بالرغم ما للزوج من حقّ عظيم على زوجته فى طاعته والامتثال لأمره، إلا أن هذا الطاعة ليست مطلقة، بل هى مقيدة بقيود تتلخص فى عدة أمور أبرزها عدم وجوب هذه الطاعة إلا فيما يتعلق بأمور الزيجة وما ارتبط بها، وابتعاده عن أمرها بأمور تخالف الشرع وتغضب الله سبحانه وتعالى، عندها لا يحق لها طاعته فى معصية خالقها، وفى ذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "لا طاعةَ فى معصيةِ اللهِ، إنما الطاعةُ فى المعروفِ".
ومن هذه القيود أيضا انحصار أوامره لها فى أمور تستطيع هى فعلها، فليس له أن يطلب منها فعل أشياء تشق عليها وتلحق بها ضرراً، يقول الله سبحانه وتعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، ومع هذه القيود فالأصل فى العلاقة الزوجية حسن المعاشرة والتفاهم، والحرص على المحبة والمودة والألفة والتغافل عن الزلات، إلا أننا خلال هذه الأيام فوجئنا بالمحامية إيمان محسن تقيم إنذار نشوز للزوج وكيلا عن سيدة تطالبه فيه بالعودة لمنزل الزوجية نتيجة هجره لها، الأمر الذى أقام الدنيا ولم يقعدها.
"نشوز الزوج" يفتح ملف "الطاعة"
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على وجهة نظر قانونية أخرى غير الأراء وردود الأفعال التى نشرت خلال الساعات الماضية بشأن إنذار نشوز الزوج ومطالبته بالعودة إلى مسكن الزوجية بعد هجرانه لزوجته مدة زمنية طويلة، فقد أوجب قانون الأحوال الشخصية فى مادته الـ12 على القاضى فى حالة ثبوت هجر الزوج لزوجته إن يضرب له أجلا للعودة لمنزل الزوجية وإلا طلق عليه زوجته، وهنا تحتفظ بكامل حقوقها الشرعية لهجر الزوج لمنزل الزوجية – بحسب الخبير القانونى والمحامى المتخصص فى الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم.
وفى البداية – يجب أن التأكيد على أن الإنذار صحيح قانونا والاختلاف فى المسمى فقط المسمى الصحيح له هو إنذار بالكف عن الهجر والعودة لمنزل الزوجية، والذى يكلف به القاضى أثناء سير الدعوى وليس هناك مانع من انذار الزوج بالعودة والكف عن الهجر قبل رفع دعوى طلاق للهجر كقرينة إثبات على محاولة الزوجة معه العودة لمنزل الزوجية، ولكن لفظ الطاعة مخالف لنصوص القانون، فالطاعة حق للزوج فقط على زوجته ومشروط بأن يكون أمينا على نفس زوجته ومالها – وفقا لـ"رحيم".
لماذا الطاعة واجبة على الزوجة وليست واجبة على الزوج؟
أما عن أسباب وجوب الطاعة على الزوج وليست على الزوجة، يقول "رحيم": لأن قانون الأحوال الشخصية مستمد من الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية أوجبت على الزوج أن يسكن زوجته فى بيته أو يوفر لها المسكن المناسب مصداقا لقوله تعالى: "اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم"، وبذلك حين يوفر الزوج المسكن فهو ملك أو خاص به حين تخرج منه الزوجة تكون خارجة عن طاعة زوجها فى المسكن الذى يسكنها فيه الخاص به – الكلام لـ"رحيم".
والله سبحانه وتعالى فى قوله: "واللاتى تخافون نشوزهن فهجروهن"، وهنا صيغة المؤنث خص بها الزوجة دون غيرها، وأيضا لأن طاعة الزوج من لوازم القوامة الذى ذكرت فى القرآن، وإذا فقد الزوج القوامة مثل أن تكون زوجته التى تنفق عليه وتسكنه فى مسكنها هذا إستثناء مخالف للنص والاستثناء لا يقتصر عليه ولا يؤخذ به ولا يقاس عليه، والسؤال الذى يطرح نفسه الآن عن المدة التى من حق الزوجة أن تنذر زوجها بالكف عن الهجر والعودة الى منزل الزوجية؟.
المدة التى من حق الزوجة أن تنذر زوجها بالكف عن الهجر والعودة إلى منزل الزوجية
وللإجابة على تلك الإشكالية نؤكد: المادة 12 من قانون الأحوال الشخصية نصت على أنه إذا غاب الزوج سنه فأكثر بلا عذر مقبول جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضى تطليقها إذا تضررت من بعده عنها، فالمشرع أوجب على القاضى أن يضرب آجلا للزوج الغائب إذا أمكن وصول الرسائل إليه ويكتب فى الانذار بأنه يطلقها عليه القاضى إن لم يحضر للإقامة معها، ويقصد هنا المشرع من الأعذار أو الإنذار حث الزوج الغائب على العودة للإقامة مع زوجته.
يشار إلى أنه تقدمت زوجة بإنذار نشوز ضد زوجها تطالبه فيه زوجها الطبيب بالعودة لمنزل الزوجيه وعدم هجرها، وذلك بعد أن أهمل زوجته وتهرب من الإنفاق عليها وأطفالها، فأنذرته الزوجة بالنشوز، وهى من المرات نادرة الحدوث حيث أن الزوج هو من ينذر زوجته بطاعته بعد اتهامها بالنشوز، ولكن هذه المرة تبدلت الأدوار عقب تخلى الزوج عن القيام بواجباته فى الإنفاق عليها وأطفاله الصغار، فدخلت الأزمة فى منعطفها الأخير المتمثل فى ذلك الإنذار، وقيد الإنذار تحت رقم 61581 مُحضرين أسرة مدينة نصر.
زوجة تقيم إنذار نشوز ضد زوجها وتطالبه بالعودة لمنزل الزوجية
الخلاصة: الزوجة البالغة من العمر 34 عاما، ربة منزل، ارتبطت بـ"أ.ذ"، ويعمل طبيبا بشريا، 24 ساعة، وأقاما سويا فى منزل الزوجية بمنطقة مدينة نصر، غير أن تكرار الخلافات الأسرية فيما بينهما، وصلت لطريق مسدود، وفشلت محاولات الصلح بينهما، فأنذرها الزوج بالدخول فى طاعته فى منزل بخلاف منزل الزوجية، واتهمها بالنشوز، لإجبارها على العيش معه وتقبل الأمر الواقع بكل معاناته، فقامت الزوجة هى الأخرى بإنذاره واتهامه بالنشوز لأنه لا ينفق على زوجته وأطفاله الأربعة، رغم أنه يعمل طبيبًا بشريًا، وبذلك يكون الزوج قد أخلّ بواجباته فى القوامة مع زوجته.
وجاء "الإنذار" امتثالًا للآية 128 من سورة النساء، والتى نصت على:﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا﴾، باعتبار أن النشوز قد يقع فيه الزوج كما تقع فيه الزوجة بنص القرأن الكريم، واستعرض "الإنذار" بيان أوجه نشوز الزوج، والتى جاءت كالتالي: أولًا: قيام الزوج بطرد زوجته من مسكن الزوجية، ثانيا: حصوله بالإجبار على أطفاله، خاصة وأن الإنذار نوه بأنه فرّق بين أبنائه الأخوات، حيث أخذ طفلين "ذكور" وترك للزوجة طفلتين، ثالثًا: انتزع الزوج حضانة الأطفال الصغار، رابعًا: اتهام الزوج لزوجته بالسرقة والتشهير بها.