تحتل أحكام التركات وقواعد الفرائض والميراث والفقه الإسلامي حيزا متميزا عن باقي أبواب الفقه الأخرى، ولذلك فلا عجب أن عده بعض العلماء والباحثين علما مستقلا بذاته له قواعده وأصوله وأحكامه وتفاصيله، إذ قد تضافرت الآثار وتواترت الأخبار من أنه ثلث العلم أو نصفه، فعلم المواريث من أعظم العلوم وأجلها وانفعها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل آية مُحكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة"، صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "تعلموا الفرائض وعلموها فإنه نصف العلم وهو يُنسى وهو أول شيء ينزع من أمتى".
وقد خلق الله تعالى الإنسان صنفين متمايزين، فيتحدد جنسه لما ظهر من حاله، باعتباره المعيار الأساسي في تحديد جنس الانسان: إما ذكر، فتكون له أعضاء جنسية وجسدية ذكرية وإما أنثى، فتكون لها أعضاء جنسية وجسدية أنثوية، وميز كل صنف بخصائص خلقية ونفسية تميزه عن الآخر غير أنه قد تجتمع خصائص كلا الصنفين في مخلوق واحد شاذ، فلا نلحقه بالرجال، ولا بالنساء، وكأن تكون له عضو الذكورة وعضو الأنوثة أو تنعدم لديه كلا الآلتين، فيكون مخلوقا شاذا، وهو ما يُطلق عليه الفقهاء والقانونيون مصطلح "الخنثى"، الذى لا يعتبر جنسا ثالثا مع الذكر والأنثى.
ميراث الخنثى في الشريعة والقانون بين التأويل والتطبيق
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية ميراث الخنثى في الشريعة والقانون، وهو ما يطلق عليه بـ"ميراث الخنثى المشكل" هو أحد أبواب فقه المواريث، وهو على خلاف أصول التوريث من حيث وجود الإشكال في حال الذكورة والأنوثة، فالخنثى المشكل هو الوارث الذي أشكل حاله، ولم يتبين هل هو من الرجال؟ أم من النساء؟ ويعد من الأشياء النادر وجودها، والمخالفة لما هو متعارف عليه في مسائل المواريث، وإذا لم يتبين الحال؛ تقدر مسألتان للتوريث، ويأخذ منهما الأقل المتيقن منه، وفي الباقي تفاصيل أخرى في علم فروع الفقه – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض شوكت مدبولى.
في البداية – هناك حالة شهيرة لنجل أحد الفنانين – متحولة جنسيا - ثار حولها اللغط في عملية الإرث هل سيرث كذكرا أم كأنثى؟ وتباينت الأراء الفقهية والقانونية حول هذا الشأن بين إذا الخنثي ولد ذكرا ثم عدل جنسه طبيا إلي أنثي فإنه يأخذ حكم الأنثي ويرث حقها شرعا، بإعتبار أن المسألة الطبية هنا هي فاصلة في تحديد النوع، بينما جاء الرأي الأخر بأن القوانين في مصر تخضع للشريعة الاسلامية طبقا للدستور والشريعة الاسلامية ليس لديها حرية اختيار النوع إلا إذا كان المولود مخنث اي أن أجهزته الداخلية غير شكله الخارجي هنا يتحول النوع في الأوراق الرسمية فقط، ولكن طبقا للحالة الورادة فهو خلل نفسي كان ينبغي أن تتم المعالجة نفسيا ولكن عملية تحويل النوع مرفوضة قانونا في مصر ولن تعدل أوراقه الرسمية بأي شكل من الأشكال لذكر لأنها مخالفة للنظام العام والدستور، وبناء علي هذا الرأي ترث المحوله جنسيا ثلثي التركة والباقي تعصيبا لباقي الورثة – وفقا لـ"مدبولى".
ويمكن تعريف "الخنثى" بتعريف جامع، كما عرفه جمهور فقهاء الشريعة بأنه: "الذي يملك آلة رجل وفرج امرأة أو ليس له شئ منهما"، ويمكن تقسيم "الخنثى" إلى قسمين رئيسين –الكلام لـ"مدبولى":
الأول: خنثى مشكل
الثاني: خنثى غير مشكل
فالخنثى الذي يتبين فيه علامات الذكورة، فيعلم أنه رجل أو امرأة ليس بمشكل، وإنما رجل فيه خلقة زائده او إمراه فيها خلقة زائده، وأحكام الخنثى الفقهية كان مبناها عند الفقهاء المشاهدة والتجربة ورأي الأطباء في وقتهم، وقد اتفق فقهاء الشريعة على أن "الخنثى" ينقسم إلى قسمين:
الأول: الخنثى الواضح وهو الذي زال عنه الغموض وظهرت فيه علامات الذكورة من آلة الذكر أو ظهرت فيه علامات الأنوثة من فرج المرأة منذ الولادة أو من وقت البلوغ.
الثانى: "الخنثى المشكل أو الغير واضح"، هو من لا يتبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة ولا يعلم أهو رجل أو إمراه أو لانعدام العلامات الدالة عليه أو وجدت الآلة الدالة على النوع لكن تعارضت مع العلامات أو استوت مع بعضها، وذلك كان يخرج البول من الآلتين معا ويستويان في السبق أو يستويان في الكثرة، وقد قسموا "الخنثى المشكل أو الغير واضح"، والخلاف الفقهي بين أئمة المذاهب الفقهية الأربعة في "كيفية ميراث الخنثى المشكل"، ولكل فريق أدلته الفقهية التي لها وجاهتها الشرعية: فقد ذهب جميع الائمة الي توريث "الخنثى المشكل"، لكنهم اختلفوا على قدر الميراث من حيث:
1-اليقين.
2-أسوأ الحالتين.
3-من يرجى معرفة حالة.
على أقوال أربعة:
القول الأول: وهو ما ذهب إليه الحنفية ومن وافقهم... إن "الخنثى المشكل" الذي لم يعرف حالة بأن تعارضت علاماته، فهو يعامل معاملة الأنثى مطلقا إذا كان نصيب الأنثى هو أقل الأنصبة، ويعطي نصيب الذكر إذا كان نصيب الذكر هو أقل الأنصبة، وقد استدلوا على ذلك بأن الأقل هو الثابت باليقين وأن الأكثر مشكوك فيه، وعملا بالقاعدة الفقهية مالا يثبت باليقين لا يثبت بالشك، فيعطي أقل الأنصبة إذا كان النصيب الأقل حق أنثى أو ذكرا.
القول الثاني: وهو ما ذهب إليه المالكية ومن وافقهم من الحنابلة أن "الخنثى المشكل"، يورث نصف نصيب الأنثى أو نصف نصيب الذكر، مطلقا سواء رجى اتضاح حاله أم لا، وقد استدلوا بالمعقول وبقول الصحابي على النحو التالي:
1- ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه قد ورث الخنثى المشكل نصف نصيب الذكر والأنثى مطلقا.
2- ومن المعقول: إن ميراث الخنثى مغاير لميراث الذكر والأنثى لتعذر معرفة حالة، فوجب التوسط في ميراثه بين الذكر والأنثى.
هذا من ناحية:
ومن ناحية ثانية: توريث الخنثى في أسوأ حالاته ليس بأحسن حالاته، لذا وجب التسوية في الحالتين بإعطاء الخنثى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى.
ومن ناحية ثالثة: التسوية في ميراث الخنثى قائم على تساويه في حالتي الذكورة والأنوثة.
القول الثالث: ذهب الشافعية ومن وافقهم من الحنابلة على أن توريث الخنثى المشكل على أمرين:
الأمر الأول: توريث الخنثى باليقين، فأوجب معاملة الخنثى بالأسوأ والأضر في حقه وحق باقي الورثة، وقد وافقهم الحنابلة لهم في ذلك وهو قول من رجى اتضاح حاله أيضا.
الأمر الثاني: أن كان الخنثى يرث بحال دون الاخرى "ذكرا أو أنثى"، فلا يدفع له بشيء من التركة بل يوقف ما يرثه على التقدير الذي يرث فيه.
وقد استدلوا في رجاء اتضاح حاله بوجهين:
الوجه الأول: أن الخنثى يحتمل أن يكون ذكر ويحتمل أن يكون أنثى، فأعطيناه في ميراثه باليقين وهو الميراث الأقل ولم نورثه ما زاد لأنه توريث بالشك والمال لا يجب مع الشك.
الوجه الثاني: بالنسبة لباقي الورثة فهم ورثة بالأضر بهم والأقل من نصيبهم لأن عدم اليقين لا يستحقون به الموقوف من التركة.
والقول الراجح المعمول به: من هذه المذاهب واعدلها هو قول الشافعية ومن وافقهم من الأحناف في مسألة توريث الخنثى باليقين، وقول المالكية ومن وافقهم من الحنابلة في مسألة توريث الخنثى نصف نصيب الذكر والأنثى مطلقا سواء رجى اتضاح حاله أم لا.
والسبب في هذا الترجيح:
أولا: في القول بغير ذلك تضيع حق الخنثى في الميراث أن كان يرجى اتضاح أمره بتوريثه ما هو الأفضل له.
ثانيا: توريث الخنثى وفق اليقين أو من يرجى معرفة حالة فيه حفظ لحقوق باقي الورثة.
ثالثا: توريث الخنثى نصف نصيب الذكر والأنثى عند عدم اتضاح حالة فيه عدالة مطلقة لتساوي الحالتين، فوجب التسوية بين حكميهما.
رابعا: وقف المال على أمل اتضاح حالة الخنثى فيه اضرار بباقي الورثة، وضياع المال ومنهم من يستحق نصيبه يقينا، فلا يوقف شئ من التركة على امل اتضاح الخنثى.
خامسا: توريث الخنثى بأسوأ أحواله ليس أولى من توريث الخنثى بأحسن أحواله، وكذلك باقي الورثة.
وعلى خلاف ما سبق فقد أخذ قانون المواريث المصري رقم 77 لسنة 1943 فى المادة رقم "46 "- بما قاله الحنفية وكان نصها الآتي: "للخنثى المشكل والذى لا يعرف أذكر هو أم أنثى أقل النصيبين، وما بقى من من التركة يعطى لباقى الورثة"، وهذا ما ذهب اليه أيضا المشرع الكويتي والمشرع القطري فى المادة رقم "298".
دور العلم والطب في تحديد المخنث المشكل من عدمه
وللعلم والطب الحديث دور في كشف الحالة المستكنة "للخنثى المشكل" لبيان حالة، فلا يمكن بأي حال إنكار دور المجتهدين العظام وفقهاء الأمة في تحديد حقيقة "الخنثى المشكل"، بما توفر لديهم من علم قديما والنظر في متابعة الميل الجنسي في تحديد النوع، وكذلك لا يمكن أن ننكر دور الطب حديثا في الكشف حقيقة "الخنثى المشكل"، ودور العلم الطبى في تلك المسألة جد عظيم في فحص الغدد المؤثرة في حالات التأنيث والتذكير وفحص كريات الدم وأجراء الأشعة اللازمة فقد يكون "الخنثى المشكل" خنثى مشكل ذكر كاذب أو خنثى مشكل أنثى كاذبة، مما يصعب معه تحديد النوع إلا بفحص دقيق طبيا.
فقد جاء في كتاب الفرائض للأمام محي الدين النووي رضي الله عنه شرحا لكتاب المجموع للأمام يحي بن شرف النووي على شرح كتاب المهذب للأمام ابي إسحاق الشيرازي، قوله ما نصه: "أن الانسان وقد خلق الله فيه مركبات من الغدد التي منحها سبحانه خصائص الذكورة وأخرى منحها الأنوثة فبعض هذه الغدد له إفرازات في الجسم ونشاط في تشكيل شكل الجسم، فغدد الأنوثة يتضح عملها نتوء الثدييين وتجرد الوجه من الشعر كاللحية والشارب ورخامة الصوت ولينه ونعومته، أما غدد الذكورة فيتضح عملها في إنبات اللحية والشارب الصوت وخشونته واستقامة نبراته، وأن تلك الغدد تتركز في الجهازين التناسلي للذكر والأنثى.
ميراث العابرين جنسيا
يشار إلى أن العابرين جنسيا يرثون - حتى الآن - باعتبار ما كانوا عليه، وليس باعتبار ما صاروا إليه، وأن من تحول من أنثى إلى ذكر سيرث وفقا لما هو مثبت في بطاقة رقمه القومي أو شهادة ميلاده، عند وفاة المورِّث، الأمر الذى جعل العديد من الفقهاء والدستوريين والأطباء يطالبون الجهات المسئولة بمزيد من الأبحاث والدراسات الطبية والشرعية للفصل في مسألة ميراث العابرين جنسيا، وخاصة إذا حدثت عملية التحول الجنسي بموافقة الأطباء المختصين، بناء على التقارير الطبية قبل وفاة المورِّث، وأدت إلى ترجيح جانب الذكورة، أو ترجيح جانب الأنوثة، فإذا توفي المورِّث بعد العملية فيوزع الميراث وفقا للوضع الجديد الذي أبرزته العملية الجراحية، بناء على موافقة الأطباء.
ويرى العديد من المتخصصين والفقهاء والقانونيين أن ميراث المتحول جنسيا مسألة شائكة وحساسة، وتخضع لاعتبارات كثيرة جدا، وتحتاج إلى مزيد من الدراسات والأبحاث التي يشترك فيها جميع المتخصصين، سواء من الناحية الطبية، أو الشرعية، أو القانونية، ولا يكتفي عند الحكم فيها بالميول العاطفية أو العقلية فقط، ولا بالتغيرات الجسدية أيضا فقط، لأنه قد ثبت بالتجارب والواقع أن بعض الناس يستطيعون أن يغيروا في طبيعتهم الشكلية وميولهم الجنسي عن طريق حقن الجسم ببعض المواد والهرمونات، وهنا لابد من سن تشريع قانونى بناء على تلك الأبحاث العلمية.
رأى عالم أزهرى في الأزمة
هذا وقد سبق للشيخ مظهر شاهين، وإمام وخطيب مسجد عمر مكرم، التعليق على هذه الأزمة من خلال كتابة تدوينه على صفحته الشخصية بقوله: "بعض من يتحولون جنسيا في أوروبا إنما يفعلون ذلك بحثا عن الشهرة أو المال، أو تحت تأثير هوس التغيير والتمرد، والبعض الآخر سواء في أوروبا أو في بلادنا إنما يفعلون ذلك نتيجة اضطرابات جنسية، وهروبا من معاناة ناتجة عن هذا الاضطراب من حيث إنهم يجدون أنفسهم يعيشون بعواطف نوع في قالب نوع آخر، بمعنى أنهم يجدون أنفسهم من داخلهم شىء، ومن الخارج شىء آخر، وهذا أمر لو تعلمون في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى حلول طبية وشرعية".
وتابع "شاهين" خلال تدوينته: "الشريعة الإسلامية مصدر التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فإن التصور الإسلامي لحرية تغيير الجنس، فرق بين عمليات تصحيح الجنس وعمليات تغيير الجنس، حيث أباح جمهور رأي الفقهاء شرعًا عمليات تصحيح الجنس باعتبارها علاجًا للمرضى الذين يعانون اضطرابات عضوية كحالات الخنثى الذكرية والخنثى الأنثوية.
الدعوة لضرورة تغيير الأحكام الفقهية والقانونية
واستطرد: "أما عمليات تغيير الجنس التي تتم للمرضى الذين يعانون من اضطرابات الهوية الجنسية وهو الإحساس الداخلي بالأنوثة أو الذكورة وهو ما يسمى بالجنس العقلي وهو في حقيقته تغيير من وضع سليم إلى خاطئ، ومن ثم كان إجماع الفقهاء على تحريم عمليات تغيير الجنس، لما تنطوي عليه من تغيير خلق الله، ولذا بات الأمر في حاجة إلى دراسة وافية ومتأنية إذا أردنا تغيير الحكم الفقهي السابق".
واختتم تدوينته قائلا: "ولما كانت المواريث مسألة متعلقة بالحقوق والأنصبة بات الأمر أكثر صعوبة، وفي حاجة ماسة إلى الحيطة والحذر قبل تغيير الأحكام الفقهية والقانونية، وأعتقد أن القانون المصري حتى الآن لم يوافق على تغيير النوع في بطاقة الرقم القومي للمتحولين جنسيا، وصدر بذلك بعض الأحكام القانونية المؤيدة لموقف وزارة الداخلية في رفضها لتغيير النوع في بطاقة الرقم القومي، وبذلك فحكم العابرين جنسيا عند ميراثهم سيكون باعتبار ما كانوا عليه، وليس بما صاروا إليه، إلا إذا تراضى بقية الورثة بتوريثهم باعتبار ما صاروا إليه بالتراضي فيما بينهم، فهذا شأنهم".