"تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن"، تلك المقولة التي لا يتمنى أحد حدوثها أبدًا، خاصة في ظل السعي الدائم نحو تحسين الأوضاع والتغير للأفضل ففي هذه الحالة يتمنى المرء أن تُكمل مساعيه على أكمل وجه ولا يحدث ما يغير اتجاهها للأسوء أو إلى طرق غير مرغوب بها، ولكن في ظل وجود بعض الصعوبات والمخاوف التي باتت تهدد العالم بأكمله الآن، وتأثيرات تلك الصعوبات على اقتصادات وموازنات الدول، أصبح التخوف من تحقق تلك المقولة أمر متوقع.
بعد جائحة كورونا وأزمة حرب روسيا وأوكرانيا التي تلتها، أصبحت كافة الدول، سواء متقدمة أو ناشئة، لديها تحديات كبيرة تواجهها في اقتصاداتها، وبالرغم من محاولات الدول -ومن بينها مصر- مواجهة تأثيرات تلك الأزمات على الأوضاع الاقتصادية والتخفيف من حدتها على المواطنين، إلا أن التوقعات بمدى استمرارية تلك التأثيرات وحجمها لا يزال "خارج السيطرة"، خاصة أن الأزمات المتسببة في ذلك مازالت مستمرة، وهو الأمر الذى دفع الدول -ومن بينها مصر- إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه التأثيرات وتخفيف حدتها على الشعوب.
بحسب الأرقام والمؤشرات العالمية التي تناولها تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب حول الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 22/23، تتمثل الصعوبات والمخاطر العالمية التي قد تؤثر على الأوضاع الاقتصادية المحلية للدول والحسابات الختامية لموازنتها حال حدوث المزيد منها خلال العام المالى الحالي في، تباطؤ معدلات النمو العالمية وارتفاع أسعار الفائدة وأسعار النفط وتراجع معدلات نمو التجارة الدولية، والتي سيكون من أبرز نتائجها تأثر النشاط الاقتصادى العالمى مما سيؤدى إلى انخفاض الإنتاجية ومعدلات النمو وتراجع أسواق المال ومن ثم تأثر اقتصادات الدول.
وقد حرصت الحكومة المصرية بقدر المستطاع عند إعداد موازنة العام المالى الحالى 2022/2023 على وضع تلك الأزمات العالمية وتأثيراتها فى الاعتبار، فقد تم إعداد الافتراضات الاقتصادية الرئيسية لموازنة العام المالى الحالى بشكل حذر وبما يضمن التحوط والقدرة على مواجهة آية انحرافات عن التقديرات المستهدفة، ولكن وبالرغم من تلك التحوطات تظل المستهدفات المالية بالموازنة عرضة للتأثر وبشدة فى حال حدوث تغيرات فى الاقتصاد العالمى، حيث يعد أى تغيير بالسلب فى تلك العناصر بمثابة مخاوف تهدد الافتراضات الاقتصادية القائمة عليها الموازنة المصرية وأحد أهم مصادر المخاطر المالية.
لا تقتصر الصعوبات والتحديات التي تواجه الموازنة المصرية على تلك المخاوف العالمية وتأثيراتها فقط، بل هناك أيضًا مخاوف محلية قد تضطر الحكومة إليها خلال العام المالى، أبرزها، القروض والتسهيلات الداخلية الخارجة بضمانات للجهات الحكومية من الخزانة العامة للدولة، علاوة على، التعويضات في قضايا التحكيم الدولى التي قد يُحسم فيها الأمر خلال السنة المالية.
حيث تعتبر الحكومة هذه الأمور "أزمات محتملة"، وبالرغم من إنها غير مؤكدة الحدوث وتنشأ نتيجة أحداث ماضية قد يترتب عليها نتائج في المستقبل - فى حالة التعويضات بقضايا التحكيم الدولى- إلا أن وزارة المالية تعتبر التوقع بحجم المطلوب لها من مخصصات مالية "خارج السيطرة" ويصعب توقعه في الموازنة العامة بشكل محدد.
ويأتى عدم التوقع لتكلفة تلك الأمور بالموازنة العامة، بسبب احتمالية حدوثها واضطرار الحكومة للجوء إليها أو لا، حيث يتوقف حدوث هذه الأشياء على الظروف الطارئة، فعلى سبيل المثال، بالنسبة للتسهيلات والضمانات الخارجة من الخزانة العامة، فقد تضطر وزارة المالية إليها فى حالة احتياج الجهات المملوكة للدولة للحصول على قروض من المؤسسات المحلية أو الخارجية وكذلك تسهيلات من الموردين لتمويل المشروعات القومية والمرافق العامة.
أو قد يتم اللجوء إليها أيضًا، فى حالة عدم رغبة المُقرض أو الشريك التجارى الآخر فى تحمل درجة المخاطرة حال عدم وجود ضمانة من وزارة المالية، كما أنه أحيانًا تنخفض تكلفة التمويل على الجهة المملوكة للدولة من الموردين إذا وجد ضمان للقرض أو للتسهيلات من الخزانة العامة، أما فى حالة التعويضات فى قضايا التحكيم الدولى، فقد تضطر الخزانة العامة بشكل مفاجئ لسداد تعويضات نتيجة الفصل فى قضايا التحكيم الدولى المرفوعة على الحكومة المصرية أو تسويتها وديًا، لذا يدرج عند إعداد الموازنة العامة للدولة مخصص للطوارئ تحسبًا للمطالبة بالسداد أثناء العام المالى.
الإجابة، أوضحها تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب حول الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022/2023، وذلك من واقع مؤشرات البيان المالى الذى وجهته وزارة المالية للمجلس خلال دور الانعقاد الثانى للبرلمان، حيث أكد التقرير على أنه بالرغم من وجود مخاوف وصعوبات خارج التوقعات سواء بحدوثها من عدمه أو بمدى تأثيرها أو بحجم نفقاتها، إلا أن وزارة المالية تحوطت تجاه كل هذه التحديات المحلية والعالمية بعدة إجراءات، أبرزها، المخصصات الاحتياطية المدرجة بالموازنة العامة للطوارئ، والتي تعتمد عليها الدولة لمواجهة أي خطر مالى يحدث بشكل مفاجئ.
هذا بجانب، ما تعمل عليه الوزارة على مدار الخمس سنوات الأخيرة من إعداد لمنظومة متكاملة وعصرية لإدارة ومتابعة التعامل مع أهم المخاطر المالية بشكل فعال ومرن وكفء وبما يسهم فى تحقيق استدامة المالية العامة وزيادة القدرة على تحقيق مستهدفات الموازنة، وذلك من خلال إعداد تقرير نصف سنوى يتضمن تحديد وتوصيف لأهم المخاطر المالية المؤثرة على إكانية تحقيق المستهدفات المالية للعام المعنى، وبالتوازى اقتراح وتنفيذ الإجراءات الاحترازية أو التصويبية المطلوبة للتعامل مع أهم التحديات المالية.
كما تضمنت تحوطات الوزارة، إنشاء وحدة وإدارة مستقلة للمراجعة الداخلية فى عام 2018 تابعة بشكل مباشر لوزير المالية، حيث تقوم تلك الإدارة بمساعدة وزير المالية والإدارة العليا بالوزارة على مراجعة أداء القطاعات والمصالح التابعة لوزارة المالية وتحديد آية مخاطر أو نقاط تتطلب تصويبًا أو تحسينًا فى منظومة العمل وكفاءته، هذا بالإضافة إلى، إعداد مستهدفات شهرية للموازنة بشكل دقيق لضمان تحديد آية مخاطر مرتبطة بالقدرة على تحقيق المستهدفات المالية ومستهدفات الدين بشكل سريع.