبيل لتغيير الحكم أو وقف تنفيذه إلا بخطوتين فقط هنا:
1- تقديم التماس بإعادة النظر في الحكم ووقف تنفيذه بناء على ظهور أدلة جديدة وجوهرية لم تعرض على المحكمة من قبل وأن هذه الأدلة من شأنها أن تغيير وجهة النظر في الدعوي ومن ثم تغيير الحكم.
2- صدور قرار من رئيس الجمهورية بالعفو الجزئي أو الكلى عن المتهم ووقف تنفيذ الحكم بالإعدام والإفراج عن المتهم في حالة الإعفاء الكلى، أو تحويل المتهم للسجن في حالة العفو الجزئي، وتعديل الحكم من الاعدام إلى السجن سواء كان المؤبد أو المشدد.
وتعد محكمة النقض هي أخر مراحل التقاضي بالنسبة للمتهمين الذين تصدر ضدهم أحكام أولية، وبالتالي تكون أحكام محكمة النقض نهائية واجبة التنفيذ إلا فى الحالتين السابقتين، سواءً كان للمتهم عفو رئاسي، أو ظهرت بالقضية أدلة جديدة من شأنها تغيير مسار القضية.
ضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام
وهناك عدد من الضمانات تكفل حماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره 1984/50 المؤرخ في 25 مايو 1984 جاءت كالتالي:
1-في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في أخطر الجرائم على أن يكون مفهوما أن نطاقها ينبغي ألا يتعدى الجرائم المتعمدة التي تسفر نتائج مميتة أو غير ذلك من النتائج البالغة الخطورة.
2-لا يجوز أن تفرض عقوبة الإعدام إلا في حالة جريمة ينص القانون، وقت ارتكابها، على عقوبة الموت فيها، على أن يكون مفهوما أنه إذا أصبح حكم القانون يقضى بعد ارتكاب الجريمة بفرض عقوبة أخف، استفاد المجرم من ذلك.
3-لا يحكم بالموت على الأشخاص الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة ولا ينفذ حكم الإعدام بالحوامل أو بالأمهات الحديثات الولادة ولا بالأشخاص الذين أصبحوا فاقدين لقواهم العقلية.
4-لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل واضح ومقنع لا يدع مجالا لأي تفسير بديل للوقائع.
5-لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بموجب حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة بعد إجراءات قانونية توفر كل الضمانات الممكنة لتأمين محاكمة عادلة، مماثلة على الأقل للضمانات الواردة في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة.
6-لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في الاستئناف لدى محكمة أعلى، وينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بجعل هذا الاستئناف إجباريا.
7-لكل من يحكم عليه بالإعدام الحق في التماس العفو، أو تخفيف الحكم، ويجوز منح العفو أو تخفيف الحكم في جميع حالات عقوبة الإعدام.
8-لا تنفذ عقوبة الإعدام إلى أن يتم الفصل في إجراءات الاستئناف أو أية إجراءات تتصل بالعفو أو تخفيف الحكم.
9-حين تحدث عقوبة الإعدام، تنفذ بحيث لا تسفر إلا عن الحد الأدنى الممكن من المعاناة.