كثيرا ما نجد في المعاملات اليومية بين الأفراد الخاصة بالبيع والشراء، ولاسيما بيوع السيارات والعقارات والأراضي يكتفي المشترى بطلب توكيل بالبيع للنفس والغير دون أن يحرر عقد بيع مع البائع متضمن سداده لكامل الثمن، وبذلك يطمئن بأن التوكيل مدون به جمله غير قابل للإلغاء، ويرى البعض أن التوكيل يعد سندا للملكية بل يدونه البعض عند البيع مرة أخرى كأحد سندات أيلولة الملكية، والوكالة، هى العلاقة التى يلتزم فيها الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب موكله، وفيها يقوم الاخير بوضع بعض او كل أملاكه تحت تصرف الوكيل لكى يخول له إدارتها فى الحدود المكلف بها.
ومثل هذه الأمور فى الحقيقة تخلق عدة أزمات تقع بين البائع والمشترى تتسبب فى كوارث من الناحية الواقعية والعملية بشأن التوكيل بالبيع للنفس أو للغير، حيث يتكرر هذا الأمر بطرق وأشكال مختلفة فى الواقع العملي والقانوني أثناء شراء شقة أو سيارة أو عقار ويكتفي بعمل توكيل بالبيع للنفس أو للغير دون تحرير عقد بيع ابتدائي ونقل الملكية، وينقسم التوكيل الى شقى العام، وفيه لا يخصص نوع عمل قانوني معين، وتُصرف حينئذ إلى أعمال الإدارة، وأعمال التصرف التي تقتضيها الإدارة.
ينقسم التوكيل لشقى العام والخاص
وشق الخاص، وفيه يخصص للوكيل عملاً قانونياً بعينه ولا يكن له صفة إلا فى مباشرة ما خول فيه، ويرد على عمل محدد من أعمال الإدارة أو من أعمال التصرف، وقد يرد على العملين معًا في آن واحد، كما يختص وحده في أمور البيع والشراء والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين، وفي بعض الأحيان يكون التوكيل عاماً مخصصًا، مثل عمل توكيل عام للتوقيع على عقود الإيجار أو الشركات أو التوقيع على عقود البيع سواء شراء أو بيعا، وفي هذه الحالة يجب على الوكيل ألا يجاوز حدود الوكالة وإلا أصبح التصرف غير نافذ في حق الموكل.
وعلى كلٍ، فلا أهمية لمسمى التوكيل عاماً كان أو خاصاً، بقدر أهمية البنود الواردة فيه، إذ يتوقف ما ينتجه التوكيل من آثار على مدى صحة بنوده – وعليه - فإذا كان ركن الثمن امرًا وجوبيًا فى عقد البيع وانعدامه من شأنه انعدام العقد برمته، فلا يصح التوكيل بالبيع للنفس أو للغير دون تحديد ثمناً معينًا يتفق عليه الاطراف أو يكن قابلاً للتحديد ببيان الأسس التي يحدد بمقتضاها؛ وبالنسبة للتوكيلات التى تصدر للبنوك بالبيع للنفس او للغير ضمانا لمديونية، لا ينعقد بها البيع ولا يُعتد بها دون تحرير عقد بيع ابتدائى يتم فيه إثبات أن المشترى قام بسداد الثمن للبائع حتى لا يتثنى للبائع الرجوع بالثمن مرة أخرى على المشتري.
هل توكيلات البيع للنفس والغير تكفى سندا ناقلا للملكية؟
في التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الخطورة تهم ملايين المتعاملين بتوكيلات البيع للنفس أو للغير تتمثل فى الإجابة على السؤال.. هل توكيلات البيع للنفس والغير – في العقارات والسيارات وغيرها تكفي كى تكون سندا ناقلا للملكية أم يلزم وجود عقد بيع ابتدائي معها؟ وما هي الصياغة الصحيحة لمثل تلك التوكيلات؟ وتفنيد 3 مبادئ للتصدي للأزمة وحكم لمحكمة النقض أبرزها: إذا كان البيع بالتوكيل المنصوص فيه بالبيع للنفس والغير فلابد من ذكر ثمن المبيع فى التوكيل وإلا ترتب على ذلك بطلان عقد البيع حتى ولو تم تسجيله، وأن التوكيلات الصادرة للبنوك بالبيع للنفس والغير ضماناً لمديونية لا ينعقد بها البيع، كما أن التوكيل بالبيع يجب أن يحدد فيه الثمن صراحةً أو ضمنًا حتى يصير البيع صحيحاً - بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض مجدي عزام.
4 مخاطر تواجه التوكيلات
فى البداية – يجب أن نعلم أن توكيلات البيع للنفس والغير هو أمر شديد الخطورة، وذلك للآتي – وفقا لـ"عزام":
1- أن التوكيل لا يغنى عن وجود عقد بيع مدون به سداد الثمن باعتبار أن الثمن ركن جوهري من العقد سواء من حيث تحديد مقداره، وكيفية وطريقة سداده، وحيث أن التوكيلات تكون خالية من تحديد الثمن ومدى قبضه من عدمه.
2- كما أن قيام المشترى بالبيع لنفسه بموجب التوكيل فى حال توقيعه على العقد النهائي يوقع بما يفيد القبض للثمن كوكيل، وبالتالي صار مسئولا أمام موكله عن سداد الثمن له إعمالا للوكالة ومن هنا وجود عقد ابتدائي يفيد قبض البائع للثمن يحمى المشترى عن استخدام التوكيل والتوقيع على العقد النهائي.
وقد قضت محكمة النقض: "قضاء الحكم برفض دعوى الطاعنة ببطلان عقد البيع سند التداعي لانعدام ركن الثمن بعدم الاتفاق عليه صراحة أو ضمناً تأسيساً على أن تصرف البنك المطعون ضده بالبيع لنفسه بموجب التوكيل الصادر له منها في حدود تلك الوكالة وأنها لم تشترط ثمناً أو الموافقة المسبقة على البيع، وعلة ذلك أنه قصور مبطل، وذلك وفقا للطعن المقيد برقم الطعن رقم 7201 لسنة 78 جلسة 9 مارس 2017.
3- أن المشترى بتوكيل قد يتعرض لأمر احتمالي خطير ألا وهو ماذا لو توفى الموكل "البائع له" أو فقد أهليته أو توفى الوكيل نفسه "المشترى" قبل نقل الملكية فوفقا للمادة 174 من القانون المدني تنتهي الوكالة بموت الموكل أو الوكيل – ففي حالة الوفاة ينتهي التوكيل على أقل الفروض لو توفى المشترى المحرر له التوكيل وليس هناك عقد بيع ابتدائي مثبت لواقعة البيع كيف يثبت الورثة واقعة البيع وسداد كامل الثمن.
4- أن البائع الذي يحرر توكيل متضمن بيع للغير - أمر لا ننصح به - فكلمة الغير تتيح للوكيل أن يبيع باسم موكله أكثر من مرة، وهو الأمر الذي يُعرض الأصيل لما لا يحمد عقباه على أقل الفروض أن البيع باسم البائع للغير يحمل البائع الضرائب وعلى رأسها ضرائب التصرفات.
لذلـك ننصـح بالتالي:
أولاَ: لابد من تحرير عقد ابتدائي متضمن سداد الثمن مع النص فيه على إلزام البائع بتحرير توكيل البيع للنفس – أيا كان المبيع "عقار – سيارة أو..".
ثانياَ: وأهم ما يجب أن يتضمن التوكيل النص عليه: "1- تحديد المبيع تحديد وافى، 2- وحق الوكيل في قبض الثمن لنفسه، 3- والتوقيع على العقد النهائي، 4- استمرار الوكالة بعد وفاة الموكل بشأن العين محل التوكيل فقط, 5- الوكالة لصالح الموكل، هذا بخلاف الباقي مما هو متعارف عليه".
بطلان عقد البيع فى حالة عدم ذكر الثمن
أما عن بطلان عقد البيع فى حالة عدم ذكر الثمن – فإن عقد البيع، هو من العقود المسماة الملزمة للجانبين، ويصبح كل طرف من الطرفين المتعاقدين دائنا ومدينا للطرف الآخر في آن واحد، فبمقتضاه يقوم شخص البائع بنقل ملكيته لشيء معين إلى المشتري مقابل أن يلتزم هذا الأخير بدفع قيمة الشيء الذي اشتراه بمبلغ من النقود، ويأخذ عقد البيع أحد وجهين، فقد يكُن ابتدائيًا بمثابة عقد عرفي بين طرفي العقد، وقد يكن نهائياً مسجل أمام الجهة المناط بها التسجيل وفقا للأوضاع التي يقررها القانون وهى مصلحة الشهر العقاري وفى بعض الأماكن السجل العيني.
ولا يكون عقد البيع صحيحاً نافذا إلا إذا استوفى أركان انعقاده الاساسية وشروط صحته من رضاء غير مشوب بعيب من عيوب الإرادة ومحل محدد تحديداً نافياً للجهالة وجائز التعامل فيه وثمن نقدي معلوم - ولما كان عقد البيع من عقود المعاوضة التى يلزم لصحتها أن يكون الثمن نقدىٍ مدونٍ مقابل نقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري ويجب أن يكون هذا الثمن متناسبا مع قيمة الشيء المبيع ويشترط في الثمن المتحصل أن يكون مبلغا من النقود؛ إذ أنه حال أداء المشتري شيء آخر غير النقود يجعل العقد مقايضة وليس بيعا.
لا يجوز ترك تقدير الثمن لأي من الطرفين
ولما كان المسلم به أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون، كما لا يجوز ترك تقدير الثمن لأي من الطرفين سواء كان البائع أو المشتري خشية في ذلك من أن يضحى الذي يترك له الأمر منهما بمصلحة الطرف الآخر – وعليه - فإذا لم يتفق المتعاقدان صراحة ولا ضمنا على تحديد الثمن أو على جعله قابلا للتحديد ببيان الأسس التي يحدد بمقتضاها، فإن البيع يكون باطلا لفقده ركنا أساسيا من أركانه.
ونشير هنا الى أحد القضايا التى قضت فيها محكمة النقض ببطلان عقد بيع مسجل؛ لأن البيع قد تم بتوكيل لم يذكر فيه الثمن، حيث قالت المحكمة في حيثيات أن الموكل قد نازع فى البيع والثمن وأن الوكالة التى أبرمها هى فى حقيقتها ضماناً لوفائه بمديونيته للبنك، وليس ترخيصًا له بالبيع؛ إلا أنه قام بموجب هذه الوكالة ببيع شقة النزاع لنفسه بالعقد وبثمن بخس لم يتفق عليه صراحةً أو ضمنًا فى التوكيل؛ مما يبطل هذا العقد لانعدام ركن الثمن بعدم تحديده.
الإجراءات القانونية الصحيحة لعمل توكيل بيع للنفس والغير
يجب اتباع هذه الخطوات عند تحرير توكيل بيع للنفس والغير حتى يَكتسب هذا العقد صفة قانونية، وهي:
1-يجب عمل عقد ابتدائي بين طرفي التوكيل، وإلزام المُشتري بدفع هذا المبلغ للبائع، بالإضافة إلى إلزام البائع بعمل توكيل بيع للنفس للمُشتري أيًا كانت المُمتلكات التي قام ببيعها له.
2-يجب أن يتضمن التوكيل تحديد بعض النقاط المهمة به مثل السعر المُتفق عليه من قِبل طرفي عملية البيع، وضمان حق البائع في الحصول على هذا المبلغ بنفسه من المُشتري، بالإضافة إلى ضرورة توقيع طرفي البيع على العقد النهائي لعملية البيع.
3-يجب الأخذ في الاعتبار أنه في حالة وفاة إحدى طرفي التوكيل فإنه يُعتبر مُستمرًا بالنسبة لما سبق الاتفاق عليه فقط من قبل طرفي التوكيل.
4-يجب الأخذ في الاعتبار أن التوكيل دائمًا في صالح المُوكل مما لا يُلحق الضرر بالطرف الآخر.
المشكلات الخاصة بتوكيل بيع للنفس والغير
يُمكن للمُكلف بإدارة المُمتلكات بعمل أكثر من عملية للبيع مع أكثر من شخص لنفس الأصل الخاص بالمالك مما يعرض المالك الأصلي للمشكلات القانونية واتهامه بالنصب والاحتيال، ولتفادي مثل هذه المشكلة يُمكن حذف كلمة البيع للغير من التوكيل لحماية البائع أو المالك من أي مشكلات يُمكن أن يتعرض لها من سوء تصرفات الوكيل، ويجب على الموكل أن يطلب من الوكيل كشف حساب مُفصل بعد انقضاء مدة التوكيل وتحقيق الهدف من ورائه، كما يجب أن يكون هذا الحساب مُدعمًا بالوثائق والمُستندات الرسمية التي تُثبت صحته.
انتهاء الوكالة بمُجرد وفاة إحدى طرفي التوكيل مما يُعرقل عملية البيع التي كان من المُفترض إتمامها بين الطرفين، وفي هذه الحالة يُمكن التفاوض مع ورثة طرفي البيع من أجل إتمام العملية، ويتم تجنب ذلك من خلال الاتفاق بين طرفي التوكيل على ضرورة انتهاء الوكالة بمُجرد انقضاء السبب الخاص به حتى في حالة وفاة إحدى طرفي التوكيل وذلك توفيرًا للوقت والجهد.
دور الهيئات القضائية في حل مُشكلات توكيل البيع للنفس والغير
هناك بعض القوانين الخاصة بتوكيل بيع للنفس والغير والتي تقتضي إلغاءه أيًا كان السبب حتى في حالة وجود شرط مُتفق عليه من طرفي العقد بعدم إلغاءه مهما كانت الأسباب، ويُمكن إلغائه في حالة عدم حضور الطرفين حتى لو تم الاتفاق على غير ذلك من طرفي التوكيل، كما يُمكن للقضاء إلغاء التوكيل سواء تواجد عقد البيع أو لا، أو في حالة عدم إتمام عملية البيع؛ وذلك ضماناً لحقوق الموكل وحمايته من تلاعب الوكيل في حالة قيامه بنقل ملكية الأصل للطرف الآخر بدون علم الموكل أو بيع الأصل أكثر من مرة لأكثر من شخص.