"توفى والدي عام 2019 وكانت والدتي تسكن مع أختي غير المتزوجة في شقتنا الإيجار القديم والعقد باسم والدي، ثم توفت والدتي التي كنا نتردد عليها بشكل شبه يومي بسبب أحوال مرضها، وانتقلت أختي إلى شقتها التمليك، وأنا كنت متزوجة ثم انفصلت عن زوجي، وحدثت العديد من المشاكل بيني وبين طليقي وهناك قضايا بيننا منظورة أمام المحاكم – وفى تلك الأثناء – قررت العودة لشقة العائلة التي مازالت مغلقة ولم يقم المالك باستردادها لأن الأحداث توالت وراء بعضها البعض فى فترة زمنية قصيرة".. بهذه الكلمات بدأت "أميرة. ج"، 38 سنة، محافظة القاهرة، سرد مأساتها لـ"برلمانى" فى محاولة لإيجاد حلول قانونية.
وتابعت: "عند العودة لشقة العائلة اعترض المالك ليس ذلك فقط بل أن شقيقتي قررت العودة معي إلى الشقة على الرغم من أنها متزوجة ولديها شقة بحجة أن هذه الشقة هي ميراث من والدنا، الأمر الذي أدى إلى إقامة دعاوى قضائية بيننا بعد أن أقنعني المحامى بأنني الوحيدة التى لها الحق فى الإقامة وامتداد عقد الإيجار دون شقيقتى لأننى مطلقة وهى متزوجة، فما هو الحل فى تلك الإشكالية القانونية؟".
مدى استفادة البنت المتزوجة والمطلقة من الإقامة مع والدها قبل وفاته
للإجابة على هذا السؤال – يقول الخبير القانوني والمحامى مختار عادل – إن القول الفصل فى تلك الإشكالية ما حدده المشرع فى أن البنت المتزوجة انتقالها للإقامة مع والدها المستأجر الأصلي قبل وفاته لرعايته تعتبر إقامتها معه عرضية ولا يمتد إليها عقد الإيجار لتحقق إقامتها المستقرة بمسكن زوجيتها، أما البنت المطلقة يمتد إليها عقد الإيجار لإقامتها المستقرة مع والدها بانحلال رابطة زواجها وعدم جواز إقامتها مع طليقها بمسكن واحد، حيث أنه إذا كان النزاع يدور حول استمرار عقد الإيجار لأقارب المستأجر الذين كانوا يقيمون معه قبل وفاته وهو ما يحكمه نص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن إيجار الأماكن - ولما كانت الإقامة المستقرة المعتادة هي المناط في استمرار عقد الإيجار لهؤلاء الأقارب فإن النزاع يكون بطبيعته قابلاً للتجزئة، إذ الفصل فيه يحتمل القضاء لأحدهم دون الآخرين ممن لم يتحقق بالنسبة لهم شرط الإقامة.
ووفقا لـ"عادل" فى تصريح لـ"برلمانى" - النص في المادة 29/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 سالف الإشارة أن عقد الإيجار لا ينتهي كأصل عام بوفاة المستأجر بل يمتد إلى زوجته وأولاده الذين يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك، وأن الإقامة التي يترتب عليها مزية الامتداد القانوني بعد وفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين هي تلك الإقامة المستقرة المعتادة مع المستأجرين بالعين المؤجرة أياً كانت مدتها وبدايتها بشرط أن تستمر حتى تاريخ الوفاة أو الترك ولا تعد الإقامة العرضية والعابرة كذلك وأن الإقامة المستقرة هي من أمور الواقع التي تدخل فى سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغاً.
المتزوجة إقامتها عرضية لا يحق لها امتداد العقد
إذ كان الطلاق البائن هو رفع القيد الثابت شرعاً بالزواج أي حل رابطة الزوجية في الحال أو المال، ويؤدي الطلاق البائن إلى انحلال هذه الرابطة في الحال عقب صدور الطلاق خلافاً للطلاق الرجعي الذي لا تنحل به العلاقة الزوجية إلا بعد انقضاء العدة ويكون الطلاق بائناً إذا كان نظير مال تدفعه الزوجة لتفتدي به نفسها من قيد الزواج أو إذا طلبت الطلاق على أن تبرئه من مؤخر مهرها، أو من نفقة عدتها ولا يجوز للزوج أن يعيد المطلقة بائناً، بما دون الثلاث إلى عصمته إلا بعقد ومهر جديدين ومنذ وقوع هذا الطلاق فإن المطلقة تعتبر أجنبية عن زوجها لا يجوز له الإقامة معها في مسكن واحد – الكلام لـ"عادل".
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 6095 لسنة 64 القضائية حيث قالت فى حيثيات الحكم لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنة الثانية ركنت في إثبات طلاقها من زوجها إلى إشهاد طلاق صدر عن يد مأذون يفيد طلاقها من زوجها على الإبراء من حقوقها الشرعية بتاريخ 12 يوليو 1986 وأن المستأجر الأصلي قد توفى في 25 يوليو 1986 أى بعد الطلاق البائن وأنها كانت بعد طلاقها إلى حين وفاته تقيم مع والدها على النحو الثابت بمحضر الشكوى الإداري رقم 347 لسنة 86 إداري الدقي.
وبحسب "المحكمة" - ومن أقوال شاهديها أمام محكمة أول درجة، مما مؤداه أن إقامة هذه الطاعنة مع والدها واستمرارها في المنزل محل النزاع بعد طلاقها بائناً وحتى وفاته تتسم بالاستقرار، مما يخول لها الاستفادة من امتداد عقد الإيجار إليها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر إقامتها بعد الطلاق البائن غير مستقرة فإنه يكون قد خالف القانون، حيث أن البنت المتزوجة ترددها على شقة والدها واقامتها معه شهور لمراعاته قبل وفاته لا يمتد لها عقد الايجار لكون إقامتها عرضية، واقامتها المعتادة بمنزل الزوجية، وطلاق شقيقتها بائناً ثم عودتها لمنزل والدها أثره امتداد عقد الايجار حتى ولو كان رجوعها قبل وفاة والدها بأيام.
كما أن استخلاص انتهاء الحكم الطعون فيه من أقوال شاهدي الطاعنة الأولى أن إقامتها المستقرة هي بمنزل الزوجية وأنها كانت تتردد على والدها بالمنزل محل النزاع لمراعاته أثناء مرضه، وأن إقامتها قبل الوفاة لمدة 7 أشهر ينحسر عنها وصف الإقامة المستقرة مناط الامتداد القانوني لعقد الإيجار وهي أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتدخل في سلطته التقديرية فإن مجادلة الطاعنة الأولى في ذلك لا تعدو أن تكون مجادلة موضوعية فيما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز التحدي بها أمام محكمة النقض.
تطورات جديدة ومهمة سيشهدها ملف الإيجار القديم
يشار إلى أن هناك تطورات جديدة وهامة سيشهدها ملف الإيجار القديم، وذلك بعد اعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.
وتعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر في الوقت الذي لاتزال تتوالى ردود الأفعال حول التعديلات المرجوة، الأمر الذي يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.