مع دخول المدارس تبدأ الدعوى القضائية بين المطلقين والمطلقات بشأن المصروفات الدراسية ما بين "أب" يرفض ويتعنت في تحمل المسئولية كاملة تجاه صغاره، و "أم" تخطط وتسعى لمزيد من الأعباء كي تثقلها على كاهل "الأب"، وما بين هذا وذاك يصبح الصغير مشوه الطفولة بسبب "جره" في أروقة النيابات وقاعات المحاكم، أثناء تحقيق القضاء في النزاع ليثبت من صاحب الحق في دعواه، والسؤال هنا.. هل يلزم الأب بمصاريف المدارس الخاصة؟ وهل يوجد حبس في مصاريف المدارس الخاصة؟
والواقع والحقيقة يؤكدان أن القاعدة القانونية تنص على: "تستحق نفقة الأولاد على أبيهم من تاريخ امتناعه عن الانفاق عليهم"، ومن ضمن النفقات التي تقع على كاهل الأب هي مصروفات التعليم، حيث نجد مسلسل يتكرر يوميا داخل محاكم الأسرة، معاناة لا تنتهي وأطفال ليس لهم حول ولا قوة يقع عليهم ظلم بين بسبب العناد بين زوج وزوجة أصبحا غير قادرين على إكمال الحياة كشركاء فيها، يلجآن للقانون لعله يجد مخرجًا ليأخذ كل ذي حق حقه، إلا أن القوانين بعضها قديم وأصبح غير قادر على تحقيق العدل بين الأطراف المتنازعة خاصة قانون الأحوال الشخصية، وهو ما تغير الآن بعد تعديل مواد القانون الخاص بالنفقة وتغليظ العقوبة على المتخلفين.
هل يُلزم الأب بمصاريف المدارس الخاصة؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية تواجه آلاف الآباء والأمهات المتضررين من خلال الإجابة على السؤال.. هل يلزم الأب بمصاريف المدارس الخاصة؟ وهل يوجد حبس في مصاريف المدارس الخاصة؟ وذلك في الوقت الذي وضع فيه القانون العديد من المبادئ، حيث وضح القانون المصري رقم 139 المعدل بأن الأب ملتزم بكافة مصاريف التعليم بداية من مراحل التعليم الإجباري إلا أنه غير ملزم بدفع مصاريف التعليم في المدارس الخاصة، أو التعليم الأجنبي إلا في حالة إثبات القدرة المالية للأب، وكذلك يكون الأب ملزما بدفع المصاريف كالآتي – بحسب الخبير القانوني والمحامي المتخصص في الشأن الأسرى بلال جابر:
1- يشترط أن يقوم الأب بدفع مصاريف التعليم التي لا يتمكن الصغير تحصيل العلم بدونها.
2- والأهم أنه يمكن أن تكون مصاريف الكتب، ومصاريف الدروس الخصوصية ضمن مصاريف التعليم في حالة إثبات احتياج الصغير لذلك.
3- كما يلتزم الأب بسداد المصاريف الخاصة بالمواصلات في حالة عدم قدرة الصغير على الوصول للجهة التعليمية بدون هذه الوسيلة.
4- وكذلك يلتزم الأب بدفع كافة مصاريف شراء الملابس المدرسية والتي تكون ضمن النفقة الخاصة بالملبس.
في البداية - يثور التساؤل هل يمكن للأم تقديم طلب نقل الأطفال من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة أم لا؟، والإجابة تكون بالطبع تتمكن الأم من تقديم طلب ولاية تعليمية لنقل الأطفال من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، وذلك في حالة تغيير الحالة المادية للأب وأصبح ميسور الحال، بينما إذا كان الأطفال في المدارس الخاصة وكان الأب ملزم بمصاريف التعليم، بينما تغيرت الظروف المادية له، فمن حق الأب المطالبة بنقل الأطفال من المدارس الخاصة واستكمال التعليم في المدارس الحكومية، وبهذا نستنتج أن الحالة المادية للأب هي المعيار الأساسي لتعليم الأطفال، ويرجع ذلك أيضًا إلى المصاريف التي تحصل عليها الأم بعد الطلاق الخاصة بالمدارس – وفقا لـ"جابر".
مصاريف التعليم "المصاريف الدراسية"
فالقانون المصرى يلزم الأب مصاريف المدارس والالتزام علي الأب بمصاريف المدارس الحكومية كما ذكرنا من قبل، أاما المدارس الخاصة فإن الأب غير ملتزم بها إلا إذا كانت ظروفه تسمح بدفع نفقات التعليم الخاص - لما كان الله عز وجل يأمرنا بالتعلم ويقول تعالى بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ آية 11 سورة المجادلة، وجاء بالحديث الشريف وعن ابن مسعود رضى الله عنه، أنه كان إذا قرأها قال: "يا أيها الناس افهموا هذه الآية، ولترغبكم في العلم"، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" – الكلام لـ"جابر".
وكان الثابت بنص المادة 18 مكرراً / ثانياً من القانون 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أنه: "إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوج البنت أو تكسب ما يكفى نفقتها وإلى أن يتم الابن الخامسة عشرة من عمره قادراً على الكسب المناسب، فإن أتمها عاجزاً عن الكسب لآفة بدنيه أو عقليه أو بسب طلب العلم الملائم لأمثاله ولاستعداده أو بسبب عدم تيسر هذا الكسب استمرت نفقته على أبيه، ويلتزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يساره وبما يكفل للأولاد العيش في مستوى اللائق بأمثالهم وتستحق نفقة الأولاد على أبيهم من تاريخ امتناعه عن الإنفاق عليهم".
المصاريف المدرسية شأن عناصر نفقة الصغير على أبيه
وتعتبر المصاريف المدرسية شأن عناصر نفقة الصغير على أبيه أو ـ كما عبرت عن ذلك المذكرة الإيضاحية للنص ـ بمنزلة الطعام والكساء، وينصرف مفهوم مصروفات التعليم على ما لا يمكن تحصيل العلم بدونه، فكل ما يمكن تحصيل العلم بدونه لا يقع على الأب التزام بإداء مثال ذلك الدروس الخصوصية أو الكتب والمراجع الخاصة "الخارجية"، حيث يمكن تحصيل العلم بدونها، فلا يلتزم الأب بإداء مستحقاتها، وعلى ذلك فإذا كان لا يتسنى لطالب العلم الوصول إلى مدرسته أو جامعته إلا باستخدام وسيلة مواصلات خاصة التزم الأب بسداد أجرتها فى حدود يسارة ومقدرته المالية، كما إذا كان الولد يدرس بجامعة إقليمية حال كون محل إقامته بالقاهرة، مما يضطره إلى استخدام وسيلة القطار أو الحافلات بين الأقاليم للوصول إليها.
وتقتصر تلك المصروفات على المبالغ المستحقة لتعليم الصغير فلا يدخل فيها الملابس المدرسية لكونها تدخل فى نفقة ملبس الصغير كما لا يدخل فيها أجر السيارة المدرسية لأنها تدخل من ضمن نفقة الانتقال التي تكون من ضمن نفقة الصغير على أبيه، ولما كان من المقرر أن: "الأصل فى وجوب نفقة التعليم هو أن الأب واجب عليه أن يعد أولاده الصغار بتعليم ما يجب تعليمه شرعاً وعملاً بقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ويكون دفع أجـر التعليم واجباً مادام لا يمكن التعليم بدون أجر والتعليم فى حالة وجوبه نوع من حضانة ورعاية الأب الواجبة لأبنائهم".
كما أن قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 المعدل جعل التعليم الأساسي إجبارياً وعلى ذلك يلتزم الأب آياً كانت حالته المالية بالإنفاق على الصغير فى هذه المرحلة، ولا يلزم بالحاقة بالتعليم الخاص أو الأجنبي إلا إذا كانت حالته المالية والاجتماعية وعرف أمثالة يسمح بذلك. وتشمل مصاريف التعليم المصاريف المدرسية وثمن الأدوات.
ملاحظات:
1ـ جرى العمل فى بعض المحاكم على إلزام الأب بمصاريف الباص إذا كانت ميسور الحال.
2ـ لا بد من إرفاق المستندات الدالة على دفع المصاريف الدراسية عند رفع الدعوى.
3ـ يجب اختصام الصغير بشخصه إذ بلغ سن المخاصمة القضائية وهو 15 عاما سواء للولد أو البنت.
رأى محكمة الاستئناف في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة استئناف القاهرة – الدائرة 112 أحوال شخصية – أصدرت حكما فريدا من نوعه، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية بشأن الصغير ومصاريف الدراسة، قالت فيه: "الأب غير ملزم سوى بالتعليم فى المدارس الحكومية، التزامه بمصاريف المدارس الخاصة مشروط بأن يكون هو الذي ألحق الصغير بتلك المدارس، فضلا على أن التزامه بمصاريف الدراسة يبدأ من بداية التعليم الإلزامي وليس رياض الأطفال"، وذلك فى الاستئناف المقيد برقم 3973 لسنة 123 ق أحوال شخصية.
المحكمة تؤكد: لا إلزام على الأب بما لا يطيق
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت عن شكل الاستئناف، فلما كان الاستئناف، فلما كان الاستئناف الماثل قد أقيم فى الميعاد القانونى، ومستوفيا شرائطه المقررة قانونا فهو مقبول شكلاَ، أما عن موضوع الاستئناف، ولما كان من المقرر بنص المادة 18 مكرر ثانيا من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 أن نفقة الصغير على أبيه إذا لم يكن للصغير مال خاص به ويدخل ضمن النفقة نفقات تعليم الصغير، إلا أن المناط فى التزام الأب بهذه النفقة هو قدرته ويساره، حيث لا إلزام عليه بما لا يطيق، وإذا كان التعليم ضمن عناصر النفقة، فالمعتبر هنا هو التعليم الإلزامى الحكومى الذى يجبر الأب على سداد مصروفات إذا لم يتقبله رضاء، أما التعليم الخاص الذى يزيد عن قدر التعليم الإلزامى فهو متروك للأب أن شاء قبله وأن شاء أمسك عنه، وفى الحالة الأخيرة يتحمل من يريد من الآباء إلحاق ابنه بالتعليم الخاص.
الأب غير ملزم سوى بالتعليم فى المدارس الحكومية
ولما كان ما تقدم وكان الصغير دين ملتحقاَ بمدرسة خاصة غير حكومية على غير رغبة والده المستأنف وغير إرادته فلا يلزم بمصاريف هذه المدرسة الخاصة، فضلا عن أنه لا زال فى مرحلة رياض الأطفال – الحضانة – ولم يبلغ بعد سن التعليم الحكومي الإلزامي وهى ست سنوات وكانت المستأنف ضدها تطالب بمبلغ 40 ألف جنيه قيمة المصاريف الدراسية عن عامين للصغير حال كونه فى مدرسة خاصة غير حكومية وفى مرحلة رياض الأطفال وعلى غير رغبة المستأنف، فلا يجوز إلزامه بسداد هذا المبلغ إلا الأمر المتعين معه والحال كذلك إلغاء الحكم المستأنف فى هذا الشق ورفضه موضوعا.
أما عن مبلغ الملابس الدراسية وكسوة الصغير والبالغ قدرها 5400 جنيه، ولما كانت المستأنف ضدها قد تقدمت بفواتير لشراء هذه الأغراض إلا أن المحكمة تراها مبالغ فيها وغير متناسبة مع ضرورات الحياة المدرسية، إلا أن المحكمة تقدر هذه الملابس والكسوة بمقدار 3 آلاف جنيه عن عامين دراسيين.