- ارتفاع التضخم عالمياً يزيد من أسعار الفائدة وبالتالى يزيد عجز الموازنة بعدما سترتفع فاتورة "خدمة دين" أجهزة الدولة
- كل دولار ارتفاع فى سعر برميل النفط عالميًا يحمل الخزانة العامة مليار جنيه
- كل 1% ارتفاع "100 نقطة مئوية" فى أسعار الفائدة عالميًا يزيد فاتورة "دين" الأجهزة بـ 28 مليار جنيه فى السنة
- كل انخفاض فى النمو السنوى لحركة التجارة العالمية بمقدار 1% يقلل من حصيلة ما يؤول للخزانة العامة من قناة السويس بنحو 2 مليار جنيه
- توقعات بانخفاض معدلات نمو التجارة العالمية لتصل إلى 4.9% فى 2023 ونحو 6% بنهاية 2022 مقابل 6.7% فى 2021
"أزمات عالمية تلقى بظلالها على الموازنة المصرية"، هذا هو المفهوم الذى استقر فى الأذهان خاصة بعد بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتى زادت من صعوبة الأوضاع الاقتصادية العالمية التى كانت تعانى بالفعل فى تلك الفترة بسبب جائحة كورونا، تلك الجائحة التى ألقت بظلالها على دول العالم بأكمله وبالتالى مصر، وبالفعل أدت هذه التقلبات والصدمات التى واجهها الاقتصاد العالمى سواء بسبب تداعيات كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية، إلى نتائج كبيرة ومؤثرة على النشاط الاقتصادى العالمى.
وبالرغم من تأثر النشاط الاقتصادى العالمى ومعدلات التوظف مما أدى إلى انخفاض الإنتاجية ومعدلات النمو وتراجع أسواق المال والبورصات وزيادة معدلات البطالة عالميًا، إلا أن الحكومة المصرية حرصت بقدر المستطاع عند إعداد موازنة العام المالى الحالى 2022/2023 على وضع تلك الأزمات العالمية وتأثيراتها فى الاعتبار، فقد تم إعداد الافتراضات الاقتصادية الرئيسية لموازنة العام المالى الحالى بشكل حذر وبما يضمن التحوط والقدرة على مواجهة آية انحرافات عن التقديرات المستهدفة.
ولكن تظل المستهدفات المالية بالموازنة عرضة للتأثر وبشدة فى حال حدوث تغيرات فى الاقتصاد العالمى، خاصة فى أسعار الفائدة أو النفط أو معدلات النمو الاقتصادى أو معدلات نمو التجارة العالمية، حيث يعد أى تغيير بالسلب فى تلك العناصر بمثابة مخاوف تهدد الافتراضات الاقتصادية الداخلة والخارجة القائمة عليها الموازنة المصرية، كما تعد أحد أهم مصادر المخاطر المالية بالموازنة، خاصة فى ظل ما تقوم الحكومات به من إعداد وتنفيذ حزم تحفيز مالية ضخمة لمواجهة أى تداعيات.
المخاوف العالمية وحجم تأثيرها على الموازنة المصرية
إلى أين يصل حجم المخاوف العالمية التى تهدد الموازنة المصرية خلال العام المالى الحالى؟، وما هو مدى تأثر الموازنة بها بالفعل؟، وكيف تم التحوط من تلك المخاوف؟، هذا ما سيعرضه التقرير التالى من واقع أرقام ومؤشرات وتوقعات البيان المالى الصادر عن وزارة المالية حول الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022/2023 والذى وجهته للبرلمان خلال دور الانعقاد الثانى له، وأيضًا من خلال تصريحات النائب ياسر عمر شيبة وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب وتوقعاته للوضع الحالى والفترة المقبلة.
بالفعل أدت الأزمات العالمية إلى انخفاض عوامل النمو الرئيسية للاقتصاد العالمى مثل الاستهلاك والإنفاق الرأسمالى والصادرات وهو ما أثر سلباً على أداء الاقتصاديات المتقدمة والناشئة على حد سواء، وقد أدت الأزمات المرتبطة بجائحة كورونا إلى قيام الحكومات بتنفيذ حزم تحفيز مالية ضخمة، وهو ما أدى إلى تزايد عجز الموازنات ومستوى المديونية بكافة الاقتصادات، مما أدى إلى تراجع وتدهور المسارات المالية للدول وحدوث تبعات اقتصادية غير مواتية مثل ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
أسعار الفائدة عالميًا
بالنسبة لأسعار الفائدة عالميًا، يتمثل التخوف من تأثيرها على الموازنة فى إنه مع تزايد التوقعات العالمية بارتفاع معدلات التضخم وانعكاس ذلك فى حدوث توقعات بارتفاع عوائد الأذون والسندات فى الأسواق العالمية فمن المهم التأكيد على أن أى ارتفاع فى أسعار الفائدة المحلية بنحو 100 نقطة مئوية 1% مقارنة بما هو مستهدف بمشروع الموازنة للعام المالى الحالى سيكون له تأثير سلبى على عجز الموازنة، وذلك نتيجة زيادة فاتورة خدمة "دين" أجهزة الموازنة العامة بنحو 28 مليار جنيه سنوياً.
توقعات معدلات النمو العالمية
أما معدلات النمو العالمية فالتخوف من تأثيرها على الموازنة المصرية، يتمثل فى أن معدل النمو يعد أحد أهم الافتراضات الرئيسية التى تبنى عليها العديد من بنود الموازنة العامة مثل التقدريات للإيرادات الضريبية والجمركية والإيرادات الأخرى، وبالتالى فخطر تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى عن المعدلات المقدرة فى الموازنة العامة سواء كان ناتجاً عن أسباب محلية أو لتباطؤ معدلات نمو الاقتصاد العالمى، قد يؤثر سلباً على أداء النشاط الاقتصادى مما له من أثر مباشر على تغيير المستهدفات المالية مثل مستهدف العجز الكلى والفائض الأولى، وبالتلاى مستهدفات "دين" أجهزة الموازنة العامة.
وقد كان من المتوقع أن يبدأ الاقتصاد العالمى فى التعافى مع بدء حملات التطعيم فى مختلف البلدان للسيطرة على تفشى جائحة كورونا، حيث كان من المتوقع أن يحقق معدل نمو النشاط الاقتصادى العالمى فى عام 2022 نحو 4.4% مقارنة بانكماش قدره 1.5% عن معدل النمو فى 2021 والذى سجل 5.9%، وهو ما كان يمكن أن ينعكس على أداء الموازنة العامة ومعدلات نمو النشاط الاقتصادى.
إلا إنه ومع الاضطرابات الحادثة والارتفاع الكبير فى معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية وخاصة الغذائية والبترولية، وأيضًا ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا والصراع الروسى الأوكرانى، الذى ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمى، تم خفض التوقعات فى الاقتصادات المتقدمة والاقتصاد العالمى ككل، وفقاً لصندوق النقد الدولى.
التجارة العالمية وتوقعات معدل نموها
وعن التجارة العالمية، وحجم التخوف من تأثيراتها على موازنة العام المالى الحالى، فيتمثل فى التوقعات بانخفاض معدلات نموها لتصل إلى 4.9% عام 2023 ونحو 6% فى 2022 مقارنة بنحو 6.7% فى عام 2021، وذلك استنادًا على أحدث التوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولى فى تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمى الصادر فى يناير 2022.
وهو ما يتوقع أن يؤثر هذا الانخفاض فى نمو التجارة العالمية على حصيلة الإيرادات العامة للدولة، خاصة المتحصلات من كل من قناة السويس والضرائب الجمركية والضرائب على الواردات، حيث يقدر الأثر المالى السلبى لكل انخفاض أو ارتفاع بمقدار 1% فى النمو السنوى لحركة التجارة العالمية على إجمالى ما يؤول للخزانة العامة من إيرادات قناة السويس بنحو 2% مما يؤدى إلى انخفاض أو ارتفاع حصيلة ما يؤول للخزانة من القناة بنحو 2 مليار جنيه.
توقعات أسعار النفط العالمية
ومن ضمن المخاوف أيضًا التى تهدد الموازنة المصرية خلال العام المالى الحالى، الأسعار العالمية للنفط، خاصة أن أحدث التقديرات العالمية تشير إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية خلال عام 2022، حيث ارتفع سعر خام برنت من 71 دولار للبرميل فى مارس 2021 ليصل إلى 102.78 دولار للبرميل بحلول إبريل 2022، مسجلاً 110 دولارا للبرميل بحلول شهر مايو 2022، كما تشير أوضاع السوق إلى أن المعروض النفطى لم يواكب انتعاش الطلب مما دفع أسعار النفط إلى أعلى، هذا بجانب حدوث اضطرابات فى إمدادات النفط الروسية بسبب الأزمة الأوكرانية.
وفى حالة ارتفاع سعر النفط العالمى ليفوق الافتراضات المتوقعة بنحو 1 دولار للبرميل، سيؤدى ذلك إلى تدهور صافى العلاقة مع الخزانة، وباللتالى زيادة العجز الكلى المستهدف بأكثر من مليار جنيه لكل زيادة مقدارها دولار للبرميل عما هو مقدر بالموازنة للعام المالى الحالى 2022/2023، ولكن حاولت الحكومة عند إعدادها للموازنة أن تضع بعض الحلول لهذا الأمر، لذا قامت بتطبيق نظام التسعير التلقائى للمواد البترولية بشكل يسمح بوجود مرونة فى تسعير المنتجات البترولية وحماية الموازنة والهيئة العامة المصرية للبترول من تقلبات تغير أسعار سعر الصرف وأسعار برنت العالمية.
تعليق البرلمان
وحول كل هذه الأمور، علق النائب ياسر عمر شيبة وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، قائلاً: "إنه لا يوجد شك فى أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها جائحة كورونا أثرت على الأوضاع الاقتصادية بكل الدول ومصر من بينها، كما أن موازنة العام الحالى مبنية على أرقام معينة وأى اختلاف يحدث فى الأوضاع سواء سلبى أو إيجابى بالتأكيد سيؤثر على الحساب الختامى للموازنة والمعدلات المحققة سواء بالزيادة أو النقصان".
وتابع مؤكداً: "أنه بالرغم من كل ذلك إلا أن الوضع مستقر فى مصر لنهاية العام المالى فيما يخص كيفية مواجهة تلك الآثار للأزمات العالمية، والموازنة العامة للدولة للسنة المالية الحالية 2022/2023، مؤَمنة لمواجهة أى مفاجآت أو طوارئ فى تداعيات الأزمات العالمية والتى يأتى على رأسها حرب روسيا وأوكرانيا، وذلك من خلال الاعتمادات المالية فى المخصصات الاحتياطية ومخصصات الطوارئ بالموازنة".
وأوضح شيبة فى تصريحات لـ "برلمانى"، أنه بالنسبة للوضع الداخلى فى مصر، فقد وصلنا لذروة التضخم فى الأشهر الثلاثة الأخيرة، ولكن بدأ المؤشر فى النزول حالياً، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة معدلات أفضل، أما بالنسبة للوضع العالمى، قال "شيبة": "إنه بالتاأكيد سياخذ وقت مش أقل من سنة لتحسن الأوضاع وذلك فى حالة توقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا وعدم استمرارها أو امتدادها لدول أخرى".
وأشار وكيل لجنة الخطة والموازنة، إلى أن أكثر ما تأثر به الاقتصاد المصرى بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية فى الفترة الماضية، أسعار المواد البترولية والتى يؤدى تغيرها عالميًا إلى ارتفاع دعم المواد البترولية المقدم من الدولة، وهو ما حدث بالفعل فى الحساب الختامى للعام المالى السابق 2021/2022، حيث كان متوقع له عند إعداد موازنته أن يصل دعم المواد البترولية به لنحو 25 مليار جنيه ولكنه فعلياً فى الحساب الختامى للموازنة وصل إلى 59 مليار جنيه، وهو المتوقع حدوثه أيضًا فى الحساب الختامى لموازنة العام المالى الحالى.
وتابع: "تأثر الاقتصاد المصرى أيضًا الفترة الماضية، بتراجع نسبة الأموال القادمة من الخارج والتى تعرف باسم (الأموال الساخنة)"، لافتا إلى إنه من الممكن استبدال تلك الخسائر ببدائل أخرى نابعة من الدولة كتنشيط الصادرات ودعم الصناعة والزراعة، وهى بالفعل الحلول التى تتجه إليها الدولة حاليًا بمزيد من الجهد والدعم.
وأضاف: "فى الفترة الأخيرة وبسبب الأزمات العالمية والتى كان آخرها الحرب الروسية الأوكرانية كانت التدفقات المالية فى مصر معتمدة بشكل كبير على التصدير وأموال المصريين فى الخارج"، مقترحًا أن يتم الاتجاه لزيادة تلك التدفقات بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة وتشجيع المصريين بالخارج على عمل ودائع بالعملة الصعبة لفترات معينة مثلاً للمساهمة فى التدفقات النقدية خاصة العملة الصعبة، هذا بجانب زيادة الصادرات من خلال تصدير منتجات جديدة وغيرها من الأفكار خارج الصندوق التى نحتاج أن نتجه إليها ونعتمد عليها الفترة المقبلة.
ولفت النائب ياسر عمر شيبة، إلى أنه بالرغم من كل هذه التأثيرات إلا أن موازنة العام المالى الحالى آمنة بعيدًا عن أى شائعات أو سيناريوهات اقتصادية تشاؤمية، مؤكداً أن الموازنة محوطة بالمبالغ الاحتياطية الموضوعة بها والتى تتجاوز 130 مليار جنيه، والتى تم الاعتماد على جزء منها على سبيل المثال فى زيادة برامج الحماية الاجتماعية التى أقرتها الدولة مؤخراً بتكلفة وصلت لنحو 11 مليار جنيه لمواجهة تداعيات الأزمات العالمية وتخفيف آثارها على المواطن المصرى.